تحتفل مصر بأقباطها ومسلميها في الرابع والعشرين من شهر بشنس الموافق الأول من يونية بذكار دخول السيد المسيح إلي أرض مصر المباركة وهو طفل عمره سنتان كما ذكر الكتاب المقدس في إنجيل متي (مت 13/2) أن ملاك الرب ظهر ليوسف النجار في حلم قائلا قم خذ الصبي وأمه وأهرب إلي أرض مصر وكن هناك حتي أقول لك لأن هيردوس مزمع أن يطلب نفس الصبي ليهلكه وكان ذلك لعدة أسباب أهمها:
ـ إذا وقع الصبي في يد هيردوس ولم يقدر أن يقتله فيظن أنه خيال.
ـ ليبارك أرض وشعب مصر بوجوده بينهم قرابة الأربعة أعوام, كقول النبي هوشع من مصر دعوت ابني.
ـ لتتم نبوءة وإشعياء أوتان النبي 1/19 هذا راكب لي سحابة سريعة وات إلي مصر فترتجف أوقات مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها.
ويذكر التاريخ أن العائلة المقدسة الصغيرة المكونة من المسيح الطفل وأمه العذراء مريم ويوسف النجار وسالومي القابضة مرت علي منطقة تل بسطا بالزقازيق حيث شربوا من عين ماء فصار ماؤها شافيا لكل مرض, ثم توجهوا إلي سمنود وعبروا النيل إلي منطقة الغربية, ويذكر المؤرخون أن السيد المسيح وضع قدمه علي حجر فطبع عليه صورة القدم بوضوح وصار اسم هذا المكان كعب يسوع. واتجهت العائلة غربا تجاه وادي النطرون حيث باركته العذراء وصار يضم العديد من الأديرة القبطية البراموس, السريان, الأنبا بيشوي, أبو مقار.
ووصلت العائلة إلي الأشمونين وأقاموا أياما قليلة هناك ثم اتجهوا إلي جبل قيام حيث شيد هناك دير المحرق.
وبعد موت الملك هيردوس عاود الملاك الظهور ليوسف النجار في حلم قائلا مت 20/2 قم خذ الصبي واذهب إلي أرض اسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي وبدأت رحلة العودة حيث نزلت العائلة المقدسة في مغارة بمصر القديمة وهي كنيسة أبي سرجة, ووصلوا إلي المطرية واغتسلوا من عين ماء فصارت مباركة ومقدسة ونمت بجوارها شجرة البلسم المباركة التي يصنع منها الميرون المقدس لتكريس الأواني والكنائس والأديرة, وسارت العائلة إلي منطقة المحكمة مسطرد عائدة إلي أرض اسرائيل وكانت الأصنام تتحطم عند دخول العائلة لمختلف الأماكن في أرض مصر.
وهنا يظهر التساؤل, لماذا اختار الله أرض مصر تحديدا دون دول العالم في القارات الثلاث ليأتي إليها المسيح؟ ولماذا لم تستقر العائلة في مكان واحد لتحتمي فيه أرض مصر؟ وتأتي الإجابة كالآتي:
ـ اختار الرب أرض مصر لتكون الملجأ الحصين الذي شاءت عناية السماء أن يكون واحة السلام وأرض الأمان علي الدوام وملتقي الأديان السماوية الثلاثة.
ـ انتقلت العائلة إلي كل مكان في ربوع أرض مصر شمالها وجنوبها وشرقها وغربها لتبارك كل أرض وشعب مصر. ومن هنا احتضنت مصر كل الأنبياء علي الدوام وصارت نموذجا عمليا حيا لوحدة الأديان علي مر الزمان.
ـ امتاز شعب مصر علي مر العصور في مختلف مراحل التاريخ بالمحبة والبساطة والود والكرم وكل المشاعر الإنسانية والقيم النبيلة التي تميزها عن كل شعوب العالم حتي الآن وعلي الدوام.
وأثمرت زيارة المسيح إلي مصر:
ـ كنيسة قوية حفظت الإيمان المسيحي في العالم كله.
ـ كنيسة الإسكندرية التي علمت العالم المسيحي كله علوم اللاهوت والفلسفة القبطية من خلال علمائها الافذاذ.
ـ قدمت كنيسة الإسكندرية للعالم قانون الإيمان من خلال الشاب المصري أثناسيوس الرسولي كان حاميا للإيمان أمام بدعة أريوس والمرطبات المختلفة.
ـ قدمت مصر للعالم الرهبنة القبطية من خلال الأنبا أنطونيوس مؤسس الرهبنة في العالم وأب جميع الرهبان والأنبا باخوميوس أب الشركة وواضع قوانين الرهبنة.
قدمت مصر آلاف الشهداء علي مر العصور الذين حفظوا الإيمان حتي اليوم.
لماذا نعيد بدخول العائلة المقدسة أرض مصر؟
ـ لأن مجيء العئلة إلي مصر صار بركة كبري إلي الأبد.
ـ كانت تحقيقا للنبوءات ببناء مذبح للرب في وسط أرض مصر (إش 19/19) وهو منطقة دير المحرق أقدم كنائس مصر والعالم كله.
ـ من أجل تقديم الشكر والحمد للرب علي نعمه وبركاته لأرض مصر مبارك شعبي مصر.
ـ ليكون درسا عمليا لنا للهروب من الشر والأشرار المتمثل في هيردوس إلي الخير والسلام كما في مصر علي الدوام.
إن رسالة مصر إلي العالم كله اليوم أنها منذ بداية التاريخ موطن الأديان وعبق الماضي وأمان الحاضر وروعة المستقبل ومنبع الوحدة الوطنية علي مدي الأجيال.
د. لويز لبيب شحاتة
وكيل وزارة السياحة السابق
المدرس بالإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية
[email protected]