* صعد المسيح ولم يفارقنا أنا معكم كل الأيام
* صعد لكي نستخدم إيماننا أكثر من حواسنا
* صعوده عربون الجسد الممجد المرتفع فوق الجاذبية الأرضية
* الموت هو الطريق للجسد الممجد
* انتهي بصعوده إخلاؤه لذاته
* ما معني الجلوس عن يمين الآب؟
* كما صعد كذلك سيأتي
* فوائد إحساسنا بمجد الله يقودنا للخشية والحرص والانسحاق
* اتضاع الميلاد والصلب.. تكملة أمجاد التجلي والقيامة والصعود
* الصعود عملية فطام للتلاميذ ارتفاعنا مع المسيح
تحتفل الكنيسة بعيد الصعود يوم الخميس المقبل, ونود أن نتأمل معا ما في هذا العيد من معان روحية, حتي نحتفل به في عمق, وفي فهم لما يحويه من إيحاءات.
قضي المسيح مع تلاميذه أربعين يوما بعد القيامة, وفي يوم الأربعين ودعهم ووعدهم بأنهم سيناولون قوة متي حل الروح القدس عليهم (أع1:8).
ولما قال هذا, ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم, وفيما كانوا يشخصون إلي السماء وهو منطلق- وقم بهم ملاكان وقالا لهم: ما بالكم واقفين تنظرون إلي السماء.. إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلي السماء, سيأتي هكذا كما رأيتموه.. (أع1:9-11).
فما الذي نتعلمه من هذا الصعود:
1- لم يفارقنا المسيح في صعوده.
كان السيد المسيح مع التلاميذ بالجسد.. ثم صعد عنهم, ولكنه لم يفارقهم.. بل إنه قال لهم: ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (متي28:20).
بل قال لهم أيضا: حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي, فهناك أكون في وسطهم (18:20). إذن هو معهم لم يفارقهم, وسفر الرؤيا يقدم لنا صورة مؤثرة للسيد المسيح وهو في وسط الكنائس السبع, وفي يمينه سبعة كواكب هم رعاة الكنائس (رؤ2:1).
إنما المسيح مع الكنيسة بمستوي أعلي من مستوي الحواس, وأعلي من مستوي المرئيات.. لا نراه بالجسد, ولكن نؤمن بوجوده معنا بالإيمان, والإيمان هو إيقان بأمور لا تري. (عب11:1).
في صعود المسيح اختفي عن أنظار التلاميذ.. ولكنه لم يختف من أرواحهم, إنه اختفاء وليس مفارقة.. إنها عملية فطام للحواس, لكي تتغذي الروح بالإيمان, ولا تبقي تحت سيطرة الحواس.
قبل أن ينضج التلاميذ روحيا.. كان يسمح لهم أن يروا ويلمسوا, ويعيشوا معتمدين علي حواس الجسد.. أما بعد نضوجهم, وبعد حلول الروح عليهم, فليبصروا إذن بالإيمان.
وكأنه يقول: لستم في حاجة الآن إلي أن تروني بالجسد.. أنتم الآن في مرحلة نضوج, ترونني بالروح, وفعلا في هذا النضوج لم يشعر التلاميذ مطلقا أن المسيح قد فارقهم, فليكن إذن هذا الفكر في قلوبنا.
معني آخر نتأمله في عيد الصعود, وهو:
2- جسد الصعود الممجد.
صعد السيد المسيح إلي السماء بجسد ممجد, ارتفع منطلقا إلي فوق لا يخضع مطلقا لقوانين الجاذبية الأرضية.
إنه جسد ليست فيه ثقل المادة التي تجذب إلي أسفل. بل له طبيعة أخري ممجدة يمكن أن تصعد إلي فوق.
حقا إن السيد المسيح قد قام بجسد ممجد, ارتفع منطلقا إلي فوق لا يخضع مطلقا لقوانين الجاذبية الأرضية.
إنه جسد ليست فيه ثقل المادة التي تجذب إلي أسفل.. بل له طبيعة أخري ممجدة يمكن أن تصعد إلي فوق.
حقا إن السيد المسيح قام بجسد ممجد, أمكنه أن يخرج من القبر وهو مغلق, وأمكنه أن يدخل العلية علي التلاميذ وأبوابها مغلقة (يو20:19-26), ولكن التلاميذ لم يتيقنوا من مجد جسده هذا, لأنهم ظنوه خيالا, ثم لأنهم جسوه, ولأنه تنازل فأكل معهم (لو24:37-43).
أما في الصعود, فدخلوا في عمق الإيمان بذا الجسد الممجد, الذي جذب أنظارهم إلي فوق, حتي قال لهم الملاكان: ما بالكم واقفين تنظرون إلي السماء (أع1:11).
والرسول يفرحنا ببشارته لنا, إننا سننال شبه هذا المجد الذي للمسيح إذ سنقوم من الأموات في صورة جسد ممجد (في3:21).
ويشرح هذا الأمر بالتفصيل في أصحاح القيامة (1كو15) كيف أن جسدنا المائت سيبلبس عدم موت, والفاسد سيلبس عدم فساد. وسنخلع الجسد الترابي الحيواني, لنلبس جسدا روحانيا نورانيا سماويا.. (1كو15:43-50).
وفي صورة الصعود, أخذنا عربونا للجسد الممجد المرتفع إلي السماء.
ومازال هذا هو أملنا, في أن يعتقنا الله من المادة وتأثيرها, ولا يكون جسدنا ماديا إلي الأبد, إنما سنلبس الجسد الروحاني, بافتداء أجسادنا (رو8:23). ولكن ما هو الطريق الموصل إلي الممجد الذي ستناله أجسادنا.
الطريق الموصل إلي مجد أجسادنا, هو الموت أولا, ثم القيامة.. ولهذا لا نخاف الموت. بالموت نتخلص من مادية الجسد, وبالقيامة نلبس روحانية الجسد الممجد.
إن بقينا في هذا الجسد, سنبقي في المادة, ولكن إن خلعنا هذه المادة بالموت, نؤهل إلي روحانية الجسد في الأبدية. من منا إذن يشتهي أن يبقي في التراب, دون أن يتغير إلي الممجد؟!
معني آخر نفهمه من الصعود
3- انتهاء عبارة -أخلي ذاته
في الصعود المجيد, انتهت عبارة أخلي ذاته التي قيلت عن السيد المسيح (في2:7) إنه الآن في مجد..
كل ما تعرض له جسد بشريته من إهانات وآلام وضعفات, قد زالت مدته إذ قد صعد المسيح علي السحاب, وجلس عن يمين أبيه (أع7:55), وهكذا رآه الشهيد إسطفانوس, أو كما قال عنه بولس الرسول: جلس في يمين العظمة في الأعالي (عب1:3).
فما معني صعوده إلي السماء؟
وما معني جلوسه عن يمين الله أو عن يمين أبيه؟
الله لا يصعد ولا ينزل, لأنه موجود في كل مكان. ولكن الصعود هنا خاص بالناسوت كما يقال في القداس الغريغوري وعند صعودك إلي السموات جسديا.
والله ليس له يمين ولا شمال, لأنه غير محدود, ولكن اليمين هنا يرمز إلي القوة, ويرمز إلي البر..
فعبارة جلس عن يمين أبيه, أي أنه جلس في عظمة أبيه, في عرش أبيه, فلا يظهر بعد في ضعف, كما جاء في مجيئه الأول, يمكن أن يهينوه ويصلبوه إنما حينما يأتي ثانية, سيأتي في مجد عظيم, وحول ملائكته (متي25:31), وسيأتي في ربوات قديسيه (يه14).
وقبل مجيئه الثاني رآه شاول الطرسوسي في مجد (أع9:3). وكذلك رآه يوحنا ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها (رؤ1:16).
وعبارة جلس تعني الاستقرار والاستمرار, فهو في مجده إلي الأبد.
إنه لا يأتي في مجيئه الثاني ليحمل خطايا العالم كله (يو1:29), ويجعل خطية لأجلنا (2كو5:21), كما حدث في مجيئه الأول, إنما يأتي برا مطلقا, يقود جيش الأبرار أو جيش الغالبين..
وكما صعد علي سحاب السماء, سيأتي أيضا علي سحاب السماء. والسحاب منذ العهد القديم يرمز إلي مجد الله وإلي الحلول الإلهي.
وهذا واضح في رحلات خيمة الاجتماع وفي استقرارها. وواضح في تدشين هيكل سليمان (عدد9:20-22), (خر40:34), (امل8:10, 11), وكان هذا هو أيضا ما يحدث في مجد الله علي تابوت العهد.
ومجد المسيح في صعوده وفي مجيئه له معني روحي..
4- فوائد لإحساسنا بمجد الله
إيماننا بمجد الله, يغرس في نفوسنا مخافة الله وخشيته وهيبته.
وهذه المخافة هي بدء الحكمة, وبدء الطريق الروحي. لأن الذين لا توجد فيهم مخافة الله, قد يقودهم هذا إلي الاستهتار واللامبالاة, فيخطئون دون حياء..
إن اليهود استغلوا محبة الله وطول أناته استغلالا