قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (732)
حكم قضائي بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث
وهذا أيضا ملف أنا مهموم به ولن أتركه… ملف مساواة المرأة بالرجل في أحكام المواريث, وكما كتبت مرارا نحن أمام فرصة تاريخية لا يجب أن ندعها تفلت من بين أيادينا, وهي المادة الثالثة من الدستور التي تنص علي أن: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود هي المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية… وبينما لانزال في انتظار صدور لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين التي نترقب اعتمادها من الكنائس في مصر وإرسالها إلي الحكومة لتتولي إحالتها إلي البرلمان لتشريعها, إذا بحكم قضائي نهائي وبات يصدر في هذا الشأن وكأنه حجر يلقي في المياه الراكدة لتحريكها.
الحكم صدر عن محكمة استئناف القاهرة الدائرة (158) أحوال شخصية وهو حكم نهائي يقضي بالمساواة بين الرجل والمرأة المسيحيين الأرثوذكس في الميراث عملا بنص المادة الثالثة من الدستور وكذا المادة (247) من لائحة الأقباط الأرثوذكس. وتعود وقائع القضية إلي استئناف حكم سابق صادر في مارس 2016 بخصوص تحقيق وفاة سيدة قبطية في يونية 2013 وانحصار إرثها في شقيقها وشقيقتها حيث حكمت محكمة أول درجة بأنهما يستحقان جميع تركتها بحيث يكون نصيب الذكر مثل حظ الأنثيين, أي يتم تقسيم التركة إلي ثلاثة أقسام ينال منها الشقيق قسمين وتنال الشقيقة قسما واحدا… وتقول صحيفة الدعوي إن هذا الحكم لم يلق قبولا لدي الشقيقة وطعنت عليه بطريق الاستئناف في مايو 2016 تأسيسا علي أن الحكم الصادر بناء علي المادة الأولي من القانون رقم 25 لسنة 1944 وكذا الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من القانون رقم (1) لسنة 2000 للأحوال الشخصية يخالف المادة الثالثة من الدستور المصري ومبادئ الشريعة الإسلامية.
وبعد نظر دعوي الاستئناف وقبوله شكلا جاء ضمن حيثيات قبوله موضوعا أن الثابت طبقا لنص المادة (247) من لائحة الأقباط الأرثوذكس أنه إذا لم يكن للمورث فرع ولا أب ولا أم كان صافي تركته- بعد استيفاء نصيب الزوج أو الزوجة- يؤول إلي إخوته وأخواته ويقسم بينهم حصصا متساوية – متي كانوا متحدين في القوة- أي كلهم إخوة أشقاء- لا فرق في ذلك بين الأخ والأخت… وبناء عليه حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المطعون عليه وتوزيع التركة بحيث يكون حظ الأنثي مثل حظ الذكر ويكونان كلاهما متساويين في توزيع الأنصبة في الميراث طبقا للدستور ولمبادئ الشريعة المسيحية.
صحيح أن هذا الحكم يرسي مبدأ قانونيا ينطبق علي حالة محددة تناولها الحكم في حيثياته, ويستطيع كل من يري في حالته حالة مماثلة أن يتقدم من خلال المسارات القانونية لطلب المساواة بالحكم, لكن ونحن نرحب بمثل هذه الأحكام نتطلع إلي صدور لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين التي طال انتظارها والتي من شأنها أن تطلق المساواة بين الرجل والمرأة -أوالذكر والأنثي في النصوص القانونية- في جميع الحالات والمراتب التي يقفان فيها أمام القانون ليقتسما ميراثا.
وأعود وأكرر ما سبق أن كتبته في هذا الشأن, أنني إن كنت أتسلح بالتشريع المسيحي والتاريخ القبطي في الدعوة لمساواة المرأة بالرجل في الميراث, لست أكتفي بتحقيق هذه المساواة للأقباط فقط, إنما أتطلع إلي أن يكون إدراك هذه المساواة نموذجا يحتذي علي مصر كلها في يوم من الأيام… سبقتنا تونس في ذلك… فهل يقدر لمصر أن تلحق بتونس علي درب الحداثة والدولة المدنية؟