من يفتح عيادة زو محل بقالة أو صيدلية, بعد أن يتوافر له المال والتمويل اللازم, وبعد أن يستغرق وقتا في إعدادها للافتتاح, لن يبدأ في تغطية نفقاته ثم الربح, إلا بعد سنتين إلي خمسة, ومن يشتري شقة في عمارة جديدة, يدفع المقدم وهو لا يري أمامه إلا الأرض الفضاء, وينتظر من عام ونصف إلي عامين علي الأقل, حتي يتسلم الشقة والكتب المقدسة تقدم أبسط الأمثلة المستمدة من الحياة اليومية, لتشرح كثيرا من أسس الإيمان والعقيدة التي لا يسهل علي عدد كبير من البسطاء فهمها, مهما كانت مكتملة الصياغة منضبطة المعني.
إنك قبل أن تزرع القمح أو القصب أو الأرز تبدأ بإعداد الأرض ثم تبذر بذور القمح أو تضع عقل القصب أو تبدأ بإعداد شتلات الأرز قبل نقلها للمرحلة الثانية من زراعة الأرز, ثم تروي وتنقي الزراعة وتضع السماد وأي إسراع في أية مرحلة أو تأخير, أو زيادة أو قلة في الري أو السماد, تؤدي إلي تلف الزراعة, ثم ننتظر ثلاثة أشهر إلي سبعة طبقا لنوع الزراعة, ثم تأتي مرحلة الحصاد.
شهور من العمل الجاد المنضبط المكلف, حتي يأتي المحصول فيكون مكافأة لمراحل متعددة وجهود متواصلة, تستغرق وقتا, فكيف كان البعض يظن أنه يمكن أن تكون هناك مصانع يشتغل فيها الأبناء لمواجهة البطالة, لتنتج منتجات للتصدير أو للاستهلاك المحلي, بغير أن نوفر الطاقة (الكهرباء والغاز) التي تشغل المصانع, وبغير طرق لنقل المواد الخام والعمال, ثم لنقل الإنتاج إلي الأسواق أو إلي المستهلك أو موانئ التصدير, للحصول علي العملة الصعبة الضرورية لاستيراد الدواء والقمح وبقية ما نحتاجه للغذاء والصناعة والصحة؟.
ذلك أنه لمواجهة البطالة وقلة الإنتاج وبالتالي قلة الصادرات, لابد أن نبدأ بتوفير الطاقة لتشغيل المصانع, والطرق لنقل العمال والمواد الخام والمنجات, وكلنا تابعنا كيف تواصل العمل بكل جدية لتوفير الطاقة, فأصبحنا نجد بغير انقطاع كل ما يحتاج إليه كل بيت من طاقة كهربائية للإضاءة والطهي والثلاجات وأجهزة التكييف وغيرها, بعد أن كانت الكهرباء تنقطع عن بيوتنا ثلث ساعات اليوم (8ساعات أو أكثر يوميا) منذ سنتين ونتابع تنفيذ مئات الكيلو مترات من الطرق الجديدة الممتازة, ونري الزراعات تنمو في عشرات الآلاف من الأراضي الزراعية ضمن مشروع المليون ونصف مليون فدان, كذلك نشاهد المصانع والمدن الجديدة الصناعية العالمية المتعددة حول قناة السويس وفي عدد كبير من المحافظات, وعلي وجه خاص في الصعيد, كما وصلنا إلي مرحلة الإنتاج والتكرير لاكتشافات الغاز والبترول البالغة الضخامة, حتي توقفنا تماما عن استيراد الغاز المسال.
أما عن الفئات الأقل دخلا, فهي تتمتع الآن بمظلة الحماية الاجتماعية التي نشرتها مصر لتشمل ملايين الناس, مع انخفاض متواصل في البطالة إلي حدود تؤكد زيادة واضحة فينسب التشغيل وخاصة للشباب, ونتابع يوميا أكبر تراجع لسعر الدولار مقابل الجنيه مع تدفق الاستثمارات الأجنبية بقوة بمبالغ تصل إلي مليار ومليارين من الدولارات في الشهر الواحد, مع ارتفاع متواصل في عائدات السياحة والصادرات وبعد توفير حاجة البيوت من الطاقة, تقوم مؤسسات الدولة الآن بتوفير الطاقة لعدد (4200) مصنع كانت تحتاج لتشغيلها إلي الطاقة والكهرباء.
لقد عبرنا بنجاح مرحلة إعداد الأرض للزراعة, كذلك مرحلة بذر البذور, والقرارات السخية الأخيرة, التي تم تخصيص (60) مليار جنيه لتنفيذها, والزيادات الكبيرة في الأجور والمرتبات والمعاشات, تؤكد أننا وصلنا إلي مرحلة جني الثمار, وأن بشائر الخير وصلت, وأن الحصاد وفير.
بقلم: يعقوب الشاروني
رائد أدب الأطفال
[email protected]