أنطون سيدهم .. والوحدة الوطنية
نشرت في 1993/3/28
كتب الأستاذ الكبير إبراهيم نافع بجريدة الأهرام الصادرة يوم 19 مارس 1993 مقالا تحت عنوان وجه الإرهاب القبيح وسقوط الأقنعة وبدأ مقاله بقوله: أواصل حديثي عن الإرهاب الذي سقطت كل الأقنعة عن وجهه القبيح, إننا نلاحظ الآن أن مؤشر العنف من جانب الجماعات الإرهابية ضد السلطة ومجتمعنا يتصاعد, ثم يستطرد سيادته: واستكمالا لإزاحة الأقنعة عن الوجه الكئيب أقولها صراحة وبكل وضوح: إن هناك قوي خارجية تمول وتخطط وتوجه هذا المخطط الإجرامي للإرهاب في مصر, وأن هناك عناصر خارجية تحركه وتشاركه فيه.
ثم كتب الأستاذ إبراهيم سعدة في جريدة أخبار اليوم الصادرة يوم 20 مارس 1993, أي في اليوم التالي, في مقاله الافتتاحي: لقد أثبتت العمليات الإرهابية الأخيرة أن أصحابها ينفذون مخططا واضحا وضوح الشمس يستهدف إسقاط النظام الحاكم, توطئة لإسقاط الشعب كله في هاوية العنف والقهر والجاهلية.
سبحان الله, لم تدر الحكومة وكتابها بهذا الوجه القبيح والكئيب للإرهاب, ولم ترتفع الأقنعة عنه ويرون قبحه وكآبته إلا الآن فقط حينما حول ضرباته إلي الحكومة ذاتها, لقد حق عليهم قول الله علي لسان إشعياء النبي سيسمعون سمعا ولا يفهمون, وسينظرون نظرا ولا يبصرون, ألم ترتفع الأقنعة عن وجه الإرهاب القبيح حينما أخذوا في الاعتداء علي الطلبة الأقباط بالجنازير والمطاوي في أسيوط والإسكندرية والمنيا؟! ألم ترتفع هذه الأقنعة عندما قتلوا الأقباط وضربوا منازلهم بالزاوية الحمراء؟! ألم تروا وجههم الكئيب عندما اعتدوا علي الأقباط ومصانعهم وبيوتهم في أبوقرقاص؟! ألم تروا نياتهم السيئة عندما هاجموا الكنائس في إمبابة والفيوم وحرقوا بعضها بعد الاعتداء علي الأقباط؟!
أين كنتم يا سادة في الوقت الذي قتلوا فيه ستة عشر قبطيا أبرياء في منشية ناصر وصنبو مركز ديروط؟ ألم تسمعوا صراخ الأقباط الستة الذين أبيحت دماؤهم المهدرة عندما ذبحوهم ذبح الخراف في منازلهم بطما؟ أين كنتم في هذه الأوقات البائسة الحزينة؟ هل كانت عيونكم مغمضة وآذانكم صماء فلم تروا هؤلاء القتلي والمعتدي عليهم, ولم تسمعوا صرخات وآلام عائلات هؤلاء الضحايا المساكين؟ ألم تسمعوا عن الطبيبين اللذين قتل أحدهما في وسط زوجته وأولاده في منشية ناصر, وقتل الثاني في عيادته في ديروط وهو يقوم بواجبه في خدمة مرضاه؟ ألم تقرأوا عن المدرس الذي قتل في الفصل بين تلاميذه؟ عجبا, عجبا لهذا البلد العجيب وهذه الحكومة العمياء الصماء التي لم تسمع ولم تر النقاب وقد ارتفع عن هذا الوجه القبيح والكئيب للإرهاب بعد كل هذه الأحداث الخطيرة المحزنة.
لقد كتبت مرارا وتكرارا في أغلب مقالاتي علي طول السنتين الماضيتين محذرا الحكومة بأن الأقباط العزل المساكين ما هم إلا بالونة الاختبار التي يستعملها هؤلاء الإرهابيون لسبر غور حكومتنا النائمة, ولكن الدولة كانت منتشية وفي غيبوبة فرحتها بالاعتداء علي الأقباط ولم تحاول في أي وقت حمايتهم, حقا كتبت وكررت منبها الحكام بأنهم هم المقصودون من كل هذا الإرهاب, إذ أنهم سيندارون عليهم لضربهم في الصميم وإزاحتهم من الطريق للاستيلاء علي الحكم, ولكن الأستاذ إبراهيم سعدة لم يدرك إلا الآن أن الإرهابيين ينفيذون مخططا واضحا وضوح الشمس يستهدف إسقاط النظام الحاكم, توطئة لإسقاط الشعب كله في هاوية العنف والقهر والجاهلية, سبحان الله يا أستاذ إبراهيم سعدة, وأنت الصحفي الحصيف المشهور بالذكاء, كيف لم تدرك هذا من مدة طويلة؟ وكيف لم تقرأ ما كتبت طوال السنتين الماضيتين؟!
لقد نبهتكم بأن هناك دولا خارجية تمولهم وتساعدهم وتسلحهم بأحدث الأسلحة لتنفيذ عملياتهم الإرهابية, ولكنكم تركتموهم يقتلون الأقباط وينهبون أموالهم ظنا منكم بأنهم سيكتفون بهذا, ولم تروا أهدافهم الرئيسية وهي الاستيلاء علي السلطة.
إني أصرخ بأعلي صوتي محذرا جميع الدول العربية من المحيط إلي الخليج بأن هذا الإرهاب يهدف ويسعي إلي قلب أنظمة الحكم في هذه الدول جميعها ويحكم هذه الشعوب حكما دكتاتوريا عنيفا مملوءا بالحقد والكراهية, وسينزلون عليها كوباء الطاعون المميت مخربين اقتصادها ومحطمين حضارتها, والرجوع بها إلي عصور الظلمات, إنهم مصيبة كبيرة يا سادة.
لا تظن الدول التي تساعدهم أنها ستنجو من هؤلاء الإرهابيين, بل ستعاني منهم الأمرين, أما أمريكا, هذه الدولة القبيحة الأنانية فإنها تحتضن وتساند زعماءهم, كما هو واضح من احتضانها لزعيمهم عمر عبدالرحمن, حتي إذا ما تولوا الحكم في هذا الشرق المسكين يضمنون لها مصالحها الاقتصادية وخصوصا استمرار تدفق البترول إليها, إن هذه الدولة لا مبادئ لها إلا المال ومصالحها فقط, حفظنا الله وفتح عيون دول المنطقة علي هذا الخطر الداهم ولتتكاتف وتتعاون للقضاء علي هذا الوباء المدمر, والله يفتح عيونها لتنظر ويقوي آذانها لتسمع وتعي وتفهم.