دعاني الدكتور القس عزت شاكر, المسئول عن الكنيسة الإنجيلية بشارع أبو داوود الظاهري بمدينة نصر لحضور الإفطار السنوي الذي تعود أن يقيمه في كل رمضان منذ أن تعرفت عليه في رحاب الدكتور أندرية زكي, رئيس الطائفة الإنجيلية الذي يدعوني لكل مناسبة تقيمها الكنيسة, لكني لا أذهب بسبب بعد المسافة وصعوبة الانتقال, فالكنيسة الإنجيلية الكبري تقع عند طريق القاهرة الإسماعيلية, والوصول إلي هناك والعودة من هناك مشكلة.
أما كنيسة مدينة نصر, فهي تقع علي بعد أمتار من بيتي, يمكنني الذهاب سائرا علي قدمي. أمارس أجمل هوايات العمر التي لا أستطيع ممارستها بتوسع كما كنت أفعل في الشباب الذي ولي ومضي ولن يعود. وهذا يدفعني إلي الاستجابة لأي دعوة لكي أذهب إلي الكنيسة الإنجيلية بشارع أبو داوود الظاهري, لأنني أعتقد أن ربط أواصر المحبة والمودة بيننا وبين أشقائنا في الوطن والمصير الإخوة المسيحيين, يشكل صمام الأمان الأساسي لهذه البلاد, ويضمن لها المستقبل الذي نحلم به جميعا.
ما يفعله الدكتور القس عزت شاكر لا يعد استثناء فقد حملت الصحف أن مأدبة سحور كبري أقيمت في كنيسة الروم الأرثوذكس. اجتمع فيها المسلمون والمسيحيون. جرت العادة في الصحف أن يكتبوا الأقباط, وهو خطأ شائع أصبح الآن قاعدة من القواعد, فالأقباط يمكن أن يوصف بها كل سكان مصر, فلدينا قبطي مسيحي وقبطي مسلم. أما كلمة مسيحي فربما كانت الأدق عند الكلام عن أشقائنا.
يقول الخبر الذي كتبته في جريدة الوطن, الأستاذة سعاد الخضري: إن القساوسة والمشايخ حرصوا علي الوجود كعادتهم كل عام. وبعد الانتهاء من وجبة السحور بدأت جلسة سمر استعرض فيها الطرفان وحدة الشعب المصري. ثم التقطوا الصور التذكارية.
تصف مراسلة صحيفة الوطن في دمياط الاحتفال بأنه كان إنسانيا وجميلا. وقد حرص كاهن الكنيسة علي إعداد المأدبة بذاته. كما تعود منذ صغره بمشاركة صديق له. وفي كل عام تستضيف الكنيسة روادها من المسلمين والمسيحيين لتناول وجبة الإفطار أو السحور. وهي عادة أصيلة للكنيسة. ذلك أن الكنيسة تعد بيتا للمسيحيين والمسلمين. وهذا التقارب بين أبناء الوطن الواحد يزداد في رمضان, باعتبار أن رمضان شهر طقوس وشهر خاص يختلف عن كل أيام السنة, وله إيقاعه الذي لا نجده سوي في رمضان.
الدكتور القس عزت شاكر, أهداني كتابه الجديد, وقد اكتشفت أنه ليس كتابه الوحيد, فله ثلاثين كتابا منشورة, وهو رقم ضخم جدا. ولابد أن نحسده أنه رغم القيام بالمهام الكنسية والروحية. يجد الوقت للكتابة, ويصدر كل هذا العدد من الكتب. وعموما فالكتابة بقدر ما هي موهبة فهي احتياج إنساني لمن يكتب, يعبر عن نفسه عندما يكتب, ويلتقي بذاته عندما يمسك بالقلم. ويعيش لحظات لا يشعر أن لها بديل علي وجه الأرض عندما يقرر أن يمسك بالقلم ويخط به الأحرف علي الورق. وكل هذه الكتب لعزت شاكر قامت بنشرها الكنيسة الإنجيلية بمدينة نصر, وهو دور جديد يضاف لدور العبادة أن تنشر الفكر الذي يؤمن به من يترددون عليها بين كل الناس.
كتاب عزت شاكر, عنوانه: عايشين ليه؟. والغلاف الخارجي للكتاب تزينه صورة نادرة لألفريد نوبل, صاحب جائزة نوبل الشهيرة. ورغم متابعتي لكل الصور التي نشرت لهذا الرجل. خصوصا بعد حصول المرحوم نجيب محفوظ علي جائزة نوبل في 12 أكتوبر 1988, إلا أن الصورة التي اختارها القس الدكتور عزت شاكر غلافا لكتابه تعد صورة نادرة. أراها لأول مرة. لدرجة أنني بعد ن أهداني الكتاب ونظرت إليه اضطررت لسؤاله عن صاحب الصورة الموجودة عن صاحب الكتاب, فقال لي إنه نوبل.
يهدي المؤلف كتابه إلي ابنه وصديقه وحبيبه: كريم. ويصفه بخفة الدم والرجولة والشهامة وتحمل المسولية. أما الكتاب نفسه فهو يبدأه هكذا:
ـ ذات يوم عام 1888 قرأ العالم الكبير ألفريد نوبل 1833 ـ 1896, صاحب الـ 355 اختراعا والتي أشهرها الديناميت خبرا كتب في الصحف بالخطأ عن وفاته. فقد نما إلي علم أحد الصحفيين أن نوبل مات. ولكن الذي توفي هو لودويج نوبل شقيق ألفريد. فكتب في صحيفته: لقد مات تاجر الموت. وكتب صحيفة أخري مات الذي صنع ثروة من دماء الناس.
كل هذا دفع ألفريد نوبل أن يكتب وصيته الأخيرة والتي جاء فيها:
ـ يتم استثمار 94% من ثروتي في سندات آمنة لتأسيس صندوق يتم توزيع فوائده سنويا علي شكل جوائز للأشخاص الذين قاموا في السنة السابقة بتحقيق أعظم إنجاز للبشرية.
ومنذ تأسيسها أصبحت أهم جائزة بشرية علي الإطلاق تقدم كل عام في ستة مجالات: السلام, الأدب, الطب, الكيمياء, الفيزياء, الاقتصاد. وكانت ثروته تبلغ 1.687.837 جنيه إسترليني. ويقدر رأسمال جوائز نوبل الآن بمبلغ 500 مليون دولار, وهو أكبر من ضعف المبلغ الأصلي. وقد استطاع نوبل أن يغير ما سيكتبه التاريخ عنه فعلا من تاجر الموت إلي محب السلام والصحة والأدب والرقي والتقدم والإبداع.
والحكمة من وراء هذا يكتبها المؤلف:
ـ وأنا وأنت نستطيع الآن أن نغير ما سيكتبه التاريخ عنا. بل ونغير مستقبلنا إذا أدركنا: لماذا نعيش؟ وما الذي يريده الله من حياتنا؟ وتحركنا بحماس لتنفيذه.
يوسف القعيد كاتب وروائي وعضو مجلس النواب
[email protected]