“اصحى يا نايم وحد الدايم .. معاد السحور” بهذه الكلمات يعتمد “محمد” ابن مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، على النداء على الأطفال بأسمائهم لإيقاظهم لتناول وجبة السحور طوال شهر رمضان الكريم.
ويقول “محمد”، إنه يعمل بمهنة المسحراتي خلال شهر رمضان منذ 30 عامًا، حيث يبدأ بالمرور في الشوارع الرئيسية بحي شبرا بدمنهور، ثم يدخل الشوارع الفرعية بشارع شجرة الدر بدمنهور، حاملا الطبلة ويضرب عليها بعصا صغيرة، ويقف عند أبواب المنازل وينادي على الأطفال كلا باسمه، ويفرح بتجمع الأطفال حوله.
من جانب آخر، قال “قطب خليل الشامي” أقدم مسحراتي بقرية نكلا العنب بمركز إيتاي البارود بالبحيرة، أنه يقوم بالدق على الطبلة في الشوارع والحواري بالمنطقة لإيقاظ الكبار والصغار قبل آذان الفجر، ثم يعود لمنزله لتناول وجبة السحور مع أولاده، وبدأ مسيرته في عام 1982.
وأشار عم “قطب” أن مسيرته لإيقاظ الأهالي لتناول وجبة السحور لا تقتصر على شهر رمضان فقط، بل يقوم بإيقاظ من يصوم خلال الأيام المباركة في شهري رجب وشعبان، مرددا العبارات “اصحى يا نايم وحد الدايم، لا إله إلا الله، أذكر الله، وحد الله”.
جدير بالذكر أن مهنة “المسحراتي” ارتبطت بالشهر الكريم منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان بلال بن رباح رضي الله عنه أول “مسحراتي” في التاريخ الإسلامي، حيث كان يجوب الشوارع والطرقات لإيقاظ الناس للسحور بصوته العذب طوال الليل، وكان النبي يقول “إن بلالًا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم”، وكان ابن أم مكتوم هو الذي يتولى آذان الفجر، ومنذ ذلك التاريخ أصبح المسحراتي مهنة رمضانية خالصة.
وفي العصر العباسي كان “المسحراتي” ينشد شعرًا شعبيًا يسمى “القوما” طوال ليالي رمضان، وربما كان ذلك عائدًا لازدهار فن الشعر في ذلك العصر، أما بداية ظهور الإيقاع أو الطبلة في يد المسحراتي فكانت في مصر، حيث كان المسحراتي يجوب شوارع القاهرة وأزقتها وهو يحمل طبلة صغيرة ويدق عليها بقطعة من الجلد أو الخشب، وغالبًا ما كان يصاحبه طفل صغير أو طفلة ممسكة بمصباح لتضيء له الطريق وهو يردد نداءاته المميزة “اصحى يا نايم وحد الدايم” أو ينطق بالشهادتين بصوت أقرب إلى التنغيم منه إلى الحديث العادي ثم يقول “أسعد الله لياليك يا فلان”.
وفي العصر الفاطمي بدأت مهنة المسحراتي أيام الحاكم بأمر الله، الذي أصدر أمرًا بأن ينام الناس مبكرين بعد صلاة التراويح، وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور.
أما في عصر المماليك فقد ظهر “ابن نقطة”، شيخ طائفة المسحراتية والمسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد، وهو مخترع فن “القوما”، وهي من أشكال التسابيح، ثم انتشرت بعد ذلك مهنة المسحراتي بالطبلة التي كان يُدق عليها دقات منتظمة بدلًا من استخدام العصا.