نشر الكرسي الرسولي، أمس الجمعة، إرشادات رعوية للإكليروس في الصين (الأساقفة والكهنة) حول كيفية الإنضمام إلى الكنيسة الرسمية، مطالبًا السلطات الصينية بعدم ممارسة ضغوط على من يختارون البقاء في الكنيسة السرية.
ودعا الفاتيكان في إرشاداته الإكليروس إلى الإنضمام إلى “الرابطة الوطنية الكاثوليكية في الصين”، الأسم الرسمي للكنيسة الكاثوليكية المعترف بها من قبل بكين، وذلك عملاً بأحكام القانون الصيني، ولكنّه ترك لهم في الوقت نفسه خيار رفض الإنضمام بإسم حرية الضمير.
وتقترح الوثيقة الفاتيكانية على الأساقفة أن يطلبوا، لدى إنضمامهم إلى الكنيسة الرسمية، إضافة جملة تؤكّد أستقلال الكنيسة في الصين كما في أيّ مكان آخر في العالم. وبحسب الوثيقة فإنّه إذا لم يُسمح لهم بإضافة هذه العبارة، يجوز عندها للأساقفة والكهنة الإعراب عن هذا التوضيح شفهيًا، وبحضور شاهد إذا أمكن.
ولفتت الوثيقة الرعوية إلى أنّه “في الوقت نفسه، فإنّ الكرسي الرسولي يتفهّم ويحترم خيار من يقرّرون، التزامًا بضميرهم، أنّهم غير قادرين على الإنضمام في ظلّ الظروف الحالية”، ولم يخف الفاتيكان انتقاده الواضح للسلطات الصينية، إذ جاء في الوثيقة أنّ “الفاتيكان يطالب بعدم ممارسة أي ضغط أو ترهيب على المجتمعات الكاثوليكية +”غير الرسمية”+، كما حدث بالفعل لسوء الحظ”.
أندريا تورنييلي
وبحسب أندريا تورنييلي، مدير التحرير في دائرة الإتصالات في الكرسي الرسولي فإنّ هذه المقاربة تعتمد “الواقعية” بعيدًا عن أي “سذاجة”. وقال إنّ “الفاتيكان يدرك تمامًا القيود والضغوط المفروضة على العديد من الكاثوليك الصينيين، ولكنّه يريد أن يُظهر أنّه يمكننا النظر إلى ما وراء ذلك والمضيّ قدمًا من دون المساس بالمبادئ الأساسية”.
وقال: إن “الاحترام الكامل لحرية الضمير، التقارب والتفهّم لوضع المجتمعات الكاثوليكية الحالي، واقتراحات لاتخاذ قرارات عملية تسمح للإكليروس بالانضمام من دون انقطاع عن معتقدات الكنيسة الكاثوليكية فيما يتعلّق بالشركة مع خليفة القديس بطرس: هذه هي مذكرة الكرسي الرسولي حول الإرشادات الرعوية للأساقفة والكهنة في جمهورية الصين الشعبية”.
وأشار أندريا تورنييلي إلى أن الوثيقة قد ولدت نتيجة أسئلة عدّة طرحها إكليروس الصين على الفاتيكان: ما هو السلوك المناسب عند مواجهة الضغط الحكومي للإنضمام، بحسب ما يحدده القانون والسلطات السياسية؟ ما هو العمل أمام معضلة الضمير لبعض النصوص الإشكالية؟”، لافتًا إلى أن “الردّ الفوري للكرسي الرسولي على هذه الأسئلة هو تكرار مبدأ عام أساسي: يجب إحترام حرية الضمير، وبالتالي لا يجوز إجبار أي شخص على إتخاذ خطوة لا يرغب بها”.
وأشار إلى أن “الإتفاق المؤقت بين الكرسي الرسولي وجمهورية الصين الشعبية بشأن تعيين الأساقفة، في سبتمبر 2018، قد مثّلت بداية جديدة في العلاقات بين الصين والفاتيكان، وأدى إلى النتيجة الأوليّة المهّمة المتمثلة بالشركة الكاملة بين جميع الأساقفة الصينيين مع البابا”.
ولفت إلى أنه “مع ذلك، لم يتم حلّ جميع المشكلات: يمثلّ الإتفاق الخطوة الأولى فقط من المسيرة. اليوم، تتعلق إحدى الصعوبات بطلب جميع الكهنة والأساقفة التسجيل بشكل رسميّ لدى السلطات، بحسب ما يقتضيه القانون الصيني، وعلى الرغم من الإلتزام بإيجاد حل مشترك ومقبول، في العديد من مناطق جمهورية الصين الشعبية، يُطلب من الكهنة التسجيل على نصوص تتعارض مع عقيدة الكنيسة الكاثوليكية، مما يخلق صراعات مع حرية الضمير، عندما يُطلب منهم قبول مبدأ إستقلال الكنيسة الذاتي، وإدارتها الذاتية”.
وأوضح أندريا تورنييلي “أن وضع اليوم بعيد كل البعد عن خمسينات القرن الماضي، عندما جرت محاولة لإنشاء كنيسة صينية وطنية، منفصلة عن روما. فبفضل الإتفاق المؤقت، تعترف السلطات في بكين بالدور الخاص لأسقف روما في تعيين مرشحي الأسقفية، وبالتالي سلطته كراعٍ للكنيسة الجامعة”، مشيرًا إلى أن الكرسي الرسولي يواصل العمل بحيث يكون كل إعلان مطلوب أثناء التسجيل متفقًا ليس فقط مع القانون الصيني، ولكن أيضًا مع عقيدة الكنيسة الكاثوليكية، وبالتالي ما هو مقبول من قبل الأساقفة والكهنة”.
الكنيسة الكاثوليكية في الصين
وفي الصين نحو 12 مليون كاثوليكي ينقسمون بين كنيسة “وطنية” يدير النظام شؤونها، وكنيسة سريّة لا تعترف بغير سلطة البابا، وأدّى اتّفاق تاريخي مؤقت بشأن تعيين الأساقفة أبرم في أيلول 2018 بين الفاتيكان وبكين، إلى تمهيد الطريق أمام تقارب بين الطرفين اللذين لا تربط بينهما علاقات دبلوماسية في 1951. وبحسب الفاتيكان فإنّ تعيين الأساقفة في الصين سيتمّ بموجب “حوار” ثنائي بين الكرسي الرسولي وبكين، تكون الكلمة الأخيرة فيه للحبر الأعظم.
وسعى البابا فرنسيس منذ تولّيه السدة البابوية في 2013 إلى تحسين العلاقات مع بكين، لكنّ محاولات سابقة تعثّرت بسبب إصرار السلطات الصينية على تراجع الفاتيكان عن إعترافه بإستقلال تايوان وتعهّده عدم التدخّل في الشؤون الدينية الداخلية للصين.