(سفر هوشع 6: 6) «إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ” تأتي هذه الاية في الكتاب المقدس مرتين، فذكرت في سفر هوشع بالعهد القديم، وقالها السيد المسيح في (مت 6:12 )، وهنا نتأمل في هذه الاية.
يفسر القمص أنطونيوس فكري هذه الاية قائلا”: أن الله لا يريد ذبائحهم التي يقدمونها بطريقة مظهرية شكلية وقلوبهم مملوءة شراً، ولكن الله يريد رحمة أي قلباً مملوءاً حباً ثابتاً، الله يريد الأعمال الناشئة عن توبة وتغيير حقيقي في القلب، وهذه تتضح في تعاملهم برحمة بعضهم مع بعض.
وهذه ليست في طاقة البشر، ولكن الله هو العامل فينا ليهبنا هذا الحب وخلال هذا الحب الذي يعطيه لنا الله نتعرف على الله = ومعرفة الله. لكن علينا أن لا نقاوم عمل روح الله فينا
أنظروا ما يريده الرب يسوع.. إنه يريد قلبك.. إنه يريد قلبك طاهراً ليس فيه فكر العظمة والكبرياء والنقد والإدانة. كما قال معلمنا بولس الرسول «اقبلونا. لم نظلم أحد. لمن فسد أحد. لم نطمع في أحد. لا أقول هذا لأجل دينونة لأني قد قلت سابقا أنكم في قلوبنا لنمت معكم ونعيش معكم .»
هكذا فعل الله معنا. ألا تعلم يا عزيزي أن نزول الله إلينا هو عمل رحمة. ف إن الله منذ سقط آدم في جنة عدن وعده الله بعمل رحمة أنه سوف يعيده إلى المكان الأصلي الذي خلق لأجله وهو أن يعيش مع الله، لأن هذا هو الهدف من خلقة الإنسان أن يعيش ويحيا .
“المحبّة هي برنامج حياة كلّ مسيحيّ”
وتوضح الكنيسة الكاثوليكية أن يستشهد يسوع بهذه الآية من النبي هوشع، مظهراً أنّها تروق له، وأنّه يتصرّف على أساسها. فهي تعبر عن أولويّة المحبّة وتفوّقها على كلّ وصيّة أو مفهوم آخر. هذا هو جوهر الدين المسيحي! جاء يسوع ليقول لنا أنّ ما يريده الله منّا، رجالاً ونساء، هو محبّة القريب قبل كلّ شيء. إنّها إرادة الله كما سبق ووردت في الكتب المقدّسة، وما قول هوشع إلاّ تأكيد على ذلك.
فالمحبّة هي برنامج حياة كلّ مسيحيّ، والشريعة الأساسيّة لسلوكه، ومقياس تصرفاته. فمحبّة القريب هي القاعدة الصلبة التي يبني عليها المؤمن حياته ويطبّق الشرائع الباقية
يريد الربّ يسوع محبّةً، وما الرحمة سوى تعبير عنها. يطلب من المؤمن أن يعيشها قبل كلّ شيء لأنّ الله محبّة. بالنسبة إليه إنّ الله رحمة قبل كلّ شيء، هو الآب الذي يحبّ جميع أبنائه وهو الذي “يشرق بشمسه على الأشرار والأخيار ويسكب غيثه على الأبرار والفجّار”.
ولأنّ يسوع يحبّ الجميع فهو لا يخاف من المكوث مع الخطأة. وبهذا يكشف لنا عن جوهر الله. وإن كان الله هكذا، إن كان يسوع هكذا، علينا نحن أيضاً أن نقتدي بهما فتكون لنا المشاعر ذاتها.
هذا يعني أنّ العبادة التي ترضي الله أكثر هي محبّة القريب التي يجب أن تكون “أساساً” لعبادة الله أيضاً. لو أردت أن تقدّم هدية لأبيك وكنتَ في خصام مع أخيك، أو كان أخوك في خصام معك، ماذا سيقول لك أبوك؟: “صالح أخاك ثمّ عُد وقدّم لي ما تشاء”.
ولكن هن أكثر من ذلك. ليس الحبّ أساس كلّ حياة مسيحيّة مؤمنة وحسب، بل هو الطريق الأسرع للدخول بشركة مع الله. هذا ما يقوله لنا القدّيسون شهود الإنجيل الذين سبقونا، هذا هو اختبار حياة مَن يعيش إيمانه المسيحيّ حقاً. مَن يمدّ يد المساعدة للإخوة، بخاصّة للمعوزين بينهم، يختبر أنّ محبّته لله تزيد ويقوى اتّحاده به ويكتشف رباطاً بينه وبين الربّ؛ وهذا أكثر ما يزرع فرحاً في حياته.
” الله يريد القلب”
ويوضح دكتور نجيب سليمان في الله يضع الرحمة قبل الذبيحة، لأنه في الأساس يريد الرحمة (القلب) لا الذبيحة (التقدمة)، أو أن تكونالذبيحة تعبيراً عن الرحمة والحب والتقوى، وبالتالي فهو يرفض الذبيحة بدون الرحمة.
الذبيحة كانت تُقدَّم ككفَّارة عن الخطية لطلب الغفران. ولكن كان يلزم معها وقبلها وأهم منها الرحمة والمشاعر القلبية (التوبة والندم والتأسُّف). الرحمة تحتويالمحبة: محبة الله وتوقيره، ومحبة القريب (كل البشر، حتى الأعداء)، والإحسان للمسكين واليتيم والغريب والضيف، والشفقة على المنحرفين وعدم إدانتهم وتقديم العون لهم لإنقاذهم، والإيمان أي أن الله يصير الكل في الكل، الأول والآخِر، غاية كل عمل وخدمة ووسيلتهما، فبدونه لن نقدر أن نفعل شيئاً (يو 15: 5).
2 – العلاقة بين الرحمة والذبيحة، كالعلاقة بين الإيمان والأعمال في أحد جوانبها. فإذا كانت الذبيحةرمزاً للأعمال (المفترض أن تنبع من إيمانٍ حيٍّ مُثمر)، تكون الرحمة رمزاً لهذا الإيمان الذي يطلبه الله قبلالأعمال. فالإيمان هو الأساس، والأعمال بغير إيمان لا شيء. فكأن الله وهو يقول: «إني أُريد رحمة لا ذبيحة»، يعني: إني أُريد إيماناً عاملاً لا أعمالاً بغير إيمان، أو أُريد أعمالاً تبرهن على إيمان حي، أو ذبيحة صلاة أو شُكر، أو فعلاً للخير، أو توبة تكشف عن محبة الله وانسكاب أمامه وندم عن الشر ومحبة للقريب كالنفس.
الله يقرع أبواب قلوبنا قائلاً: «إني أُريد رحمة لا ذبيحة»، رافضاً الممارسات الشكلية وعبادة الشفاه والحَرْف وذبائح الرياء الكاذبة التي تهين قداسته وتستخف بمعرفته كفاحص القلوب والكُلَى، وطالباً أن تكون نفوسنا وأجسادنا ”هياكل للروح“، و”كهنوتاً مقدَّساً لتقديم ذبائح روحية“، شكراً وتسبيحاً وتوبة وعطايا وأعمال رحمة، نابعة من إيمان حي وحُب صادق لله والقريب، فهذه وحدها يشتمَّها الله: «نسيم رائحة طيِّبة، مقبولة مرضية» (في 4: 18