ضجت الساحات الإعلامية والفنية مؤخرا بمجموعة من القضايا والأزمات, التي تبعد عن فلسفة الفن ورسالة الفنان, خلاف بين حمو بيكا ومجدي شطة, أزمة فستان رانيا يوسف في مهرجان القاهرة السينمائي, مشكلة بين بشري ومحمد رمضان, تصريحات المطربة شيرين المسيئة لمصر, فضلا عن أعمال فنية كثيرة منخفضة الذوق ودون المستوي الفني!!
وإذا كنت أميل دائما إلي أهمية أن يشارك الفنان في خدمة المجتمع والإنسانية ورسالة التنوير, عبر أعماله الفنية وأنشطته الثقافية والاجتماعية, فليسمح لي القارئ العزيز بأن أنقل هنا صفحة من تاريخ الصحافة الفنية وتاريخ الفنانين, فقد عرفت مصر العديد من المجلات الفنية التي اهتمت بمناقشة قضايا جادة وموضوعات مهمة, ومن ذلك أن مدينة القاهرة شهدت صدور مجلة (دنيا الفن: 1946-1948م), مجلة فنية أسبوعية مصورة لصاحبها ومحررها خليل عبدالقادر, وقد حفلت بالعديد من الموضوعات التي استهدفت الارتقاء بالفن المصري وفنانيه.
أجرت المجلة تحقيقا صحفيا بين عدد من الفنانين, نشرته في 5 أغسطس 1947م, ودار التحقيق حول سؤال واحد: ما هي الصفات التي يجب توافرها في الفنان الأصيل؟, حيث تجاوب مع سؤال المجلة أديب ومطرب وخمسة ممثلين, وتحدثوا بثقافة واسعة تدل علي وعي واضح وإدراك كبير لرسالة الفن, تري ماذا قالوا في سنة 1946م؟!
في البداية تحدث الفنان نجيب الريحاني وقال: الإيمان بالفن كرسالة ومدرسة لها هدف رفيع هو خدمة الإنسانية ورفع مستوي البشرية.. والثقافة العامة إلي جانب دراسة علمية في علم النفس وعلم الاجتماع ونظام الطبقات وحالة المواطنين, فهذه كلها أسلحة أو وسائل يعتمد عليها الفنان في فنه الذي يجب أن يكون في خدمة المجتمع لا من أجل الفن كما يقول بعض أصحاب الأبراج العاجية.
وقال الأديب والكاتب الصحفي كامل الشناوي: أهم الصفات التي يجب توافرها في الفنان الأمثل هي أن يعرف ما هو الفنان الأمثل فإذا توفرت هذه الصفة في فنان ما, فإن ما عداها من صفات لا قيمة لها بتاتا.
كما تحدث المطرب فريد الأطرش, وقال: الإحساس بالجمال والتمتع بالطبيعة والقدرة علي تصويرها سواء بالموسيقي أو التمثيل أو النحت أو التصوير.
أما الفنان زكي رستم فقال: الفنان الأمثل في اعتقادي هو الإنسان الكامل, وقد حاول الكاتب الإنجليزي إدجار والتر أن يجد الإنسان الكامل فلم يستطع, ويوم نجده هو اليوم الذي سنكتشف فيه الفنان الأمثل الذي تتوفر فيه صفات لا تعد ولا تحصي.
وقال الفنان محمود المليجي: الفنان الأمثل هو الرجل الذي يؤمن بمبادئ الحرية والإخاء والمساواة.
وقال الفنان عباس فارس: الفنان الأمثل هو رجل يجعل من فنه سلاحا يحطم به الأغلال والقيود التي تحول دون تحقيق المساواة التامة بين الناس.
وذكر الفنان أحمد علام: أن الفنان الأمثل هو الذي يؤمن أن له رسالة في الحياة, خلق لكي يؤديها, وفي سبيل تأديتها عليه أن يحتمل كل ما يعرض له من ألوان الشقاء أحيانا وألوان الهوان أحيانا أخري بل وأحيانا ألوان الاضطهاد, إنه هو الذي يشعر أنه كالنور خلق ليضيء وليستضيء به الغير.
وفي الأسبوع التالي مباشرة, 12 أغسطس 1947م, نشرت المجلة نفسها تحقيقا صحفيا, لا يقل أهمية عن سابقه, حيث كان سؤال التحقيق الجديد: ما هو الموضوع الاجتماعي الذي يجب أن تعالجه السينما؟, هنا تجاوب مع المجلة عدد من السياسيين والأدباء الذين عرفتهم مصر في هذه الفترة..
فكري أباظة بك: مصر الغد وكيف تكون سياسيا واجتماعيا وأدبيا وفنيا.. هذا هو موضوع الساعة الذي يجب أن يتفرغ لعلاجه كل أديب وكاتب وصحفي وفنان.. والسينما في مقدمة الميادين التي يمكن أن نصور فيها ما نسعي إلي تحقيقه لمصر الغد.
الشيخ أبوالعيون: كثيرا ما ناديت بوجوب توجيه موضوعات الأفلام السينمائية وجهة إصلاحية تدعو لمحاربة الرذيلة والقضاء علي فساد المدنية العصرية والعودة بالناس إلي ما أمر به الدين.. وقد قلت في مقال سابق بدنيا الفن إنه من الممكن جدا أن نجعل السينما تخدم الدين, وأنا كبير الأمل بل شديد الإيمان في أنه لو وجهت السينما الوجهة الصحيحة لأفادت البلاد فائدة كبيرة.
محمد محمود جلال: وهل هناك موضوع أهم من معالجة الفقر والجوع والمرض ذلك الثالوث الذي هد كيان مجتمعنا المصري فكان سببا فيما نعانيه من أمراض سياسية واجتماعية وخلافه.
علي الرجال: مصر التي قادت موكب الحضارة, وحملت مشعل العلم لتضيء طريق الإنسانية.. مصر الزمن الماضي يريد أن يعرفها أبناء هذا الجيل.. نريد موضوعا سينمائيا يحدثنا عن عظمة أجدادنا ويحدثنا عن مصر العصر الغابر زعيمة كل نهضة وصاحبة الفضل الأول علي الإنسانية منذ العهود الأولي.
زكي مبارك: إن في قصص الدكتور زكي مبارك موضوعات شتي تصلح كل الصلاحية للسينما ولكن أين المخرج الذي سيفهم الدكتور زكي مبارك وقصصه؟
حمد خطاب بك: إن السينما الآن تعالج موضوعات اجتماعية كثيرة, بيد أنني ألاحظ علي الذين يتولون هذه المهمة وهم المخرجون علي ما أعتقد أنهم ينظرون إليها نظرة سطحية ولا يعنون بدراستها دراسة وافية, ويهتمون بالقشور دون اللب مما جعل القصة السينمائية تصطبغ بطابع التفاهة, ولو تعمق هؤلاء المخرجون في دراسة القصة دراسة نفسانية عميقة كما نري في الأفلام الأجنبية لكان هذا أفيد للسينما والمجتمع معا.. ليس المهم هو معالجة الموضوعات الاجتماعية وإنما المهم هو الطريقة التي نعالج بها هذه الموضوعات حتي نحصل علي التأثير المطلوب.
تحية من القلب
للفنانة اللبنانية الرائعة ماجدة الرومي, التي حضرت إلي مصر وشاركت في حملة فرح قلبي برعاية مؤسسة راعي مصر للتنمية, زارت خلالها مجموعة من قري مدينة الأقصر, لتبعث برسالة لكل الفنانين ملخصها دور الفنان في خدمة المجتمع والناس.
د.رامي عطا صديق
[email protected]