من الوهلة الأولي قد يكون العنوان غريبا هل هناك أمل في أن يقلل العالم من مستوي نسبة الاحتياج أو الاستهلاك اليومي لمنتجات الوقود البترولي والذي هو الآن السبيل الأساسي لحركة النقل المختلفة سواء كانت برا أو بحرا أو حتي أرضا وقد تكون الإجابة نعم ولكن الأهم هو متي يحدث ذلك؟ وهناك مقولة إن الحاجة هي أم الاختراع وقد لجأت كثير من الدول التكنولوجية بمحاكاة أزمة ارتفاع أسعار النفط في 2009 والتي وصلت فيها أسعار البترول للبرميل إلي أكثر من 136 دولارا وعانت تلك الدول من قلة المطروح من الوقود في أسواقها وتوقف كثير من السيارات الفارهة والاقتصادية في تلك الفترة ولذا لجأت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين إلي التركيز علي بدائل الوقود في السيارات كنوع من الحيل المتاحة وقت ارتفاع الأسعار. وبدأت استراتيجيات الشركات العالمية للسيارات في وضع حلول وتصميمات حديثة اعتمدت فيها كوريا الجنوبية علي البطاريات المتقدمة لتخزين الكهرباء اعتمادا علي نظريتين الأولي هي تحديد قدرة الموتور ومعدل السرعة التي تسير بها السيارة مما يعطي انضباطية تحديد عمر البطارية وتوقيت الشحن الذي يتناسب مع معرفة الكيلومترات المستهلكة بالتالي كان لابد أن تكون هناك محطات إعادة شحن البطارية بالكهرباء, وعلي الناحية الأخري اعتمدت اليابان من خلال ماركات تويوتا وكذلك نيسان علي الكهرباء المباشرة أو تحويل الجسم الخارجي للسيارة إلي خلايا فوتو سليكون تمتص أشعة الشمس مباشرة وتحولها إلي مسارات كهربائية تدعم الشحن المستمر للبطارية في السيارة وبالتالي يكون لدي السيارة التموين إما من الكهرباء المباشرة من المحطات أو من الخلايا الشمسية دون توقف. وتبعتها كل من ألمانيا وأمريكا في هذه التقنية من السيارات الكهربائية واعتمدت السياسات الاقتصادية للدول الأكثر استيرادا للسلع الوقود النفطية علي السيارات الكهربائية وتقنيات الوقود الأكثر ترشيدا للاستهلاك وأنها ستقلص طلب وسائل النقل علي النفط بحلول 2040 بأكثر مما كان متوقعا في السابق, لكن العالم قد يظل يواجه أزمة إمدادات في غياب الاستثمار الكافي في الإنتاج الجديد.
وقالت وكالة الطاقة التي مقرها باريس في توقعاتها العالمية للطاقة إن من المتوقع أن يبلغ الطلب علي النفط ذروته قبل 2040 وتصورها يكمن في أن الطلب سينمو بنحو مليون برميل يوميا في المتوسط سنويا حتي 2025 ثم يستقر عند وتيرة أكثر ثباتا قدرها 250 ألف برميل يوميا حتي 2040 حيث سيبلغ ذروته عند 106.3 مليون برميل يوميا.
ووفقا لتصور السياسات الجديدة لهذه الدول الاقتصادية العشرين الكبار فإن الطلب في 2040 سوف يخضع لتعديل بالزيادة بأكثر من 2 مليون ونصف مليون برميل يوميا ليصبح ذلك من التوقعات منذ العام الماضي لأسباب علي رأسها نمو أسرع في المدي القريب وتغييرات في سياسات ترشيد استهلاك الوقود في الولايات المتحدة.
وهناك دراسة حديثة من وكالة الطاقة الدولية توضح أن عدد السيارات الكهربائية سوف يصل إلي 395 مليون سيارة بحلول 2035 دون تغيير عن تقديرها قبل عام. لكنها تتوقع حاليا أن تخفض تلك السيارات الطلب بمقدار 3.3 مليون برميل يوميا, ارتفاعا من فقد 2.5 مليون برميل يوميا في التقديرات. وأضافت أيضا الوكالة أن معايير الكفاءة أكثر أهمية في التحكم في نمو الطلب علي النفط غير أن التحسينات في كفاءة أسطول السيارات غير الكهربائية ستمحو ما يزيد علي تسعة ملايين برميل يوميا من الطلب علي النفط في 2035 وبينت أيضا الدراسة أن الطلب علي النفط لوسائل المواصلات سوف يقل إلي 31 مليون برميل يوميا بحلول 2040, بدلا من 41.2 مليون برميل يوميا في 2017, في حين من المتوقع أن يصل الطلب الصناعي في قطاع البتروكيماويات إلي 23.3 مليون برميل يوميا بحلول 2040 من 17.8 مليون برميل يوميا في 2017.
ويبدو أن نمو الطلب العالمي علي النفط سينبع من الاقتصادات المتنامية, بقيادة الصين والهند, بينما من المتوقع انخفاض الطلب في الاقتصادات المتقدمة أكثر من 400 ألف برميل يوميا في المتوسط كل عام حتي 2040, وستهيمن الولايات المتحدة أكبر منتج بالفعل للنفط في العالم, علي نمو الإنتاج حتي 2025, بزيادة قدرها 5.2 مليون برميل يوميا من المستويات الحالية البالغة نحو 11.6 مليون برميل يوميا ويرجع السبب الرئيسي إلي تنامي بدائل السيارات بالوقود النفطية إلي استخدام الكهرباء كوقود للسيارة.
وهناك توقعات مكثفة إلي انخفاض الإنتاج النفطي الأمريكي وأن الحصة السوقية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) سوف تقل إلي 28% بحلول 2040 من نحو 45 بالمائة حاليا.
وبناء علي ذلك توقعت الدول الصناعية العشرون أن تحتل استثمارات صناعة السيارات الكهربائية النصيب الأكبر من محفظة الاستثمارات التكنولوجية الجديدة لدي هذه الدول وفتح وتشجيع أسواق ناشئة للسيارات الكهربائية والتركيز علي أكثر المناطق استهلاكا للسيارات وهي المنطقة العربية والشرق الأوسط خاصة. ونجد الدول التي اعتمدت في منظورها علي تصنيع كهرباء السيارة من الخلايا الفوتو سيليكون والتي تغطي جسم السيارة هي التكنولوجيا اليابانية بينما الجزء الأكبر والاقتصادي يعتمد علي الحصول علي الكهرباء للسيارة من خلال الشحن المتكرر للبطارية الموجودة في السيارة والتي اعتمدت فكرتها كوريا الجنوبية والألمان علي ثوابت سرعة السيارة وساعات تخزين الإمداد من البطارية في السيارة ولذا اختلفت قدرات الإبداع من شركة إلي أخري في ساعات البطارية والسرعة المتغيرة التي تسعي إليها التكنولوجيا جاهدة.. وإلي تكملة قادمة.
د.جمال القليوبي
أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعات المصرية والأجنبية وعضو مجلس إدارة جمعية البترول المصرية
[email protected]