(1)
من بين المشكلات التي نواجهها في عدد من مؤسساتنا, الرسمية والمدنية الأهلية علي السواء, ضعف ثقافة العمل الجماعي والنشاط المشترك, ما يؤدي أحيانا إلي حدوث خلافات بين أعضاء فريق العمل الواحد, وغياب روح التعاون بينهم, وتفاقم المشكلات أمام إنجاز أهداف العمل خلال فترة زمنية محددة.
(2)
للظاهرة أسبابها, من حيث تفضيل الكثيرين للعمل الفردي ورفض العمل الجماعي, ومن تلك الأسباب غياب التدريب علي الأعمال الجماعية والتكليفات المشتركة منذ الصغر, في مقابل التركيز علي المهام الفردية والإنجازات الخاصة وتكريم النجاحات الشخصية, فضلا عن تخوف البعض من الفشل, وعدم الرغبة في خوض تجربة عمل مشترك, إلي جانب أنانية البعض والرغبة في فرض الزعامة وحب السيطرة, أو عزلة البعض والتقوقع حول الذات.
(3)
لقد نجح الراحل د.أحمد زويل, وكذلك د.مجدي يعقوب, ود.محمد غنيم, وغيرهم في إنجاز مشروعات عظيمة وعملاقة. ومن بين الأسباب التي ذكروها في أكثر من مناسبة تحدثوا فيها القدرة علي العمل الجماعي والتعاون المشترك بين فريق العمل, ووضوح الرؤية والرسالة والأهداف, والإيمان بالتكامل بين أعضاء الفريق, واتفاقهم علي التفكير في الحل لأية عقبات أو مشكلات, وهي أمور نحتاجها اليوم في مختلف مؤسساتنا.
(4)
يبدأ الأمر مع تكوين فريق عمل, يعمل في إطار من التفاهم والتناغم والتعاون المثمر, عبر العمل المشترك والتنسيق المستمر فيما بينهم, فريق عمل يؤمن بضرورة اكتشاف مواهب كل فرد/ عضو في فريق العمل, والاستفادة من إمكانياته, ويتخذ من العطاء وتشجيع الآخرين في الفريق سلوكا ومنهجا في التعامل, من أجل نجاح العمل الذي يعبر عن الجميع.
فريق مبدع في إنتاج الأفكار الجديدة, وتطوير الأفكار القديمة, وطرق تنفيذها ووسائل تطبيقها, يرصد المشكلات والمعوقات والصعوبات والتحديات, ويفكر دائما في البدائل والحلول قبل أن يبدأ بالشكوي ولوم الآخرين, قادر علي تحديد الأهداف وخطوات الإنجاز وربطها بتوقيتات زمنية محددة بدقة, ما يتطلب إدارة الوقت بشكل جيد, يتمتع بصفة المرونة القوية التي لا تتساهل ولا تتكاسل في تحقيق الأهداف والاتفاقات, ولكنها في نفس الوقت تتفهم المعوقات والظروف والطوارئ والمستجدات, يؤمن بالمنافسة الشريفة لا بالصراع مع أعضاء الفريق الذي ينتمي إليه أو الفرق الأخري, ما يعني إمكانية التعاون مع الزملاء الآخرين, بل ومساعدتهم إن أمكن.
(5)
يتطلب الأمر اختيار قائد أو منسق للمجموعة, يهتم بتحقيق التواصل الفعال بين أعضاء فريق العمل, التواصل بينهم وبين القائمين بالإشراف علي المشروع, دعوة فريق العمل للاجتماع وتحرير محضر الاجتماع أو تكليف أحد الزملاء/ الأعضاء بكتابته, متابعة تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه أولا بأول.
أيضا البحث عن وسائل الاتصال السهل والسريع والفعال بين أعضاء الفريق, واجتماع فريق العمل بشكل دوري, متقارب ومنتظم ما يساعد علي التواصل وخلق روح الود والألفة بينهم, بالإضافة إلي توزيع المهام والمسئوليات بين أعضاء فريق العمل, والاهتمام بالمتابعة, والتقييم المرحلي لكل مرحلة من مراحل العمل, ثم التقييم النهائي مع نهاية العمل, مع الاهتمام في كل مرحلة باستعراض المعوقات والمشكلات للبحث عن الحلول المناسبة, والتقويم بهدف التطوير والتحسين وتدارك الأخطاء.
(6)
أذكر أن في ثقافتنا الشعبية ما يدعو إلي العمل الجماعي والنشاط المشترك مثل قولنا الاتحاد قوة والتفرق ضعف, و إيد لوحدها متسأفش, و القفة أم ودنين يشيلوها اتنين, بينما في المقابل هناك أمثال أخري تعوق العمل الجماعي مثل الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح, أنا ومن بعدي الطوفان, صباح الخير يا جاري أنت في حالك وأنا في حالي, ابعد حبة تزيد المحبة, ما يعني أن منظومة القيم, وبالأخص تلك المعتمدة علي أمثال عامية وحكم شعبية, تحتاج إلي مراجعة بما يتناسب وتطور المجتمع الإنساني ويحقق الخير العام وصالح الجميع, عبر إخضاع أمثالنا الشعبية إلي فحص وتدقيق وعملية غربلة و فلترة هدفها تدعيم الحكم والأمثال والمقولات التي تدعم القيم الإنسانية, الإيجابية والمطلوبة, ومنها العمل الجماعي والنشاط المشترك, أما الحكم والأمثال التي تنقل معاني سلبية فمن الواجب إهمالها, ومن المنطقي إغفالها, حتي يتناساها الناس وتسقط مع الوقت من ذاكرتنا الجمعية, فلا يرددها الكبار ولا يتربي عليها النشء والأطفال.
(7)
وختاما يمثل العمل الجماعي ثقافة وأسلوب حياة, وهي ثقافة تتطلب التنشئة والدعم والترسيخ من خلال حوارات الأسرة وتعاليمها, وألعاب النادي وأنشطة المراكز الشبابية, والأنشطة المدرسية, وممارسات المؤسسات الدينية, وقصور الثقافة وغيرها من المؤسسات الثقافية, ومنظمات المجتمع المدني, حتي ينشأ المواطنون علي حب العمل الجماعي والإندماج مع الاخرين والتكامل معهم, فلكل شخص ميزات نسبية ونقاط تميز, من المهم توظيفها في تحقيق الأهداف وإنجاز المشروعات, من أجل تحقيق الصالح العام, بل والصالح الخاص في الوقت ذاته, لأنهما يتكاملان ولا يتعارضان.