لماذا يبدأ أسبوع الآلام عقب أحد الشعانين
بدأت مرحلة المواجهة بين السيد المسيح وقادة اليهود,
المسيح يكشف رياءهم,وهم يثيرون الشعب ضده,
خابت آمالهم الدنيوية فيه, لما رفض الملك الأرضي,
السيد المسيح يقوي إيمان تلاميذه, ويعدهم للتجربة..
أبنائي الأحباء:
أهنئكم اليوم بهذا العيد السيدي,عيد دخول السيد المسيح ملكا إلي أورشليم, كما أهنئكم أيضا ببدء أسبوع البصخة المقدسة, أو مانسميه أسبوع الآلام.
وأود ههنا أن أسأل: ماهي العلاقة بين هذين الأمرين؟ولماذا يبدأ أسبوع الآلام عقب عيد أحد السعف مباشرة؟
في هذا اليوم دخل السيد المسيح إلي أورشليم كملك, ولكن أي ملك؟ هنا ويبدو الفهم مختلفا تماما بين السيد واليهود حول معني الملك ومفهومه.
هو يريد ملكا روحيا علي القلوب,وهم يريدون ملكا دنيويا علي الأرض,
هو يريد أن يخلصهم من خطاياهم وهم لايريدون إلا خلاصا سياسيا من حكم الرومان.
السيد المسيح لايريد إلا القلب, واليهود لايريدون إلا العرش.
هو يريد تحريرهم من عبودية الخطية وهم يريدون مظهرية تحررهم من الخارج فقط, من الحكم الأجنبي,وهكذا لم يستطيعوا الفهم الروحي الذي للمسيح.
وكان لابد من اصطدام بين فكره وفكرهم,فكيف بدأ الاصطدام.
بدأ يوم أحد الشعانين حين استقبلوه بسعف النخل وأغصان الزيتون وهتفوا له كملك علي أورشليم وفرشوا ثيابهم تحت قدميه وقالوا مبارك الآتي باسم الرب, مباركة مملكة داود الآتية.
ولكن كل هذا الترحيب لم يمنع الرب من خطته الإلهية,لم يجاملهم لأنهم هتفوا له, ولم يقابل ترحيبهم بترحيب كانوا قد استقبلوه ملكا في مدينتهم ولم يستقبلوه ملكا علي قلوبهم.
الشعب كان مخلصا وبريئا في ترحيبه,أما القادة فقد أزعجهم ترحيب الشعب به.
وتملكتهم الغيرة والحسد فقالواهوذا الكل قد سار وراءه ووجهوا إليه بعض الانتقادات بسبب الهتافات والأطفال.
أما السيد المسيح الذي لم يكن يعبأ مطلقا بهذا الملك الأرضي, وقد قال بصراحة فيما بعد..
مملكتي ليست من هذا العالم..
فأنه بدأ يوجه اهتمامه إلي القلب.. بدأ يطهر الهيكل من رجاساته,
قلب موائد الصيارفة,وأمرهم بإبعاد أقفاص الحمام وأمسك سوطا وقال لهم في توبيخ بيت أبي بيت الصلاة يدعي, وأنتم جعلتموه مغارة لصوص.ووجد قادة اليهود أنه قد أخذ موقفا حازما هز سلطانهم كما أنهم لم يستطعوا أن يقاوموا قوته.
لذلك بدأوا يثيرون الشعب ضده بسبب رفضه للملك علي اعتبار أن آمالهم فيه قد خابت.
لم يعد هو المخلص المرجو الذي تتعلق به آمال الجمهور.. لم يعد إليهم صورة جدعون وشمشون كما تصوروا المخلص أن يكون..
أما التعليم الروحي فلم يكن هو هدفهم ولا كانت نقاوة القلب هدفهم أنه شعب متعلق بالسياسة وليس بالقداسة تهمه الأرض وليس الأبدية!
ومن هنا بدأت آلام المسيح تدخل مرحلة جديدة هي مرحلة المواجهة.
قال لهمويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون ويل لكم أيها القادة العميان, الذين تغلقون ملكوت السموات قدام الناس,فلا تدخلون أنتم ولاتدعون الداخلين يدخلونمتي23
وكذلك قال لكهنة اليهود: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمة أخري تصنع ثمارهمتي21:43.
وبخ الناموسيين أيضا.
إنه أسلوب لم يتعودوه منه من قبل.
لم يتعودوه من المسيح الوديع الهاديء الذيلا يخاصم ولا يصيح ولايسمع أحد في الشوارع صوته قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لايطفئ.
ولكن الرب أرانا بذلك أن للحزم وقتا كما أن للصبر حدودا.
المسيح رفض الملك الأرضي وهو يعرف تماما ثمن هذا الرفض ونتائجه.
وكان قد رفض هذا الملك في بدء عمله في التجربة علي الجبل حينما سمع من المجرب عبارةلك أعطي ممالك الأرض ومجدها.
أنه لم يشأ الحكم, إنما الصليب.
أحب الألم أكثر من السلطة..
الألم من أجل محبته للناس ورغبته في تخليصهم أكثر من المجد العالمي الذي قال عنه من قبلمجدا من الناس لست أقبل وأي مجد وأي ملك يمكن أن يعرضه الناس علي ملك الملوك ورب الأرباب؟
لذلك كان أحد السعف يوما حاسما في علاقة السيد باليهود
هو كشف خطته في العمل الروحي وفي رفض الحكم الأرضي.
وهم بدأوا تفكيرهم في التآمر ضده وخطوا الخطوة التنفيذية يوم الأربعاء بعد ثلاثة أيام من استقبال المسيح كملك في أورشليم.. اتفقوا في ذلك اليوم مع يهوذا علي خيانة سيده وسلموه المال, وسلمهم ضميره أما السيد المسيح, فخرج من أورشليم ليبيت في بيت عنيا,وبدأ يعد العدة لاستقبال الصليب.
خلص تلاميذه من الخضوع للقيادات اليهودية والكهنوت اليهودي الهاروني.
بأن كشف هؤلاء وأولئك ووبخهم وقال لهم إن الملكوت ينزع منكم وقال لرسله الأطهار من جهة قادة اليهود: لا تدعوا لكم معلما علي الأرض لأن معلمكم واحد هو المسيح ولاتدعوا لكم أبا ولاسيدا.. قال هذا في مجال توبيخه للكتبة والفريسيين المرائين:متي23.
ولم يقل هذا الكلام طبعا لعامة المؤمنين الذين كان لهم في رسل المسيح وخلفائهم معلمون وآباء وسادة وهوأعطي البعض أن يكونوا رسلا والبعض رعاة ومعلمينأف4:11.
بدأ المسيح يلغي الكهنوت اللاوي,ليؤسس كهنوتا علي طقس ملكي صادق..
كما أنه علي الصليب سمح أن ينشق حجاب الهيكل ليؤسس هيكلا مسيحيا جديدا غير هيكل اليهود.
ومنذ أحد السعف بدأ إعدادا من نوع جديد لرسله القديسين لكي يستقبلوا حادث الصلب في غير انزعاج ولكي يستعدوا لتحمل المسئوليات المقبلة ولكي يحتملوا غيابه عنهم بالجسد.
أما عمله لتقوية إيمان التلاميذ ورجائهم فتركز فيما يأتي:
قبل أسبوع الآلام مباشرة وفي يوم السبت السابق لأحد الشعانين أقام السيد المسيح لعازر بعد موته بأربعة أيام بعد أن قيل عنه إنه أنتن ويئس الكل من جهته..يو11.
وإقامة لعازر كانت تحمل معنيين المعني الأول هو قدرة المسيح الإلهية التي لم يسبقه إليها أحد, وكونه يقبض في يده علي الحياة والموت,فحينئذ لاينزعج التلاميذ إن رأوه علي الصليب والمعني الثاني أن إقامة لعازر من الموت, تسهل عليهم الإيمان بقيامة المسيح الذي أقام ألعازر حيا..
وقبل إقامة لعازر مهد الرب عقول التلاميذ وقلوبهم للإيمان به والثقة بقدرته بمعجزة أخري هي منح البصر للمولود أعمييو9.
كل هذا لكي ينقذهم من الشك في وقت صلبه وحتي إن شكوا يكون من السهل عليهم أن يرجعوا إلي إيمانهم ويمكنهم أيضا احتمال رؤيته حيا عند القيامة بعد أن يروه ميتا علي الصليب.
وتميز هذا الأسبوع بجلسات طويلة بين المسيح وتلاميذه لتقوية إيمانهم وإعدادهم لقبول التجربة.
ويشرح لنا إنجيل يوحنا أحاديث طويلة بين الرب وتلاميذه شملت الإصحاحات 16,15,14,13من إنجيل يوحنا قال لهم فيها: إنه سيمضي تم يأتيبعد قليل سوف لا ترونني ثم بعد قليل ستروننيأنا ماض لأعد لك مكانا وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إلي حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضالا أترككم يتامييو15.
وعزاهم أيضا بأنه سيرسل لهم الروح القدس المعزي من عند الآب وقال لهم إن الروح القدس سيمكث معهم إلي الأبد وسيعلمهم كل شيء,
عزاهم تعزية أخري تقويهم وهي تسليمهم سر الأفخارستيا المقدس يوم خميس العهد حتي يثبتوا فيه.
وصلي من أجلهم صلاة طويلة في يو17 وقال أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا.
قال لهم كل شيء قبل أن يكون حتي إذا كان يؤمنون,قال لهم إن ابن الإنسان سيسلم إلي أيدي الخطاة فيصلبونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم.
وقال لهم أيضاسأراكم فتفرح قلوبكم ولايستطع أحد أن ينزع فرحكم منكموقد كان..
إن يوم أحد السعف يرسم لنا خطة فيما يريده الرب لنا.. وضع الرب لنا فيه مثالا أن الألم أعمق وأعظم من المجد العالمي,
وأعطانا مثالا عن مدي اهتمامه بأولاده بتلاميذه وتثبيته لإيمانهم.
كما أنه أرانا أنه ينبغي أن يتطهر الهيكل باستمرار ليكون بيتا للصلاة.
هذا الهيكل الذي يسكن فيه الرب علي الدوام وهو ينشد في آذاننا عبارته المعزية. ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر.
وهكذا نحن بعد أحد السعف نبدأ في ذكري أسبوع الآلام ذاكرين حب الله لنا الذي جعله يبذل ذاته عنا ليخلصنا من آثامنا.
فليكمل لنا الرب هذه البصخة المقدسة بسلام ويرينا أفراح قيامته سنين عديدة,له المجد من الآن وإلي الأبد آمين,