دائما ما يجرى الخلط بين الدين كمعتقد ونصوص مقدسة،والتدين كفعل وممارسة بشرية تخضع لشروط ذاتية واجتماعية وتاريخية.
وربما يصعب أن نسميه خلطا بالمعنى البسيط للكلمة، لأن العلاقة بين الدين والتدين علاقة تلازم، فلا يمكن للدين أن يتجلى اجتماعيا، ولا يمكن للتدين أن يأخذ مشروعيته بدون الدين كمرجعية مقدسة.
وبالتالى فعندما نستخدم كلمة “الخلط” فهذا بهدف الإشارة إلى تعمد توظيف هذا التداخل بين الدين والتدينلفرض سلطة باسم الدين، أى عندما يسعى من يتحدث باسمالدين إلى التماهى مع النص الدينى فيضفى على كلامه قدسية، وكأن كلامه هو النص المقدس، وهكذا تتحصن الممارسات الدينية بقدسية النصوص وتخفى حقيقة أن الممارسات الدينية، هى أفعال بشرية تخضع لمؤثرات متعددة، بداية من طبيعة تأويل النص المقدس وصولا إلى مصلحة الشخص “المتدين” سواء كان متحدثا باسم الدين أو شخصا عاديا يبنى رأسماله الاجتماعى من خلال مظاهر التدين.
وإذا سلمنا بأن التدين هو تجليات الدين في الممارسة، ففي هذه الحالة فإن التدين، كفعل اجتماعي، لا يتمتع بالقدسية التييتمتع بها الدين كنص مقدس، لذا كانت أشكال التدين موضوعا للكثير من التقييم والنقد، وفق معيار أساسي وهو مدى الاقتراب أو الابتعاد عن تعاليم وأوامر النص المقدس ونواهيه.
وتتنوع أشكال التدين تنوعا هائلا بحيث يصعب قياس مدى مصداقية تدين الفرد أو الجماعة، وغالبا ما نقيس التدين بمعايير شكلية مثل الاهتمام بالطقوس الدينية أو التردد على دور العبادة، أو الاهتمام برموز دينية على مستوى الهيئة والمظهر، فضلا عن الإكثار من استخدام العبارات الدينية والنصوص المقدسة.
وعلى الرغم من أن هذه المعايير لا توفر أساس لحكم موضوعى على مدى اقتراب الشخص من الله، إلا أنها تُستخدم للحكم على درجة تدينه، وهنا يمكن وصف الشخص بأنه ملتزم بالطقوس، أكثر من كونه مؤمنا بالله.
ويضعنا هذا أمام نوع آخر من الخلط، وهو الخلط بين التدين والإيمان، ففى حين أن كلاهما ينتمى إلى مجال الممارسات الدينية، إلا أنهما يمثلان نوعين مختلفين من الممارسات، فالتدين حالة ممارسة طقوسية وظاهرية بالأساس، أما الإيمان فهو فعل اعتقاد وانتماء قد لا يرتبط بالضرورة بممارسات طقسية ظاهرية. ولذا كثيرا ما نتداول عبارات تميز بين الجوهر (الإيمان) والمظهر (التدين)، مثل “ربك رب قلوب”، فى إشارة إلى أن تدين الشخص، وفى هذه الحالة إيمانه، شأن خاص يتعلق بالعلاقة بينه وبين الله وهو أمر لا يمكن قياسه اجتماعيا.
إن الخلط بين الدين والتدين كان ومازال له تأثيرات سلبية، أولا على المستوى الفكرى حيث إضفاء القدسية على الخطابات الدينية خلق حالة من الجمود الفكرى، وأصبحنا لا نفكر ولكن فقط نتحيز لتأويلات فى مواجهة تأويلات أخرى، إن أحد الإشكالات التى تواجه إعمال العقل هى إضفاء قدسية على تأويل النصوص الدينية، فى حين أن التأويل ليس سوى ممارسة فكرية والخطاب الدينى، أيا كان مصدره، هو نتاج ممارسات بشرية.
ومن ناحية أخرى، تم اساءة توظيف فعل “التدين” الشكلى والمظهرى ليكون بخلطه بفعل الإيمان والذى من المفتروض أن يكون ممارسة روحية، فأصبحنا نعيش حالة من الانفصام ما بين سلوكيات منبوذة وممارسات شكلية توحى بأننا الأكثر قربا للدين، ويمكن أن نختم هذا المقال بسؤال لأولئك الذين لا يملون ترديد مقولة “نحن شعب متدين بطبعه”.
والسؤال هو: كيف يمكنكم قياس هذا التدين؟ أم أن كلمة “بطبعه” تغنينا عن القياس وكأن التدين حالة بيولوجية ترتبط بالجينات؟ .
1