أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والوحدة الوطنية
نشر في 1985/9/8
كم يشق علي النفس أن تنعي أخا وزميلا وصديقا صاحب رسالة المحبة فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري. وما أعظم فجيعة مصر بأسرها وهي تودع ابنا من أبر أبنائها. كان صدي لسماحة مصر علي طول تاريخها. كان صوتا مصريا خالصا يستمد قوته من أرض هذا الوطن لا من خارج حدوده.
كان الباقوري عالما مستنيرا, وهو إذا كان قد رحل عنا بالجسد فإن فكره باق علي الزمن, ونحن نفتقد في وقتنا الراهن إلي أمثلة للباقوري يكون لها شجاعته وخلاص فؤاده إلي تراب هذا الوطن وقدرته النبيلة علي أن يختار في الوقت الصعب الموقف الصحيح.
إنه رجل إصلاح وعالم مجدد ومجتهد, إلي جانب أنه كان خطيبا عجيبا في أي مكان وأي زمان. يملك علي السامعين مشاعرهم بصوته ونبراته وتعبيراته وانفعالاته, فهو يجمع بين رجل السياسة والاجتماع وقد اشتعلت الثورة في صدره منذ صباه بقيادة سعد زغلول, فكان رمزا مضيئا للأخوة الوطنية والمحبة التي تجمع أبناء مصر كلهم في نسيج واحد لا تنال منه عوادي الزمن وهدير العواصف. يهب مشتعلا جسورا شجاعا يدافع عن الوطنية والوحدة والإخاء إذا لاحت في الأفق بوادر عاصفة, أو نذير فرقة تهدد الوطن في أعظم مقدساته وأخلد منجزاته وهي الوحدة الوطنية.
كان الراحل العزيز حريصا دائما, مهما كانت شواغله وظروفه الصحية, أن يلبي دعوة جمعية الشبان المسيحية وهي تحتفل بشهر رمضان في حفلات إفطار يتحلق حوله خلالها المواطنون جميعا من محبيه وعارفي فضله وغزير علمه وسعة أفقه, ورحابة قلبه, وعظيم دروسه وآيات بلاغته, فالخسارة فيه فادحة وقد وجه إليه عالم الروح الدعوة فلبي.
علي مدي خمسين عاما كان باذخ العطاء, وكان يقول دائما: إن الدين في فطرة الإنسان نعمة, وأن الدين علي لسان الأنبياء واحد, وإن العصبية الدينية آفة المجتمع الإنساني, ونحن لا نملك إلا طلب العزاء لمصر كلها في رجل كان بحق علما في تاريخ مصر المعاصر, علما في الوطنية والفكر والعلم والبذل وإنكار الذات.
وإلي روح الأخ فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري أقول: لقد غبت عنا بالجسد, ولكن صفحات جهادك العديدة ستظل تعيش في وجدان مصر وعقلها.. كما ستبقي أفكارك ورؤياك ونبالة مقاصدك نبراسا للهداية وينبوعا لا يغيض الخلق والحق والمواطنة الحقة.