لا يخفي علي مسامع أحد أن سيناريوهات تطبيق العقوبات الاقتصادية علي إيران تثير كثيرا من الجدل وكذلك الشكوك حول جديتها وآليات التطبيق وتوقيتها, فقد انتهي عصر أوباما علي مفارقات غريبة تحمل في طياتها الجلوس المفاجئ علي منضدة الكبار لتوقع اتفاق لوزان النووي وتم التوصل إليه بعدما عقدت إيران والدول الـ6 (الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) مفاوضات طويلة في الفترة من 26 مارس وحتي 2 أبريل 2015, في مدينة لوزان السويسرية, من أجل التوصل إلي تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني, وإلغاء جميع العقوبات علي إيران بشكل تام, وانتهت تلك المفاوضات بالتوصل إلي بيان مشترك يتضمن تفاهما وحلولا بما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني, يتم إنجازها نهاية يونية 2015.
وعبر الرئيس الأمريكي ترامب, وإدارته عن الأسف لأن التقدم الذي تحقق عبر اتفاق العام 2015 لم يجعل من إيران جارة أفضل في الشرق الأوسط, كما أن لائحة الاعتراضات طويلة كما تعددها وزارة الخارجية الأمريكية, وهي: الدعم المادي والمالي للإرهاب, والتطرف, ومساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد, وفظاعات ضد الشعب السوري, والدور المزعزع للاستقرار في دول أخري (دعم حزب الله في لبنان والمتمردين الحوثيين في اليمن), والعداء القوي لإسرائيل, والتهديدات المتكررة لحرية الملاحة, والقرصنة المعلوماتية, وانتهاكات حقوق الإنسان, والاعتقال العشوائي لرعايا أجانب جعل من الاستمرار في الاتفاق أمرا يدعم إيران في كل الاتجاهات والمجالات ولم يبق هناك نوع من المراقبة أو المحاسبة دون إعادة تطبيق العقوبات كما كانت من قبل, والذي يقرأ ردود البيت الأبيض وتعليلاته يجد أنها محقة في ذلك ولكن المنطقية تقول: لماذا ترك المد الإيراني أمام المراقبة الأمريكية في كامب2 القطري لتدخل المعدات الثقيلة والصواريخ طويلة المدي من إلي الشمال اليمني؟
ولماذا ترك المد الشيعي ونصيب قبله الإمام لإيران واتباع الحكومات لإياد والمالكي ومقتدي والحكيم لكي تترك المساحات خالية أمام الفرات؟ لماذا تركت إيران تشتري الأراضي السورية والمباني والمؤسسات والفنادق في حلب ومداخل دمشق؟ لماذا لم يذهب جنود ولاية الفقيه لتحرير الجولان السورية من جيش الاحتلال الإسرائيلي؟ ولكن المنطق يجيب حيث إنها صفقة القرن بالإضافة إلي تكملة الصفقة بنقل السفارة الإسرائيلية إلي القدس الشرقية.. وما أن عقد الاتفاق النووي مع إيران لم ير العرب من سبيل لقوة ردع مماثلة فذهبوا لمقابلة أوباما في كامب دايفيد كي يطلبوا الدعم والتكنولوجيا النووية التي هي السبيل الوحيد لوقف الخطر الشيعي في الخليج وإحداث نوع من التوازن, ولم يكن هناك رد صريح وواضح عما انتهت إليه المفاوضات في كامب دايفيد لقوة نووية عربية إلا أن وجود قوة ثالثة داخل الشرق الأوسط تنافس إسرائيل وإيران لم تكن في تصورات البيت الأبيض, وبالتالي أرادت أن تهدئ من روع العرب حتي ينتهي عصر أوباما بإعطاء الضوء الأخضر لإقامة محطات عربية سلمية لإنتاج الكهرباء وفي نفس التوقيت قرر المرشد الأعلي الإيراني علي خامنئي إعادة تخصيب اليورانيوم عند مستوي 20%, وإعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزية وإعادة تشغيل مفاعلات فوردو وبوشهر وآراك بالطاقة القصوي لإنتاج السلاح النووي وإتاحة الفرصة للمفتشين بالظهور في أماكن معروفة لهم دون الأماكن السرية.
ويظهر ترامب مهدا للعرب في بداية ولايته وزيارة الرياض ويستجيب إلي مطالب العرب وتأمينهم بفاتورة المليارات ويهدئ روع العرب وينسحب من الاتفاق النووي مع إيران حتي ينسي العرب تصميمهم المسبوق بإقامة برنامج نووي عربي ويعد كذلك بتطبيق العقوبات الاقتصادية علي إيران والتي كان من المفترض أن توقع في أول نوفمبر ونجد أنه بعد الإعلان عنها بأيام يتم تأجيلها إلي ستة أشهر وقد نفاجأ بمدها إلي أكثر من سنة..
إن الظروف المحيطة بالشرق الأوسط والأمن العربي المطلق والذي مازالت وستظل تؤمنه الدولة المصرية إيمانا من شعبها وقيادتها تجاه حماية الخليج العربي بل والشرق الأوسط تحتاج إلي إعادة تقييم موازين القوي الجيوسياسية في المنطقة والتي ينقصها اكتمال البرنامج النووي العربي ليكون الذراع المماثلة للحفاظ علي الدول العربية من أي تخطيط يدار لنا من المد الشيعي في البلاد العربية وكذلك الطمع الصهيوني في القدس الشريف أن موازنة الأمور وتقييم الوضع العالمي والذي يزن بمكاييل مختلفة تستثني منها أذرع الأقوياء في العالم ولو لم تكن الذراع المصرية موجودة في الشرق الأوسط لكانت هناك حسابات أخري للدول العربية والمنطقة بأكملها ومازالت الحماية المصرية للخليج العربي رسالة واضحة تذكر بها القيادة العامة المصرية رئيسا وشعبا في أن أمن الخليج العربي هو خط أحمر ولذا أجد أن من واجبي القومي أن أوجه رسالة إلي كل الملوك والرؤساء العرب لابد لنا أن يكون لدينا قوة ناتو ردع عربية وكذلك ناتو نووي عربي لكي تكون موازيين الشرق الأوسط متوازنة ويكون السلام فرض قوة ضروري لتتعايش الأديان الثلاثة داخل المستطيل الشرق أوسطي.. هذا صوت عبدالناصر المصري العربي الذي نادي بهاتين القوتين الرادعتين ومازالت كلماته رنانة تريد أن تكون القومية العربية هي الحصن الأمثل في تلك الأيام.