من يأتينا مرة، يأتينا كل مرة، يلجأ إلى باب “افتح قلبك”، كل من جرب الاستناد إليه ولم يغلق باب في وجهه، من يأتينا مرة، يعلم أننا إلى جواره في كل مرة تواجهه عواصف الحياة، وتطبح براحة باله، لذلك كثيرًا ما نكرر نشر قصص سبق وتعرضنا لها، لكن مع إضافات حية لواقع ممتد، قصص عايشناها، وتركت بصمتها علي وجداننا، فلن نستطيع التخلي عن أبطالها، ولكل قصة تاريخ، وحاضر ومستقبل نتابعه، طالما لجأ إلينا البطل، باسطاً كفيه منتظرًا عطاء - مادياً كان أو نفسياً، فدورة حياة باب ”افتح قلبك”، علمتنا أن بوابات القلوب تظل مفتوحة طالما حيينا، وحتي النفس الأخير، لأن زادنا هو الحب، وهدفنا هو الإنسان في أي زمان، حتي ولو عاد إلينا ألف مرة.
الأسطى مرزوق أحد من يترددون علينا في أوقات الضيقات، فقد نشرنا قصته بالتفصيل، في شهر مايو 2018، تحت عنوان “مقبرة الأحياء”.. مرزوق يبلغ العمر 46 عاماً، يعمل ترزيًا متخصصًا في مجال ملابس الكهنوت والشمامسة ومناسبات التنصير، رجل معدم، كان يحيا في حجرة بسيطة، أقرب إلى المقبرة، حينما نشرنا عنه لم يكن يطلب طلبات مستحيلة، أمنياته البسيطة كانت تنحصر في توب قماش لطلبية عاجلة، لم يكن يملك ثمن المادة الخام، فضلاً عن أنه لا يملك ماكينة تطريز، لكنه يذهب لزميل له ويستأجر الماكينة بالساعة، بل ويمنحه مقابل ذلك نسبة من المكسب الذي بالكاد يغطي التكلفة، حينها كتبنا عنه أن طلباته لم تكن دراماتيكية حتي ينال التعاطف والعطايا المتفقة بسبب سوء معيشته وإنما أقل القليل.
وساعدنا الأسطي مرزوق حتى يشتري الأقمشة، ويسدد الطلبية، وساعدناه في إيجاد سكن ملائم، حجرة ملحق بها دورة مياه، ليخرج من المقبرة التي طرده أخوه منها معتبرًا أنها جنته، فصراعات الفقراء دائما على الفتات، فمرزوق هو الأصغر بين إخوته وأخواته الخمسة يتيم الأبوين منذ أن كان عمره 13 عاما، كان يحيا مع أخيه الأكبر الذي يبغ من العمر 50 عاما، حتى قرر أخوه الزواج لكن على حساب مرزوق الذي حكم عليه ترك المنزل وتشرد، ونام في الشوارع بعد أن طرده أخوه وحينها لجأ إلينا، واستأجر حجرة، كانت فارغة إلا من البرد والوحدة، كما وصفناها سابقا وتولينا تركيب الشباك والباب وتصليح الحمام، الملحق بالحجرة، وساعدناه في شراء الأثاث.
استمر مرزوق في الحجرة الجديدة حتى نهاية الأسبوع الماضي حينما جاء إلينا عاجزًا عن حل المشكلة، هو رجل هادئ بطبعه، ولديه عزة نفس شديدة، يتكلم بالتقسيط، ويطلب بصعوبة.. قال مرزوق: أنا كنت عايش في الأوضة اللي جبتوها لي، وبادفع الإيجار من شقايا، وماقدرش اتجوز لأن مش معايا فلوس تجيب سكن، وضاع حلمي في أن يكون عندي حتة عيل، ودلوقت عندي خمسين سنة، ومافيش حد هايرضي بظروفي، وليس عندي ونيس في حياتي كلها، ساعات بيوحشني الكلام، باحس إن لساني متحجر، مابينطقش من الوحدة، لكن حتى ده مابقاش المهم ولا الحلم، لأن الأهم والأخطر، هو إني مهدد بالطرد والتشرد في الشوارع، بعد ما اتعودت علي أربع حيطان يستروني. صاحب السكن اللي أنا فيه جات اخته تسكن معاه، ولا بنات، وبيخرجوا بقعدوا علي السلم في الحر، وفي شباك في الأوضة عندي يشوف شقتهم ويشوف السلم، وطبعًا لما بافتح بيتضايقوا المهم اني بطلب افتح، لكن صاحب السكن، وقفني في مرة وأنا طالع البيت وقال لي أعمل حسابك مش هاتكمل معانا. إحنا هنا معانا حريم مش هاينفع تكون في وسطهم، حاولت افهمه إني في حالي وماليش دعوة بحريمه، ولا لي علاقة بحد، بس مافهمش، وبلغني أشوف سكن تاني، حتتين العفش إللي حيلتي هايتكسروا في النقل والشيل والحط، لكن مش مهم أنا مش عايز مشاكل، سمعت الكلام ورحت دورت على أوضه تانيه!. لفيت كتير لما رجلي دابت، مش لاقي أي حاجة مقدمها ألف جنيه.. هما دول مبلغ التأمين اللي عنده، مش لاقي أي حد يؤجر لي أوضه لمدة خمس سنين، علشان أقدر استقر واتستر، أنا كبرت وتعبت، مش عارف أعمل أيه، مافيش قدامي غيركم لأني حتى ماقدرش استلف، ولو استلفت هاسدد منين، ده أنا بالعافية عايش، محتاج تساعدوني اخد أوضه بدل ما اترمي في الشارع آخر شهر يونيه.
وتعهدنا لمرزوق بالمساعدة، لكن ليس لدينا طاقمًا مساعدًا في تلك الحالات، لبحث له عن المكان المناسب، فكلفته بالبحث ثم ارسال مندوب باب ”افتح قلبك” وقت كتابة العقد، حتى لا يكتبه منفردًا ويقع في نفس المشكلة لاحقا، وتعهدنا له بدفع المقدم والتأمين، وعاد الأسطى مرزوق بعد أسبوع ليبلغنا أنه وجد حجرة وصالة، ودورة مياه تصلح لحالته، لكن اليد قصيرة، فالتأمين خمسة آلاف جنيه، لأن عقد الإيجار يمكنه من السكن لمدة خمس سنوات متصلة دون زيادة في الإيجار الذي تبلغ قيمه 450 جنيه شهريا. وهو مبلغ مناسب لظروفه، وفي حدود امكانياته. لكنه الآن لا يملك سوى ألف جنيه.. ألف جنيه هي تحويشة تعبه، وكده(ألف جنيه ولا يستحوذ عليها بين يديه وإنما هي تأمين سابق سوف يسترده)، ألف جنيه لا ترتقي لأن تكون تكلفة عشاء متوسط لفردين في إحدى محال المولات الضخمة على أرض المحروسة، لذلك لن نستطيع التراجع عن عهدنا معه، ولذا نطلق الأن نداء لمن يستطيع مساعدته في جمع مبلغ التأمين، حتى يحفط له ماء وجهه، وعدم تشرده، بعدما تشرد كثيرا في حياته.
نشرنا مقتطفات عن قصته التي نشرناها سابقا، وكلما احتاج سوف ننشر، فالذين تنحصر طلباتهم واحتياجاتهم في أقل القليل من حائط الأمان، ولا يطمعون سوى للنوم فوق وسادة التستر. تلك الوسادة التي بلا ونيس.. التي لا يجرؤ على أن يخطو نحو ونيس، لأنه لا يملك الإنفاق عليه، بعدما تمزقت تحت ادمغتهم كافة الوسائد، الذين لا يبحثون سوى عمن يساعدهم دون تعيير أو فضح أو استعراض، حتى يكملون حياتهم في صمت العزة، يأتنسون بالوحدة مع الستر اياها عن ضجيج الونس وحلم العيلة مع الفقر المدقع، إنهم يستحقون ..