ينصح القديس بولس معاونيه قائلا لهم:افرحوا دائما في الرب,وأقول لكم أيضا:افرحوا(فيلبي4:4),مما لاشك فيه أن جميعنا يتطلع إلي السعادة متمنيا ألا يفقدها طوال حياته,لكن للأسف يعتقد الكثير من الناس أنه من الممكن الحصول عليها عن طريق الغني والمجد والشهرة والملذات,ولكن الواقع يبين لنا أنها تأتينا عندما نتحلي بضمير راض ونؤدي واجبنا علي أكمل وجه,وهذا كله يساعدنا علي هدوء البال وراحة القلب والطمأنينة,وفوق كل هذا عندما يلتهب قلبنا بحب الله والقريب.يحكي أن أحد الأثرياء من أصحاب المصانع والشركات رأي صيادا بسيطا مستلقيا بجوار المركب الخاص به,وكان يدخن السيجار الكوبي,فسأله:لماذا لاتستمر داخل البحر للصيد؟فأجاب الصياد:لأنني حصلت علي القدر الكافي من السمك الذي يطعم أسرتي.
فسأله مرة ثانية:لماذا لاتطمح في الحصول علي كمية أوفر من التي تحتاج إليها كل يوم؟ فرد عليه:وماذا أفعل بها؟فنصحه الثري:تستطيع أن تربح مالا أكثر,ثم تضع موتورا للمركب لتستطيع به الدخول إلي مسافات أعمق في البحر وتحصل علي كمية كبيرة من السمك,ثم تبيعها لتوفر لك أموالا كثيرة,وبعد ذلك تشتري أجود الشباك لتصطاد.
بها مائة ضعف الذي تحصل عليه كل يوم وتزداد ثروتك,وبعد ذلك تمتلك أسطولا من المراكب,وبناء علي ذلك تصبح ثريا مثلي,فقاطعه الصياد قائلا:وماذا أفعل بعد كل هذا؟أجاب :تستطيع أن تستريح وتتمتع بالحياة لتعيش في سعادة وهناءفاضطر الصياد السعيد أن يسأله:كيف تراني الآن وماذا كنت أفعل في هذه اللخطة؟إذا…يا له من شخص حكيم ذاك الذي يستطيع الحفاظ علي لحظات السعادة التي بين يديه ويفضلها عن امتلاك كنوز الدنيا.
كم من أشخاص يفتشون عن السعادة ولكنها بين أيديهم وفي داخلهم؟كم من هؤلاء الذين ينفقون أموالا طائلة للحصول عليها,في حين أنها لاتكلف شيئا؟إذا أين توجد السعادة وكيف يمكننا الحصول عليها؟نستشف ذلك من كلمات نابغة البشرية الفيلسوف أوغسطينوس عندما يخاطب الله هكذا:خلقت قلبنا لك يا الله,ولن يذوق طعم السعادة حتي يجدك ويستقر فيك.إذا لن نجد سعادتنا الحقيقية إلا في الله وحده.
كما أننا نستطيع أن نحصل عليها عندما نبذرها في قلوب الآخرين.ولكن إذا بحثنا عنها بعيدا عن الله,فنكون كمن يحاول أن يمسك ظله,…يا ليتنا كالطفل البريء النقي الذي يعيش حياة سعيدة كل يوم وبأبسط الأشياء,حتي أنه يقدر أن يصبح أسعد شخص في العالم بقصاصات من الورق الذي يعمل منه مراكب وطيارات ليلهو بها,أو بعصاه يركب عليها كأنها حصان يجري به,في حين أن الإنسان البالغ كامل الرشد,يسعي للحصول علي كل شيء ليمتلكه,ولكنه يفقد السعادة الحقيقة التي لاتستطيع كل مغريات العالم أن توفرها له.
كم من أناس يسكنون القصور ومع ذلك نجدهم تعساء؟كم من الأشخاص يمتلكون المال الذي يضمن لهم حياة رغدة هم وأحفادهم لمئات السنين,ومع ذلك يعيشون في كأبة وحزن ينغضا حياتهم؟لذلك يعلمنا السيد المسيح:السعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ(أعمال الرسل20:35).
إذا نجد السعادة في المحيط العائلي الذي نعيش فيه عندما يقوم كل شخص منا بواجبه تجاه الآخرين ويعطي بلا مقابل,ومن هنا نستطيع أن نشعها في المجتمع الذي نعمل فيه,نحن بشر وقدراتنا محدودة ونفسنا قصير أمام صعوبات الحياة ومشاكلها سواء داخل الأسرة أو خارجها,حتي أننا نجد أنفسنا في وسط بحر هائج تصارعنا فيه أمواجه,ومن الممكن أن نفقد سلامنا الداخلي وسعادتنا.
لكن إذا ألقينا علي الله همومنا وشمرنا عن سواعدنا للتعامل مع كل هذا,ستتغير الأمور وتصير للأفضل.وبناء علي ذلك نستطيع أن نغير الظروف عندما نتحلي بالسعادة,ويسعي كل شخص منا علي اكتشافها داخل ذاته,لا أن يبحث عنها في مكان آخر,ويجب أن نعلم جيدا بأن السعادة لا تأتي من الأشياء التي نمتلكها,ولكنها تنبع من داخلنا سواء كنا في قصر الملوك أو في سجن مظلم,كما أن السعادة هي أن نعيش قنوعين حتي بالقليل الذي بين أيدينا.ونختم بكلمات المهاتما غاندي:تتوقف السعادة علي ما تستطيع إعطاءه,لا الحصول عليه.