لابد من أن نعيد حساباتنا في تقديرنا للكفاءات القادرة في بلادنا علي إخراجنا من أزماتنا, وأن نعطي تلك الكفاءات حقها, حيث بتلك الكفاءات الإنسانية تقدمت الحضارة الغربية الحديثة.
ولعل هذا ينطبق علي مقولة مهمة وهي: إن كل ما أصبح ممكنا هو بالضرورة مرغوب فيه!!, ولعل من قراءتنا لنظريات التقدم في بلاد سبقتنا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا نري بأن الكفاءة هي المعيار الرئيسي والأساسي للتقدم إلي شغل وظيفة إدارية سواء كانت في شركة أو مصنع أو حتي حكومة علي مستوياتها الإدارية المختلفة من مدير قطاع إلي مدير مكتب الوزير إلي الوزير نفسه, ولعلنا قد جربنا ذلك أخيرا, حيث الكفاءة هي التي يمكن أن تكون قادرة علي قيادتنا إلي بر الأمان بتكلفة أقل!!
ولعل قراءة سريعة في كتاب الأمير لميكافيلي, والذي فيه يرفع لواء الدعوة إلي أن الغاية تبرر الوسيلة, هو حقا التفسير الصحيح للرسالة التي حملها هذا الكتاب للأجيال اللاحقة!!
إلا أن الواقع الحادث اليوم والوارد في وكالات الأنباء عن الأحداث العالمية أو الإقليمية تثبت بأن الغاية سواء كانت نبيلة أو مجحفة ليست هي الهدف ولكن الوسيلة التي تتبع هي التي تستحق الدراسة وتستحق العناية من أصحاب القرارات المؤثرة في المجتمعات.
ولعل الكفاءة هنا من خلال ممارسات ميكافيلية تعطينا مفهوما آخر -إذا ليست الكفاءة وحدها تهتم وتفتش بهدف النمو والتنمية, مع إهمال طبيعة هذه الأشياء التي تجري تنميتها!!
ولعل هذا يقودنا إلي درس في الاقتصاد يقول: إن الإقتصادي لا يتدخل بتقييم الغايات أو الحاجات وتمحيص ملاءمتها أو مشروعيتها أو أخلاقياتها ليست هذه مهمته, وإنما مهمته هي تحقيق أكبر كفاءة تمكنه من توزيع الموارد (أي الوسائل) المحددة بين الحاجات أو الغايات غير المحدودة -فيكفي أن يكون الهدف مطلوبا من بعض الناس ومستعدين لدفع ثمن له, فلا يهم بعد ذلك ما إذا كان جديرا أو غير جدير بالسعي من أجله, ومن الافتراضات الأساسية في نظرية الاستهلاك أن المستهلك يريد دائما المزيد, بصرف النظر عن هذا الذي يريد مزيدا منه (من كتابات المرحوم الأستاذ جلال أمين), ولعل تقديس أو تقدير الكفاءة مع إهمال الهدف النهائي منها مثل تمجيد السرعة, بصرف النظر عن طبيعة العمل الذي تؤديه هذه السرعة, مضاعفة سرعة المواصلات, بغض النظر عن جدوي الرحلة أصلا, ومضاعفة كفاءة وسائل الاتصال ونقل المعلومات, أيا كانت قيمة تلك المعلومات أو محتوي الرسالة التي يجري توصيلها!!
إن تمجيد الوسيلة علي حساب الغاية, يذكرنا بما يقوله ناقد للحضارة الغربية بأنهم قالوا: كل ما أصبح ممكنا هو بالضرورة مرغوب فيه, فإذا كان عبور الأطلنطي في ساعتين بدلا من أربع ساعات قد أصبح ممكنا تكنولوجيا, فلابد أنه جدير بالحصول عليه وتطبيقه!! الكفاءة في بلادنا ومنذ حقبات متعددة من الزمن أصبحت لا قيمة لها -حيث اقترنت الاختيارات مرة بأهل الثقة ومرات بأصحاب المصالح أو المعارف أو الإخوة والأقارب مليون مرة, ورحم الله أهل الكفاءة.