منذ عدة أسابيع وحرب مستعرة طفت علي السطح بين كل من الولايات المتحدة وكندا من ناحية والصين من ناحية أخري. هذه الحرب علي الرغم من أنها تجارية عريضة المجالات، إلا أن شرارة هذه الحرب التجارية، تركزت علي قطاع الهواتف المحمولة “الموبايلات” وخاصة بين شركتي هواوي الصينية وآيفون الأمريكية.
بداية الحرب، تمتد منذ سنوات عديدة، حيث يقوم الاقتصاد الصيني، الذي أصبح ثالث أقوى اقتصاد في العالم، علي عملية تقليد المنتجات الأصيلة، أيا كانت جودتها، مع الاعتماد علي سياسات سعرية رخيصة، لتنافس المنتجات الأصلية، وتوفي بالغرض من إنتاج سلعة مقلدة، للساعات، الهواتف المحمولة، السياسات، كل المنتجات تقريبا. ومع مرور الوقت اكتسبت المنتجات الصينية المقلدة سمعة نسبية في الأسواق العالمية، ونجحت في اكتساب أرضية تنافسية، حتي أمام المنتجات الأصلية، في أسواق الدول الغربية. مع مراعاة أن المنتجات الصينية المقلدة، تختلف مستويات تقليدها، حسب الأسواق التي تصدر إليها، إذ تتسم المنتجات الصينية المصدرة للأسواق الأوروبية والأمريكية الشمالية بمستويات عالية من جودة التقليد.
بدأت الإدارة الأمريكية، منذ وصول دونالد ترامب للسلطة منذ سنوات قليلة، في اتخاذ عدد من الإجراءات الحمائية، لحماية الاقتصاد الأمريكي من اغراق المنتجات الصينية الرخيصة الأسعار، والتي تمثل تهديدا كبيرا للاقتصاد الأمريكي. مع مراعاة أن برنامج ترامب، الذي نجح علي أساسه، هو حماية الاقتصاد الأمريكي، ودفع عجلته التنموية. ومن ثم كان من المنطقي، ليس إعلانه الحرب التجارية مع الصين فقط، بل واتخذ اجراءات حمائية مع كل من دول الاتحاد الأوربي، وكندا الأخ غير الشقيق والشريك الاستراتيجي تاريخيا للولايات المتحدة.
تعددت اتهامات الإدارة الأمريكية للحكومة الصينية، بإغراق السوق الأمريكية، بالمنتجات الصينية، ودائما ما كانت الصين تتحلي بطول الصبر والتأني قبل إصدار أية ردود أفعال انفعالية. واتهمت إدارة ترامب الصين وشركة هواوي الصينية للهواتف المحمولة بكسر الحظر الدولي والأمريكي المفروض علي إيران. ثم تطور الاتهام من قبل الإدارة الأمريكية، بأن هواوي تتبع سياسات إغراقية من شأنها الإضرار بهاتف الآيفون المحمول، وهو ما ممثل ضربة قوية للعلاقات بين واشنطن وبيكين.
وبدون مقدمات دخلت كندا هذ الحرب التجارية، علي الرغم من أن العلاقات التجارية والدبلوماسية بين أوتوا وبيكين كان دائما ممتازة. وإذ وبسبب مذكرة توقيف من القضاء الأمريكي ضد عدد من المسؤولين الصينيين ومن ضمنهم المديرة المالية مينج وانتشو لشركة هواوي، بسبب كسر الحظر علي إيران وسرقة أسرار اقتصادية من شركة تي موبايل الأمريكية، قامت كندا بالقبض علي مديرة هواوي خلال تواجدها في مطار فانكوفر الكندي في إقليم بريتش كولومبيا غرب كندا، ويعرف عند فانكوفر أن نسبة عالية من سكانها من أصول صينية، ويديرون جزءا كبيرا من الاقتصاد هناك.
بعد أن تم توقيف مينج وانتشو المديرة المالية لشركة هواوي في فانكوفر، بدأت السلطات الكندية في تسليمها إلي وزارة العدل الأمريكية وهذا ما أثر غضب الصين لدرجة كبيرة. دفع الموقف الكندي الصين إلي اتخاذ إجراءات عقابية تجاه كندا، من ضمنها فرض قيود تجارية علي عدد من الصادرات الكندية من ضمنها الكانيولا، وهو ما كبد كندا خسائر تجاوزت 4 مليارات دولار. كما قامت الصين بإلقاء القبض علي دبلوماسي كندي سابق مقيم في الصين ومواطن كندا آخر، بتهمة تهديد الأمن القومي الصيني، وهو ما مثل ضربة قوية للعلاقات الصينية الكندية.
حاول رئيس الوزراء الكندي التواصل مع حكومة بكين للإفراج عن المواطنين الكنديين، خاصة وأن احدهما حكم عليه القضاء الصيني بالإعدام. تعدد وتنوعت اتصالات ترودو، الذي تردت سياسات كندا الخارجية بسببه، بسبب افتقاده للخبرة السياسة، خاصة مع زيارة الأخيرة للهند، والتي تعرضت لانتقادات عريضة، بسبب سلوكياته من طريقة ملابسه، محاولته جذب تعاطف الشارع الهندي بأداء بعض الحركات علي الطريقة الهندية، وهو ما أصاب بعض الناخبين بخيبة أمل بسبب صورة رئيس وزراء كندا، التي جانبها الاتزان والقوة في الاتيان بهذه السلوكيات، خاصة وأنها لم تلق القبول المنتظر من الشارع الهندي.
اتصل ترودو كثيرا بعدوه اللدود، ترامب، حيث كلا من ترودو وترامب تجمعهما عداوة معلنة للإعلام الكندي والأمريكي علي السواء، حيث سبق واتهم ترامب، ترودو بالكذب والتحايل خلال مفاوضات إعادة صياغة اتفاقيات النافتا للتجارة الحرة، بين أمريكا وكندا والمكسيك، بعد أن أصبحت اتفاقية منفصلة للولايات المتحدة مع كل من كندا والمكسيك، كل علي حدة. وبعد هذه الاتفاقية، وتعددت اللقاءات بين ترامب وترودو، كانت لقاءات جافة، عادة من تجنب الاثنان تحية بعضهما البعض، أو السلام باليد، حيث يعرف كل منهما أن لا يرغب في صداقة الآخر. ويكن ترامب الكراهية لترودو من أول يوم لوصوله لكرسي الحكم في واشنطن، حيث أعلنها ترودو صراحة مع صديقه باراك أوباما عن دعم ترودو لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون لمقعد الرئاسة.
يحاول ترامب تلطيف الأجواء من واشنطن، ولذا قام بدور وكيل الحرب، في الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وقامت كندا بتوقيف المديرة المالية لمجموعة هواوي الصينية، ولكن خسائر كندا من هذه الحرب التجارية، تجاوز المليارات. وكل هذا مقابل تلطيف الأجواء مع ترامب، وكسب رضاءه فيما يتعلق بتوقيع اتفاقية جديدة للتجارة بين أمريكا وكندا، بدلا من اتفاقية النافتا، التي قرر في لحظة ما ترامب القضاء عليها، بدعوى أنها تمثل تهديدا للاقتصاد الأمريكي.
والسؤال الذي يطرح نفسه، من سيفوز في حرب الموبايلات، بعد أن أعلنت أمريكا عن فرض قيود علي هواتف هواوي، وقامت الصين بفعل ذات الشيء علي هواتف الآيفون؟ الخبرات السابقة، تكشف عن أن هذه القيود ربما تستمر لفترة، وبعد تكبد مليارات الدولارات من الخسائر، ستجتمع الأطراف المتصارعة من أجل الوصول إلي حلول وسط تعيد ترتيب قواعد اللعبة.