يحث القديس بولس أهل تسالونيكي قائلا:فإنكم تعلمون كيف يجب أن تقتدوا بنا.فنحن لم نسر سيرة باطلة ولا أكلنا الخبز من أحد مجانا,بل عملنا ليل نهار بجد وكد لئلا نثقل علي حد…(2تسالونيكي3:7-8).جميعنا يلاحظ آفة تسيطر علي الكثيرين ألا وهي الخمول والكسل والبطالة ليس لعدم وجود عمل أو وظيفة.ولكن بهدف الاستسهال والاتكال علي الغير حتي لو صاروا عالة علي ذويهم,ونستشف ذلك من هذه القصة التي تحكي عن أحد الآباء أراد أن يلقن ابنه درسا في الاعتماد علي ذاته والكد في سبيل لقمة العيش الشريفة,حتي لا يصبح عبئا علي الغير, بل يعيش بكرامته,فأرسله في مأمورية خارج المدينة,ولكنه شاهد صدفة أثناء سفره ثعلبا عاجزا عن المشي وكان يزحف بكل صعوبة,فعاد الشاب لنفسه قائلا:مسكين هذا الحيوان! كيف يستطيع أن يعيش وهو لايقوي علي صيد فريسته؟وإذ فجأة وصل أسد يحمل فريسة بين أنيابه فبدأ يمزقها ويأكل منها ما يسد جوعه,وعندما شبع ترك ما تبقي منه وانصرف,فزحف الثعلب للتو وأكل ما تبقي عن السبع,فقال الشاب:سبحانك يا الله,ترسل للثعلب قوته حتي لو كان عاجزا عن الحركة,في حين أن والدي يريدني أن أكد وأتعب حتي لو تعرضت للمخاطر.
فرجع إلي أبيه يحكي له ما شاهده,فكان جواب الأب غير متوقع منه:أرسلتك تكد وتتعب لتحصل علي قوتك لكي تكون سبعا تعيش الثعالب من فضلاته,لا ثعلبا ينتظر فضلات السباع.
مما لاشك فيه أن الله الخالق يعتني بجميع مخلوقاته,كما أنه يمنح كل طائر رزقه,ولكن لا يلقبه له في عشه,بل منحه الغريزة التي تدفعه للبحث عنه,فهل يعقل أن الإنسان صاحب العقل والفهم والإرادة ينام ويتكاسل ولايريد أن يعمل منتظرا الحصول علي طعامه من الغير؟لذا يجب أن يتحلي كل منا بالإرادة الصالحة حتي يستطيع الوصول إلي هدفه في الحياة معتمدا علي ذاته وجهوده,وكما يقول الشاعر:بقدر الكد تكتسب المعالي…ومن طلب العلي سهر الليالي.
لأن الاكتفاء بأقل جهد,دليل علي ضعف الهمة وعلامة للكسل والخمول,ومن يفعل هذا هو إنسان لايقدر معني الواجب.ولكن الإرادة القوية هي جزء من تكوين الشخصية وتساعد الإنسان علي تحديد أهدافه والعزم علي تحقيق غايته,كما أنها لاتعرف المستحيل فهي تنسف الصعاب وتحمل علي البطولة,ولايوجد مستحيل أمامها ولكن يجب أن نعلم جيدا أنها تتقوي بالعمل والكفاح والجهد,ولانكتفي بكلمة:نريد,التي لاتتحقق بمفردها,بل تتطلب كلمة أخري وهي:نحن نعمل!
نحن نكد ونجتهد! فالإنسان الناجح لديه خطة وبرنامج وإرادة بينما الفاشل فلديه مبررات فقط,وكما يقول نابليون بونابرت:إذا صمم إنسان علي النجاح فلاشيء في الدنيا محال,لذلك لا يستطيع أي شخص منا القول بأنه لايستطيع العمل والكسب والحصول علي طعامه,لأن الله منحنا الإرادة التي بها نقوم في الحال وننفخ في أيادينا,ونشمر عن سواعدنا لنبدأ العمل,ومهما صادفنا الصعوبات فهي لشحذ همتنا وإيقاظ العزم فينا وتدفعنا إلي الكفاح حتي نحصل علي ما نحتاج إليه لتدبير حياتنا اليومية والأسرية,وكما يقول أحد الكتاب:لاشيء يستحيل فهمه,ولاشيء نفهمه يستحيل تنفيذه,ولاشئ ننفذه يستحيل نجاحه.
إذا يجب علينا أن نشعر بأهمية المسئولية الموكلة إلينا والالتزام بها جديا,وأن نتحلي بالإرادة القوية التي بها نستطيع أن نجتهد كل يوم ونعود أنفسنا علي القيام بواجباتنا اليومية بكل دقة وإخلاص وثبات,كما نصبر علي ما نواجهه من عراقيل ومشقات وشدائد كل هذا نحققه عندما نزيل الثلوج التي تواجهنا:ثلوج الخمول واللامبالاة حتي نصبح أناسا صالحين ونتحلي بروح الواجب وخدمة الجميع,ثلوج الاتكالية ونعمل بكل نشاط معتمدين علي أنفسنا مقتدين بالمثل العليا التي نقابلها في حياتنا اليومية,ثلوج النفعية والمصلحة الشخصية,ونعمل دائما بكل حب غير منتظرين مكافأة أو شكرا من أحد وهكذا نستطيع أن نسمو ونرقي ونحافظ علي كرامتنا الشخصية لأنه خير للإنسان أن يبلي بالعمل من أن يصدأ بدونه,ونختم بكلمات الكاتب الإنجليزي شارلز ديكنز:ضع ثقتك في الله وفي جهودك الشخصية وحاذر أن تفصل بينهما فيكون النجاح حليفك.