أنطون سيدهم ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والقضايا الدينية
1992/8/30
نشرنا في العدد الماضي أن بعض الأقلام المغرضة نشرت ما يمس صاحب القداسة البابا شنودة الثالث وأننا دحضنا ما ادعوه بنشر بعض المواقف الوطنية التاريخية لهذا الرجل العظيم, وقد كتبنا في العدد الماضي عن المحاضرة الرائعة التي ألقاها في نقابة الصحفيين وفند فيها ما تدعيه إسرائيل عن أرض الميعاد, وأنهم شعب الله المختار مؤيدا أقواله بآيات من الإنجيل, وبأن أرض الميعاد كانت قبل سكناهم في فلسطين والتي ملأوها فسادا وعبدوا فيها الأصنام فشتتهم الله في جميع أنحاء المعمورة, أما أنهم كانوا شعب الله المختار فكان ذلك عندما كان العالم بأكمله يعبد الأصنام, وكانوا هم فقط يعرفون الله, ولكن بعد أن عرف العالم كله الله القوي وآمنوا به, أصبح جميع المؤمنين هم أبناء الله وشعبه.
واليوم ننشر موقفا رائعا لصاحب القداسة البابا الأنبا شنودة الثالث, ففي أوائل سنة 1977 زار قداسته الولايات المتحدة الأمريكية ودعي لمقابلة الرئيس جيمي كارتر. وقد طلب قداسة البابا أن يحضر الاجتماع سفير مصر في واشنطن الدكتور أشرف غربال وقتئذ, وأثناء الحديث سأله الرئيس كارتر عن رأيه في موضوع القدس, ورد عليه قداسته بأن اليهود ليسوا شعب الله المختار في الوقت الحاضر, وإن كنا نعتقد أنهم شعب الله المختار فمعني ذلك أننا نحن المسيحيين لسنا مختارين من الله.
وقد ذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب هذه الواقعة. وأننا نضع تحت أعين القارئ بعض ما كتبه سيادته عن هذا الموضوع ضمن تفاصيل ما حدث في هذا اللقاء توجه قداسة البابا إلي البيت الأبيض وبرفقته الدكتور أشرف غربال سفير مصر في الولايات المتحدة, حيث استقبلهما الرئيس جيمي كارتر في المكتب البيضاوي, واستغرقت المقابلة نصف ساعة, استفسر الرئيس خلالها عن أوجه نشاط الكنيسة القبطية التي كان مهتما بها وبتاريخها وبآثارها القديمة, كما تحدث عن رحلة العائلة المقدسة إلي مصر, وقد قدم قداسة البابا للرئيس كارتر أيقونة ذات ثلاثة جوانب, علي أحدها تظهر القديسة مريم, وعلي الجانب الثاني تعميد المسيح, وعلي الجانب الثالث تظهر قيامة المسيح, وفي بداية لقاء الرئيس كارتر بقداسة البابا شنودة الثالث قال له إنه سمع عنه كثيرا, وإن الرئيس أنور السادات قد مدحه كثيرا, وتحدث عنه بكل تقدير أثناء زيارته للولايات المتحدة. بعد ذلك فتح الرئيس كارتر الباب للصحافة والتليفزيون, وقال للمندوبين إنه يعرف أن عدد الأقباط في مصر سبعة ملايين, ثم انصرف الوفد وبقي قداسة البابا مع الرئيس كارتر في حديث خاص حضره نيافة الأنبا صموئيل والدكتور أشرف غربال, وذكر قداسة البابا بعد المقابلة أن الرئيس سأله عدة أسئلة عن الكنيسة القبطية, وعن رأيه في موضوع القدس لأنه يعرف أن الكنيسة القبطية لها رأي في المشاكل السياسية لاسيما الصراع العربي الإسرائيلي, وكان رد قداسة البابا أن اليهود ليسوا شعب الله المختار في الوقت الحاضر, وإلا بماذا نسمي الكنيسة المسيحية, وإذا اعتقدنا أنهم شعب الله المختار, فمعني ذلك أننا المسيحيون لسنا مختارين من الله, أما عن المشاكل السياسية فنحن نتحدث عن المبادئ العامة الأساسية الخاصة بالمشكلة, أما التفاصيل فهي متروكة لرجال السياسة. وقد علق الأستاذ محمد حسنين هيكل علي هذه الواقعة أنها كانت محاولة لاستدراج الكنيسة القبطية إلي موقف ملائم من وجهة النظر الأمريكية, في مشاكل الصراع العربي الإسرائيلي وقضاياه, لكن البابا شنودة, كما ستظهر الأحداث فيما بعد, كان أذكي مما قدر الآخرون, كما أنه كان أقرب إلي الالتزام بمقادير مصر مما ظن هؤلاء الذين كانوا يخططون لشيء آخر.
هذا الموقف المصري العربي الرائع الذي وقفه البابا شنودة الثالث في الولايات المتحدة الأمريكية وهي مركز نفوذ اليهود ليدل دلالة بالغة علي شجاعة قداسته ووطنيته الحقة, وحصافته وقوة حجته وخبرته العميقة بمشاكل مصر والمنطقة العربية.
أخبار ذات صلة
مواقف تاريخية” 1 “وطنية للبابا الأنبا شنودة الثالث.. (نشرت في 1992/8/23)