من يترحم علي إنسان, يصير باب الرب مفتوحا لطلباته في كل ساعة
(الشيخ الروحاني)
ومتي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه, فحينئذ يجلس علي كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب, فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء, فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي, رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريبا فآويتموني. عريانا فكسوتموني. مريضا فزرتموني. محبوسا فأتيتم إلي. فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يارب, متي رأيناك جائعا فأطعمناك, أو عطشانا فسقيناك؟ ومتي رأيناك غريبا فآويناك, أو عريانا فكسوناك؟ ومتي رأيناك مريضا أو محبوسا فزتينا إليك؟ فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم: بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر, فبي فعلتم. ثم يقول أيضا للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلي النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته, لأني جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوي. كنت غريبا فلم تأووني. عريانا فلم تسكوني. مريضا ومحبوسا فلم تزوروني. حينئذ يجيبونه هم أيضا قائليم: يارب, متي رأيناك جائعا أو عطشانا أو غريبا أو عريانا أو مريضا أو محبوسا ولم نخدمك؟ فيجيبهم قائلا: الحق أقول لكم: بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر, فبي لم تفعلوا. فيمضي هؤلاء إلي عذاب أبدي والأبرار إلي حياة أبدية (مت25:31-46).
المسيحية والعطاء وجهان لعملة واحدة, كلاهما حاضر بحضور الآخر في أعماقه.
وبصفة عامة فإن حياة العطاء مطوبة حسب قول الكتاب: مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ (أع20:35). والعطاء هو خطوتنا الخامسة في مسيرتنا الروحية.
في البداية دعنا نرسي سويا مبادئ أساسية عن فضيلة العطاء:
1- الإنسان بحاجة إلي أن يعطي:
إذ يحقق هذا وجوده وكيانه ويشعره بقيمته وآدميته, وهذا الشعور هو إحدي مكونات الشخصية الناجحة, حتي إن علماء النفس كثيرا ما يذركون أن العطاء مصحوب براحة قلبية.
لذلك عندما يعطي أب ابنه الصغير مالا لكي ما يضعه الصغير في صندوق العطاء, فإنه يزرع هذه الفضيلة فيه منذ الصغر, بل وينمي شخصيته. وكذلك الأب الذي يساعد أولاده لكي ما يقدموا هدية لوالدتهم أو صديق لهم في أي مناسبة فإنه ينمي داخلهم ذهه الفكرة.
2- الله ليس محتاجا علي الإطلاق لما نعطيه:
مهما كان ومهما ارتفعت قيمته المادية أو المعنوية, والسبب أن الله هو مصدر كل عطية.. فهو الخالق والواجد لهذا العالم, ويعقوب الرسول يذكرنا: كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق, نازلة من عند أبي الأنوار, الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع1:17).
3- العطاء هو وسيلة للتعبير عن مشاعرك نحو الله:
تأمل معي في قصة السامرية حين قابلها رب المجد وقال لها: أعطيني لأشرب (يو4:7), فو له المجد لم يكن محتاجا للماء, لأن من عنده تجري كل الأنهار, وإنما كان في حاجة أن يعرف حقيقة مشاعرها الداخلية نحوه.
وفضيلة العطاء أو الصدقة تشكل إحدي ركائز الحياة الروحية (صوم+ صلاة+ صدقة), والمعروف أن كلمة صدقة وكلمة صديق من أصل لغوي واحد, فكأن الصديق هو الذي يصنع الصدقة.
وعندما قال سليمان الحكيم: اذكر خالقك أيام شبابك (جا12:1) إنما كان يتحدث بلغة العطاء, لأنه معروف أن حياة الإنسان تنقسم رلي مراحل متتابعة: (الطفولة-النضج/ الرجولة- الشيخوخة).. المرحلتان الأولي والثالثة هما مرحلتا أخذ, أما المرحلة الثانية وتحوي في داخلها مرحلة الشباب إنما هي مرحلة عطاء بالدرجة الأولي..
وأنت يا صديقي تستطيع أن تعطي في فترة شبابك ورجولتك أكثر من أي مرحلة أخري.
لك أن تسألني الآن ماذا أعطي؟ هل مالا.. أم وقتا.. أم ماذا..؟
إني أجيبك: إن ما تستطيع أن تقدمه لا يمكن حصره, إنما تستطيع أن تتخيل معي سلما عليه خمس درجات في ترتيب تصاعدي تمثل درجات العطاء,
النفس (القلب)
التسبيح
الوقت
الجهد
المال
بل ويمكن أن تمزج بين هذه الدرجات الخمس, فالصلاة هي عطاء وقت وقلب وتسبيح.. وفي خدمة الآخرين يكمن عطاء المال والوقت والجهد والحب, وهكذا..
وهنا لا يمكننا أن ننسي أن قمة العطاء الذي بلا حدود هو في تجسد ربنا يسوع, فهو الذي أعطانا دمه الثمين علي عود الصليب, وها هو كل يوم يقدم نفسه ذبيحة لأجلنا من خلال القداس الإلهي.