أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بمناطق آثار جنوب سيناء، أن عيد شم النسيم لا علاقة له بأي دين فهو عيد مصري قديم احتفل به قدماء المصريين منذ عام 2700 قبل الميلاد، حيث تتجدد الحياة، وكان يطلق عليه (شمو) أي بعث الحياة، ثم تحرفت إلى شم وأضيف إليه النسيم، وكانت السنة عندهم تبدأ بعد اكتمال القمر الذي يقع عند الانقلاب الربيعي في 11 برمودة (باراحاموت بالهيروغليفية).
وويضيف الدكتور ريحان، أن المصري القديم كان يعتقد أن ذلك اليوم هو بدء خلق العالم، ولقد سجل على جدران المعابد أن المعبود رع يقوم في ذلك اليوم بالمرور في سماء مصر داخل سفينته المقدسة ويرسو فوق قمة الهرم الأكبر وعند الغروب، يبدأ رحلته عائدا للأرض صابغا الأفق باللون الأحمر رمزا لدماء الحياة، الذي يبثها من أنفاسه إلى الأرض معلنا موت المعبود (ست) إله الشر.
وعن علاقة العيد بالأديان يوضح الدكتور ريحان، أن علاقة شم النسيم باليهودية والمسيحية مجرد صدفة، حيث أن بنى إسرائيل حين خرجوا من مصر كان ذلك اليوم يوافق موعد احتفال المصريين ببدء الخلق وأول الربيع (عيد شمو) وأطلق عليه اليهود يوم الخروج أو الفصح، وهي كلمة عبرية معناها (اجتياز) واشتقت منها كلمة (بصخة) إشارة إلى نجاتهم, وهكذا اتفق عيد الفصح العبرى مع عيد شمو المصرى، ثم انتقل الفصح بعد ذلك إلى المسيحية لموافقته مع موعد عيد القيامة ولما انتشرت المسيحية فى مصر أصبح عيد القيامة يلازم عيد المصريين القدماء، حيث يأتى شم النسيم يوم الاثنين الذى يلى عيد القيامة وهو العيد الأكبر عند المسيحيين، ويكون الاحتفال بهذا العيد يوم الأحد بعد فصح اليهود لا معهم ولا قبلهم
أسرار الفسيخ والبصل والخس وحكايات شم النسيم
وعن الأكلات التى ارتبطت بعيد شم النسيم مثل الفسيخ والبصل والخس والملانة يوضح الدكتور ريحان أن لها أصول مصرية قديمة لأن العيد نفسه هو عيد مصرى قديم ولا علاقة له بأى دين وكان البيض يرمز إلى خلق الحياة كما ورد فى متون كتاب الموتى وأناشيد إخناتون ونقش البيض وزخرفته ارتبط بعادة قدماء المصريين نقش الدعوات والأمنيات على البيض ثم يعلق فى أشجار الحدائق لتحقيق الأمنيات مع الشروق طبقاً لما جاء فى دراسة علمية للدكتور على الطايش أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.
وينوه الدكتور ريحان إلى الفسيخ (السمك المملح) من بين الأطعمة التقليدية فى شم النسيم وعرف منذ الأسرة الخامسة عندما بدأ الاهتمام بتقديس النيل نهر الحياة حيث ورد فى متونه المقدسة أن الحياة فى الأرض بدأت فى الماء ويعبر عنها بالسمك الذى تحمله مياه النيل من الجنة حيث ينبع حسب المعتقد المصرى القديم وقد ذكر المؤرخ الإغريقى هيرودوت أن قدماء المصريين كانوا يأكلون السمك المملح فى أعيادهم ويرون أن أكله مفيد فى وقت معين من السنة وكانوا يفضلون نوعاً معيناً لتمليحه وحفظه للعيد أطلقوا عليه اسم (بور) وهو الاسم الذى حور فى اللغة القبطية إلى (يور) وما زال يطلق عليه حتى الآن
ويوضح د. ريحان حكاية البصل وشم النسيم الذى ارتبط بأسطورة منذ أواسط الأسرة السادسة بما ورد فى إحدى أساطير منف القديمة أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد وكان محبوباً من الشعب وقد أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة وعجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه ولازم الفراش عدة سنوات واستدعى الملك لعلاج الطفل الكاهن الأكبر لمعبد آمون فنسب مرضه إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه وتشل حركته بفعل السحر.
وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الطفل فى فراشه عند غروب الشمس بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ ثم شقها عند شروق الشمس ووضعها فوق أنفه ليستنشق عصيرها
كما طلب منهم تعليق حزم من أعواد البصل الطازج فوق السرير وعلى أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة وشفى الطفل وأقام الملك الأفراح فى القصر لأطفال المدينة ولما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام قام الملك وعائلته وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس فى العيد وتعليق حزم البصل على أبواب دورهم.
ويشير الدكتور ريحان إلى أن الخس عرف منذ الأسرة الرابعة وكان يقدم فى سلال القرابين وعلى موائد الاحتفال بالعيد وكان يسمى بالهيروغليفية (حب) كما اعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة الخاصة بالمعبود (من) إله التناسل ويوجد رسمه منقوشاً دائماً تحت أقدام المعبود (من) فى معابده ورسومه وأما الملانة وهى ثمرة الحمص الأخضر أطلق عليها (حور – بيك) أى رأس الصقر لشكل الثمرة التى تشبه رأس حور الصقر المقدس وقد ذكر الخس والملانة فى البرديات الطبية وكانت الفتيات يصنعن من حبات الملانة الخضراء عقوداً وأساور يتزين بها فى الاحتفالات بالعيد كما يقمن باستعمالها فى زينة الحوائط ونوافذ المنازل فى الحفلات المنـزلية
ويتابع أن من بين تقاليد شم النسيم المصرية القديمة التزين بعقود زهور الياسمين وهو محرف من الاسم المصرى (ياسمون) وكانوا يصفون الياسمين بأنه عطر الطبيعة التى تستقبل به الربيع وكانوا يستخرجون منه فى موسم الربيع عطور الزينة وزيت البخور الذى يقدم ضمن قرابين المعابد عند الاحتفال بالعيد.