نظمت جمعية إحياء التراث الوطنى المصرى “نهرا” حفلاً لتذكار دخول العائلة المقدسة أرض مصر، على مسرح مركز “المنارة” للمؤتمرات بالتجمع الخامس.
أقيم الحفل كان تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، وشارك بالحضور قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وغبطة البطريرك إبراهيم اسحق بطريرك الكاثوليك والمطران منير حنا رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية بمصر.. ومن الوزراء، الدكتور خالد العنانى وزير الأثار وغادة والي وزيرة التضامن والدكتورة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج ورئيس الوزراء الأسبق المهندس إبراهيم محلب، وعدد من المحافظين والسفراء وأعضاء مجلس النواب، ولفيف من المطارنة والأساقفة والأباء الكهنة، ووفد من علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، وباقة من الفنانين على رأسهم الفنان محمد صبحي والفنانة مادلين طبري، والأستاذ منير غبور رئيس مجلس إدارة جمعية “نهرا”.
قدمت الحفل الأستاذة فاطمة ناعوت التي رحبت بالحضور، وتكلمت عن أهمية العائلة المقدسة في كل الأديان وبركة وجودها في الأراضي المصرية.. وقالت أيضا: “العالم يقف مشدوهاً يتساءل: أي سر فيك يا مصر جعل الله يختارك ليميزك بهذا الشرف العظيم دون سائر أراضينا؟! إنه سرها الذي ذكر في الكتب السماوية، ففي القرآن الكريم قال: “أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين” وفي الإنجيل المقدس قال: “مبارك شعبي مصر” جاعلنا نحن أبناء مصر الطيبة شعبه ووطنه وأرض أمنه وأمانه.. وهذا شرف عظيم لنا كمصريين أن نكون شعباً مختاراً لرسول السلام والمحبة الذي كان يجول يصنع خيراً ولم تمسه خطيئة ولا نخسة الشيطان.. احتضنته أرضنا الطيبة، طفلاً صغيراً.. فرحت مصر بزيارة العائلة المقدسة لأرضها فنبت نبات البلسم من بركتهم وتفجرت ينابيع المياه العذب من كل جدب وطأته أقدامها”..
بدأ العرض بتنسيق تاريخي وكلمات بسيطة ومعلومات ثرية من الدكتورة إنجي حنا.. ثم جاء وقت الأوبريت الذي أبهر كل الحضور من براعته والتناغم الذي جعل الحاضرون يتسقون بالماضي ويعيشون ذكرى دخول العائلة المقدسة إلى أرض مصر.. عذراء تحمل طفلها ورجل مسن ودابة ضعيفة يقطعون آلاف الأميال هروباً من طغيان.
ومن كلمات الرئيس السيسي جاء ما يعكس أن هذا التذكار له معنى أعمق في التراث المصري وأمل لاستمراره: “دائماً ما كانت مصر حصناً منيعاً وملاذاً أمناً لكل من أراد الاحتماء بها منذ فجر التاريخ وحتى الأن وستظل كذلك بمشيئة الله”
أوبرا مصر الطريق
جاء وقت عرض “اوبرا مصر الطريق”، الذي تناول عدة فصول بدءاً من بشارة الملاك للعذراء مريم: “سلام لك أيتها المنعم عليها.. الرب معك.. مباركة أنت في النساء.. لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند االه.. وها أنت ستحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع.. هذا يكون عظيماً، وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية.” كانت تلك الكلمات الكتابية أول جزء في الفصل الأول، وجسدت دور العذراء مريم بنت مبدعة في تمثيلها حتى ارتسم على وجهها براءة وبساطة وسلام عجيب وكأنها ملاك على الأرض فعلاً.. ثم استمر العرض يروي القصة التاريخية وتخلله بعض الترانيم “مريم لو هحكيلكوا عن مريم” ومن كلماتها التي تغنى بها الأطفال بلحن شرقي جميل “يا رب بارك.. يا رب هات.. مستنيين يا رب هات.. زينة الولاد من زينة البنات.. مريم أهي بتولد يا ولاد.. لا في اللي جاي ولا في اللي فات.. زيك يا مريم في المعجزات”
ثم جاءت الترنيمة الشهيرة “افرحي يا مريم العبدة والأم لأن الذي في حجرك الملائكة تسبحه” وهنا رأينا البنت البريئة تحولت إلى أم حنونة فرحانة جداً بمولودها الجديد وابتسامتها تغمرها.
وانتهى الفصل الأول بأغنية الملائكة وهم يترنمون: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة”
ثم جاء الفصل الثاني ليبدأ بالمجوس وهداياهم للطفل يسوع، وبعدها مشهد رعب هيرودس من الطفل الرضيع الذي ظن أنه سيأخذ عرشه، وتألق في التمثيل مجموعة من الشياطين الذين كانوا يحومون حول الوالي هيرودس إلى أن احتد الأمر واختمرت بداخله فكرة قتل كل الأطفال.. المشهد كان مبدع في تصاعد الشر بالتدريج مصاحب بتأثيرات صوتيه وأصوات الكورال لإظهار حدة المشهد في تناغم عجيب ومتميز. وأنتهى المشهد بعويل الأمهات وهن يقولون: “غله عمى قلبه وعينيه.. كارهة السما تظلل عليه.. إدا أوامره للمجرمين.. تقطف سيوفهم ورد البساتين..”
وبالطبع الفصل الثاني لم يخلو من أهم مشهد وهو ظهور الملاك ليوسف النجار قائلاً: “قم خذ الصبي وأمه وأهرب إلى أرض مصر، وكن هناك حتى أقول لك..” وهنا تألقت العذراء الأم الصغيرة في تجسيدها للشعور بالخطر واحتضانها لطفلها وهي على الحمار وسط غناء الكورال وعذف الأوركسترا “وخدوا طريق صعب ومهجور.. ضلمة ولكن في القلب نور.. ومن وحوش البشرية على وحوش البرية.. حاضنة الرضيع.. مش خايفة تضيع.. وفي قلبها أمان الدنيا.. ماهو ربنا جوه القلوب.. آمان يخلي الخوف يدوب.”
أما الفصل الثالث، بدأت تظهر فيه مصر بنيلها وشعبها من المصرين القدماء.. ثم سمعنا الأصوات الجميلة تتغنى:
“على مصر خطي على مصر روح.. يجعلها خطوة تشفي الجروح..
مصر الطريق وقشاية الغريق.. طوق النجاة وأمان الروح..”
“محظوظة يا مصر بخطوة الطاهرين.. محفوظة يا مصر بدعوة الصالحين..
وفي كل خطوة في الطريق ليها.. بنور الله وبكرمه محفوظين”
“حضن البلد دي أوسع من الدنيا.. وبراحها ياما مستحيل يتقاس..
خطوة عزيزة وطيبة وغالية.. موعودة مصر يزورها أطهر الناس.”
وبدخول العائلة المقدسة أرض مصر صور المخرج مشاهد متعددة من رحلتهم في مصر.. ففي تل بسطا سمعناهم بيقولوا: “مع كل طلعة للنهار.. الليل أوام يرجع ورا.. نور المسيح يملا المكان تقع الأوثان متكسرة”.. أما في العزباوية قالوا: ” على أرض خضرا عدوا ولقوا صاحبها عنده مية تروي عطشهم شربوا وقعد يناقشهم.. مريم حكت الحكاية وكان ليها طلب وغاية لما شافت بذوره قالت له بكره يزوره عساكر السفاح..”
وهنا كانت قصة غيط البطيخ الذي نما بسرعة فظن العسكر أن الطفل كان هناك من ثلاث شهور..
وبعدها جاءت المطرية.. وسمعنا “شجرة تضلل ونبع ميه.. خير بيحاوطكم منين ماتروحوا.. رزق المسيح وسماحة روحه.. وعند ضل الشجرة.. مريم تلقى بير.. إللي منه تغسل ثياب الصغير وبمية ثيابه تروي يطرح بلسم.. بركة أبن مريم عند شجرة مريم”
أما النيل فتغنوا له قائلين: “وفي قلب شريان البلد مشيت وناسها والولد.. الله يا نيل حظك جميل.. والبركة تملاك للأبد.. والضفتين حاضنين وحارسين.. ولا سألوا لإمتى ولا سألوا لفين..” وكأنهم واثقين أن النيل حاملهم للخير وهو صامت لا يسأل ويكتم سرهم..
وفي النيل وصلوا “لجبل الطير في المنيا في صعيد أم الدنيا والمعجزات هناك كانت مابتنتهيش”
وانتهى الفصل الثالث بعرض فني عن جبل الطير بالمنيا ثم دير المحرق بأسيوط “وجوه حضن مصر وبالمقاس في نصها.. يتأسس أول مذبح في الدنيا كلها.. مذبح دير المحرق بإيدين مريم وابنها.. مصر بتقول للعالم أن المسيح في قلبها.”
من هنا بدأت رحلة العودة في الفصل الرابع، حيث قرأ نص الكتاب الذي قال فيه الملاك ليوسف: “قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي”.. وبعدها سمعنا: “آن الأوان وقت الرحيل.. نتلاقى بين سطور الإنجيل.. فيه مذكورين المصريين.. زي عادتهم في كل دين.. ربنا معاكم.. زي ما نجاكم.. توصلوا بالسلامة.. ويسدد خطاكم”
وأنتهى العرض بأغنية “مصر الطريق” من تأليف ريمون قلته وجاءت كلماتها المؤثرة كالتالي:
“وبعد ألفين م السنين.. شعب البلد دي لسا لك أمين..
صاين أثارك حافظ ديارك.. وخطاوي عيلتك كنزه الثمين..
مصر البداية.. مصر الطريق
مصر المفر من كل ضيق
شعب البلد دي حضنك زمان.. وليومنا ضامن لعيلتك آمان..
وتراب قدامكوا في قلوبنا قصر.. كفاية تبارك شعب مصر..
مصر البداية.. مصر الطريق
مصر المفر من كل ضيق
وعدت ووعدك صادق أمين.. سلامك في مصر ليوم الدين”
وشارك فى العمل الأوبرالى الفنانة الوزيرة الدكتورة إيناس عبد الدايم بعزف صولو فلوت مع اوركسترا “سينكوب” بقيادة المايسترو جورج قلته، وشارك بالغناء كورال “اكبيللا” بدار الأوبرا المصرية بقيادة مايا جيفينيريا وكورال صوت الملائكة بكنيسة العذراء مريم بالزيتون تدريب مينا رؤوف. أما العمل التمثيلي وأداء الباليه فكان من فريق باليه الأوبرا سوليست ممدوح حسن وغناء المطربة أميرة رضا وأشعار الشاعرة نور عبد الله تأليف وسيناريو ومنتج فنى فيكتور فاروق وإخراج محمد حمدى، وجرافيك جون بهاء من ستوديو فلير، وعلياء ندى لأعمال ديكور ونحت، ومصممة أزياء العمل دكتورة نبيلة ناجح، برعاية مصممة أزياء جينا سلطان، ورعاية محمد الصغير. وقام بدور يوسف النجار، القمص يؤنس أنطون ميخائيل، ودور هيرودس الفنان عاصم سامي ودور العذراء مريم الفنانة الشابة مريم نور إيهاب.
كلمة الرئيس السيسي
بعد مشاهدة هذا العمل الإبداعي تقدم الدكتور خالد العناني وزير الأثار – نيابة عن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بقراءة رسالته في هذه المناسبة المباركة، وجاء نص الكلمة كالتالي :
إن ذكرى دخول العائلة المقدسة إلى أرض مصر الحبيبة تمثل للمصريين جميعاً أهمية تاريخية ودينية كبيرة وتعد من التراث الديني العالمي الذي تتفرد به مصر عن سائر بلدان العالم.
وبفضلها تبوأت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية مكانة دينية خاصة بين الكنائس في العالم لإرتباطها بهذه الرحلة المباركة لأرض مصر الغالية
على مدار حوالي ثلاث أعوام ونصف ولاقت خلالها أقدام العائلة المقدسة حوالي ٢٥ بقعة في ربوع مصر المختلفة تحمل ذكراهم العطرة، حيث تنقلب بين جنباتها من ساحل سيناء شرقاً إلى دلتا النيل غرباً حتى وصلت لأقاصي صعيد مصر.
دائماً ما كانت مصر حصناً منيعاً وملاذاً أمناً لكل من أراد الاحتماء بها منذ فجر التاريخ وحتى الأن وستظل كذلك بمشيئة الله .. حيث استقبلت مصر على أرضها ضيوفاً وأخوة من كل أقطار الآرض لجأوا إليها هرباً من ظلم أو قهر أو طغيان، فاحتضنتهم مصر ولم يشعروا فيها ابداً إلا بكل طمأنينة وسلام وأمان، فسبق وجاءها نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام ووفد إليها يوسف ثم أباه يعقوب عليهما السلام وولد وتربى على أرضها نبي الله موسى عليه السلام وجاء إليها يوسف النجار مع السيدة العذراء البتول وطفلها في رحلة مقدسة، هرباً من طغيان الملك هيرودس.
كل عام وحضراتكم وشعب مصر العظيم بخير وأدام الله مصرنا الغالية العظيمة درة الله في أرضه وكنانته التي يأمن ويحتمي بها الجميع وزادها عزاً وإباءً وشموخاً.
كلمات مثمرة وتصريحات أمل
ثم ألقى الدكتور خالد العناني وزير الآثار كلمته الخاصة التي صرح فيها عن سعادته بهذا الحدث العظيم الجلل لتتفرد به مصر، وهو رحلة العائلة المقدسة التي ميز بها الله مصر عن كل دول العالم.. بدأ هذا الكنز يأخذ الاهتمام الذي يستحقه – سواء من الحكومة أو من البرلمان أو من المجتمع المدني.. وهذا الحفل خير مثال لاهتمام رجال الأعمال المصريين أيضا وعلى رأسهم رجل الأعمال منير غبور الذي بدأ خطواته في هذا الأمر منذ عام 1998م
وأكد الدكتور عناني أن وزارة الأثار مهتمة جداً بهذا المسار، لأن تلك الأماكن أماكن أثرية هامة جداً وتراث للبشرية.. ففي الأعوام الأخيرة، كان يوجد علامات تطوير واضحة: عام 2015 احتفلنا بافتتاح الكنيسة المعلقة بعد الترميم وإعادة تأهيلها، أيضا شاهدنا عدة كنائس وأديرة تم ترميمها بالإشراف والتنسيق الكامل مع الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، وفي عام 2016 تم افتتاح كنيسة العذراء مريم والشهيد أبانوب بسمنود، ثم عام 2017 تم افتتاح مغارة وكنيسة أبو سرجة في مصر القديمة، وحالياً جاري أعمال في منطقة وادي النطرون وفي جبل الطير وشجرة مريم بالمطرية لرفع كفاءة تلك النقاط للوصول للمستوى المنشود بقيمتهم التاريخية.
وصرح وزير الأثار أنه من بضعة أيام أصدرت وزارة الأثار كتاب باللغة العربية واللغة الإنجليزية توثق فيه مسار العائلة المقدسة، وتزامن صدوره مع ذكرى دخول العائلة المقدسة لأرض مصر في شهر يونيه.
أما عن تحدي شخصي صرح به سيادة الوزير، ناتج عن قرار أصدره من عام مضى بتأسيس لجنة قومية لتسجيل مسار العائلة المقدسة كتراث غير مادي لليونيسكو، وتلك اللجنة تضم كل أطياف الدولة وترأسها الدكتورة هبة يوسف وكيل أول وزارة الثقافة، وهذه اللجنة ممثل فيها كل جهات الدولة والكنيسة المصرية، وستقوم بتسجيل الإحتفالات المرتبطة بالعائلة المقدسة كتراث غير مادي ومن المتوقع الانتهاء من إعداد هذا الملف قبل نهاية شهر ديسمبر لعام 2019م وسيتم تقديمه للكنيسة للمراجعة قبل أن نتقدم به باسم مصر لليونسكو.
أما ثاني ملف يتم إعداده الأن من قبل نفس اللجنة وسيقدم باسم مصر أيضا، برغم أنه كان معلق من أكثر من 15 عام في القائمة التمهيدية لليونسكو، ويتضمن أديرة وادي النطرون الأربعة، لتكون هذه الأديرة على قائمة التراث المادي العالمي.
وكلمة الأستاذ منير غبور الذي رحب بقداسة البابا تواضروس وبكل الحضور من رؤساء الكنائس بمصر، وكذلك السادة الأئمة والشيوخ الأجلاء والسادة السفراء.. وجاء نص الكلمة كالتالي:
اسمحوا لي أن أتقدم بخالص الشكر للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، راعي هذه الاحتفالية إيماناً منه بأهمية هذا الحدث الكبير، وقد أناب عن سيادته في الحضور الدكتور خالد العناني وزير الأثار.
وإنه من دواعي سرورنا تشريف قداسة البابا تواضروس الثاني الذي ساهم ودعم بالكثير للخروج بهذه المناسبة في أبهى صورها.. وأود أن أذكركم بعبارة لقداسته رائعة “إن العالم كله في يد الله ولكن مصر في قلب الله”
كما أود أن أشكر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، الذي أناب عنه في الحضور فضيلة الشيخ صالح عباس وكيل الأزهر. والشكر أيضا للدكتور نظير محمد أمين عام مجمع البحوث الإسلامية والأستاذ الدكتور محمد الأمير نائب رئيس جامعة الأزهر.
شكر خاص لفنانة العظيمة الدكتورة الوزيرة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة التي أشادت بالعمل بعد أن عرضنا عليها النوتة الموسيقية الخاصة بالأوبريت تأليف الفنان المايسترو جورج قلته.. فبادرت بالمشاركة والعزف بنفسها مما أثرى العمل ككل بل وسمحت سيادتها بالإستعانة بكورال وفرقة باليه دار الأوبرا، الأمر الذي أضاف وأثرى الأوبريت. الفنانة الدكتورة إيناس إرتدت اليوم زي الفنانة ورفضت الجلوس معنا في الصف الأول بالصالة وقالت: “أنا فنانة اليوم ولست وزيرة”
واستكمل غبور: “أعزائي الحضور أتشرف بداية بالترحيب بسيادتكم لتشريفكم هذه الاحتفالية الفريدة إحياءً لذكرى زيارة العائلة المقدسة إلى أرض مصر، والتي تحتفل بها الكنيسة المصرية في الأول من يونيه من كل عام.
مصر هي الأرض التي خاصتها العائلة المقدسة عن سائر بقاع العالم لمباركة الله لها ولمكانتها في الكتب السمائية حتى شبهها بجنته حينما ذكرت في أيات سفر التكوين: “جنة الرب كأرض مصر”
جاءت الرحلة الشاقة إلى أرض مصر لينشر السيد المسيح رسالة السلام والمحبة.. واختيرت أرض مصر وشعبها لتكون مهد رسالته وليبارك كل المصريين كما ذكر الكتاب المقدس “مبارك شعبي مصر” ويخص الله مباركة شعب مصر عن سائر شعوب العالم حيث لم تكن هناك نهاية – ديانة مسيحية أو إسلامية وكما كانت الديانة المسيحية رسالتها السلام والمحبة كان أيضا يدعو الدين الإسلامي للسلام والمحبة كما جاء في الحديث النبوي الشريف: “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فالمحبة والتحلي بالأخلاق الحميدة هي الهدف الأسمى لكل الأديان، حيث يعيش الناس في تآخي وسلام وبالتالي ما نحتفل به اليوم هو عيداً قومياً لأن السيد المسيح جاء للمصريين جميعاً..
إحتفالنا هذا العام جاء مختلفاً عن الأعوام السابقة فهو احتفالاً سمي “بأوبرا مصر الطريق”.. لماذا هذا الإسم؟ الفن هو اللغة المشتركة التي تفهمها كل الشعوب وهي الثقافة التي تصل لأحاسيس كل الفئات والأعمار والأجناس دون أن يعوقها علم أو معرفة أو لغة.. ومن هنا جاءت فكرة تأليف وإخراج أوبريت مصري خالص لتكون عالمية وذلك بسرد أحداث المسار المقدس من خلال أوبرا تجوب مسارح العالم – إسوة بأوبرا عايدة تأليف الموسيقي فيردي.. وذلك بعد مباركة وزارة الثقافة على هذا العمل الكبير. وسيترجم هذا العمل للغة الإنجليزية والفرنسية وسيكون أول عرض له في بيروت ليكون نواة لخلق نوع بديل وهام من السياحة المصرية، تضافراً مع مجهوداتها الحسيسة التي تقوم بها الدولة لوضع هذا البرنامج السياحي الفريد على خريطة السياحة العالمية. وتعزيزاً لتوجهات الدولة ورعاية برنامج سياحي لجميع المناطق التي زارتها العائلة المقدسة.
وما على القطاع الخاص مشاركة الدولة في مجهوداتها لتحويل هذا الحلم إلى حقيقة.. خاصة وأن القاسم المشترك لمعظم المزارات داخل قرى صغيرة لا تحوي القدر الكافي من الخدمات الأساسية حتى يكون بمقدورها أن تجذب الأفواج السياحية من كل بقاع العالم. فعندما يتعلق الأمر بكبار السن وهي الفئة الأكثر شغفاً بالسياحة الدينية، فلن يتمكنوا من الصعود لمغارة بجبل أو النزول تحت الأرض دون وسائل سهلة.
زار مصر عدد بسيط من السواح في خلال العام الماضي، بعد زيارة بابا الفاتيكان إلى مصر.. ضمن برنامج زيارة العائلة المقدسة.. لكن بكل أسف الطريق ليس جاهزاً.. والمتوقع أن تتضاعف هذه الأعداد ليس أقل من 10 مليون سائح سنوياً في حالة تجهيز مناطق الزيارة لتكون على مستوى احتياجات السائح.
ونرى أن يشمل التطوير إقامة مهرجانات عالمية سنوياً.. في الأول من شهر يونيه من كل عام احتفالاً بهذا التذكار المبارك.
وكما سبق وطالب قداسة البابا تواضروس الثاني باعتبار هذا التاريخ عيدا قومياً ونذكركم بعيد وفاء النيل والمهرجان الكبير الذي كان يقام على ضفاف النيل قبل انشاء السد العالي.
إن هذا المشروع القومي مخطوط في التاريخ الترويجي للسياحة المصرية، فهو أكبر من أن يختزل في مجرد مزارات دينية، بل إنعكاس إيجابي على التنمية الشاببة والمواقع الأثرية التي يضمها المسار، ومن جهة أخرى إبراز حقيقة ما أصبحت تتمتع به مصر من أمن واستقرار وسلام وسماحة.. كي تستعيد السياحة المصرية مكانتها وعافيتها على الخريطة العالمية، وفي ظل القيادة الرشيدة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحيا مصر..
جاءت كلمة البابا تواضروس الثاني حيث قام بتحية الحضور جميعاً، وبدأ كلامه قائلاً: نحتفل بهذه المناسبة في الكنيسة المصرية منذ القرون الأولى في الأول من يونيه من كل عام. هروب العائلة المقدسة نسميها نحن تجاوزاً “برحلة العائلة المقدسة” ولكن الحقيقة هي “الهروب إلى مصر”.. السيد المسيح وهذه العائلة يمكن أن نعتبرهم اللاجئ الأول إلى مصر في التاريخ بعد الميلاد.. ويمكن أن نعتبر السيد المسيح هو أول لاجئ مع أمنا القديسة العذراء مريم والقديس يوسف النجار.. وأيضا يمكن أن نعتبر أن السيد المسيح هو أول سائح جاء إلى مصر لأنه – كما استمعنا – توقفت الزيارة أو الرحلة في مواضع كثيرة في بقاع مصر حوالي 25 محطة من شرق البلاد إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها. ولم تجوب وتتجول على الأرض فقط بل تحركت عبر النيل وعاشت العائلة ثلاث سنوات وستة أشهر تأكل من الأرض وتشرب من مياه النهر وتتنفس الهواء الذي في مصر وتعيش حياتنا المصرية. ولذلك نحن نعتبر أن هذه الزيارة أو هذا الحدث هو بمثابة هدية عظيمة قدمها الله إلى مصر.. وأنعم على بلادنا بنعم كثيرة.. الله يعطي للإنسان نعم كثيرة في حياته – نعمة الصحة، نعمة العمل، نعمة الأسرة، نعمة الأصدقاء.. النعم كثيرة ولا تحصى.. ولكن هذه النعمة الجماعية التي أعطيت لمصر ولأرضنا ولسكانها عبر التاريخ وعبر الأجيال هي نعمة ليس لها مثيل في التاريخ في أي بلد على مستوى العالم كله، ولذلك حسناً أن اهتمت الدولة والحكومة بأن تكون هذه الرحلة بما عليها من أثار موضع إعداد وموضع تحضير لكيما يكون صورة يمكن أن تصدرها مصر لكل العالم.. يمكنها أن تصدر صورة سياحية ويمكن أن تكون صورة اقتصادية ويمكن أيضا ان تكون صورة اجتماعية حيث نحتفل جميعاً في مصر بهذه المناسبة.
وأضاف قداسة البابا: إنني في هذه الأمسية أود أن أقدم شكراً كبيراً لرعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذه الاحتفالية وأشكر على الأداء العظيم الذي قدمت به هذه الأوبرا وجميع المشاركين في العمل الإبداعي.. وأقدم الشكر لمن أتم هذا العمل الأستاذ منير غبور وبالطبع نقدم الشكر لإدارة هذا المسرح الشامخ في المنارة.
وشكر خاص لسيادة الوزير خالد العناني على مجهود وزارة الأثار، الذي يقدم الصورة المصرية للعالم بأروع ما يكون، فيجب أن نخاطب العالم باللغة التي يفهمها.. ومسار العائلة المقدسة يشهد لمجهودات وزارة الأثار في حفظ ووتقديم ما نجده على أرض مصر للتراث العالمي لليونيسكو.. كل تلك المجهودات تمكن العالم أن يدرك من هي مصر..
وشكر أيضا الأستاذة فاطمة ناعوت في تقديمها لهذا الحفل ولم ينسى تقدير الفنانة الوزيرة الدكتورة إيناس عبد الدايم على إبداعها ودعمها فني.
وفي نهاية الحفل تقابلت وطني مع بعض الشخصيات من معدي هذا العمل الفني والسادة الحضور ورصدت تعليقاتهم عن الأوبريت وكيف أثر فيهم:
الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة صرحت لوطني: “أنا سعيدة بمشاركتي في هذا الاحتفال العظيم، لأنه حدث هام جداً لمصر وفكرة تجسيد هذا الحدث التاريخي في عمل فني راقي رائعة كنت مؤمنة بها من البداية واحترمت جداً الأستاذ منير غبور لأنه استطاع أن ينتج لنا الفكرة وليدة إيمانه بقيمة هذا المسار.. هذا العمل تطلب منه تجميع كل الجهود وتشجيع الجميع ليخرج عمل متناغم وناجح.
ومن ناحية أخرى أنا فخورة جداً بعمل جورج قلته في الصياغة الأوركسترالية لأنه قدم عمل عالمي في مستواه، لقد استمتعت بسماع العمل كاملاً والمشاركة وسطهم بالعزف على الفلوت.. العمل كان بارع والحدث نفسه فخر لنا جميعاً كمصريين.”
أما عن مؤلف موسيقى أوبريت “مصر الطريق” والمايسترو جورج قلته فصرح لوطني: “أنا فخور جدا لوجودي في هذا الحدث العظيم.. فكرة “مصر الطريق” بدأت من مطلع 2019 حيث عزم الأستاذ منير غبور لتقديم عمل فني يجسد هذا التذكار وتكلم مع الأستاذ فيكتور فاروق وهنا بدأ الأستاذ فيكتور تجميعنا كلنا كفريق وبدأنا ندرس ونطور الفكرة يوم بعد يوم إلى أن تبلورت كلها.. نحن كأوركسترا سينكوب حبينا أن نقدم العمل بشكل مختلف، لكي لا تكون أوركسترا تقليدية، فقمنا بعمل كل التأثيرات الصوتية بأنفسنا مثل أصوات السيوف في وقت ذبح أطفال أورشليم بسيوف حقيقية، وصوت مياه النيل والمركب عائمة في المياه وكذلك صوت الحيوانات وخطوات الجمال، فلم نستخدم أي تأثيرات صوتيه خارجية.
وأضاف جورج قلته: هذا العمل يمثل لي شخصياً قيمة كبيرة في حياتي وأشكر كل من أتاح لنا الفرصة لنقدم هذا العمل بهذا الشكل وتلك التقنيات.. ومن أهم الداعمين لنا نفسياً بوجودها ومشاركتها معنا كانت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وأيضا أشكر الأستاذ منير غبور لأن إيمانه بالمشروع أعطانا الفرصة للعمل والظهور بشكل مشرف.
البرلماني محمد أبو حامد قال في تصريح لوطني: مناسبة دخول العائلة المقدسة لأرض مصر هي مناسبة مصرية تخص كل المصريين، فهي ليست مناسبة دينية فقط.. وأنه عندما جاءت العائلة المقدسة إلى أرض مصر حلت بالرحمة والبركة والسلام لكل المصريين. من بعد ثورة 30 يونيه ومن بعد تولي الرئيس السيسي المسئولية، كان واضح اهتمام الدولة باحياء كافة مكونات الهوية المصرية وأنها تعزز فكر المواطنة وأظهرت هذا بشكل عملي من خلال توثيق مسار العائلة المقدسة وبدأ الكلام عن كيان هذا الاحتفال كمناسبة مصرية ولابد أن يحتفي بها الشعب المصري كله.
وأوضح أبو حامد أنه تقدم برغبة للحكومة أن يكون هذا اليوم الأول من يونيه عيد قومي وإجازة رسمية لكل المصريين.
أما عن اشتراك جهات وزارية مع مجتمع مدني لإقامة هذا الحفل، علق أبو حامد: هذا التعاون تم من قبل في الأعوام السابقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، فالمناسبة تخصنا كلنا ولها أبعاد متعددة، فعندما نقول وزارة الثقافة نهتم من ناحية الهوية الوطنية، وعندما نقول وزارة الأوقاف مع الكنيسة المصرية نهتم بالعنصر الديني ونحتفي به، وعندما نقول وزارة السياحة نهتم بالسياحة الروحية.. استمرار الفاعليات التي تقوم على تذكار دخول العائلة المقدسة مصر لو له دلالة هي مناسبة وطنية غيب الاهتمام بها لسنوات طويلة والأن مع وجود إرادة سياسية حقيقية للاحتفاء بكافة مكونات الهوية الوطنية ولتحقيق مواطنة عادلة والاحتفاء بالأديان السماوية الموجودة على أرض مصر، لذا نرى اهتمام الدولة.
ومن خلال وطني، هنأ المستشار أمير رمزي شعب مصر على هذا الحفل الرائع بفضل الأستاذ منير غبور، هذا الأوبريت رائع وتمنى أن يكون الأوبريت معروض ثابت في دور عرض على مدار السنة أويقدم من وزارة الثقافة على مسرح الأوبرا، لأن العمل به فكر وتاريخ وسرد أحداث مهمة جداً ممكن تكون غير معروفة لكثيرين من داخل وخارج مصر. هذا التذكار مهم جدا لأنه حدث تاريخي يجذب كل العالم أن يأتي لمصر.
وعلق القس يوسف فؤاد راعي كنيسة السيدة العذراء بالزيتون، أن فريق الكورال الذي شارك في الحفل هو فريق كورال كنيسته ويشتهر بعدد أعضائه الكبير، وتم اختيارهم لتأثيرهم وقوة صوتهم . اما بالنسبة إحياء ذكرى دخول العائلة المقدسة لأرض مصر فهي تعني الكثير بالنسبة لكنايس الزيتون خصيصاً أن السيد المسيح والعائلة المقدسة جاءوا إلى مصر وتجولوا في مناطق محيطة كثيراً وقد تكون مرت على منطقة الزيتون بما أنها تواجدت بالمطرية.
* وإنتهى العرض والحضور في حالة من الانبهار ويشعرون بعظمة مصر وقدسية أرضها بذكرى قدوم العائلة المقدسة إليها وتجسيدها في عمل أوبرالى جعل الجميع يعيشوا الاحداث .