القى قداسة البابا تواضروس الثاني اليوم عظة روحية خلال قداس سيامة ١٣ كاهن و هذا نص لكلمة قداسته:
بداية هذا اليوم أهنئكم بالصوم المقدس هذه الأيام الروحية التي نحيا فيها ونقدم صلواتنا مشفوعة بتوبتنا في هذا الصوم التي تمارسه كنيستنا الأرثوذكسية بنسكيات عالية ونعيش في هذا الصوم ما يسميه البعض بربيع الحياة الروحية أو موسم التائبين وفي هذا الصوم الأيام التي ننمو فيها ونراجع أنفسنا ونفحص ضمائرنا ونعرف خطايانا ونعترف من أجلها لكي ما يأتي يوم الجمعة الكبيرة وتقول كل نفس مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في.
ومن فرحنا في هذا اليوم وهو أول أيام الصوم أن نكرس في الكهنوت ثلاتة عشر شماسا لكي ما يكونوا كهنة يخدمون في بعض كنائس القاهرة وفي أوربا وفي أمريكا وعندما نجتمع جميعا ونفرح بتكريس هؤلاء الشمامسة ونفرح بإن يصيروا كهنة في كنيسة الله الحي نعرف بأن المسئولية ليست هينة وأن مسئولية الكهنوت ليست بسيطة ولا نكتفي فيها بمظاهر الفرح والسيامة لكنها خطيرة أمام الله ومن أجل هذا الأحباء الشمامسة المزكون للكهنوت جالسين هنا لكي تصل لهم كل كلمة ونحن وقوف أمام مذبح الله وتكون كل كلمة شاهدة على حياتهم وهم يقيمون بالمسئولية التي فيها.
الأمر الأخطر هو إننا يمكن ان نسمي الكهنوت أنه اختبار إيمان فالمدعو للكهنوت يبدأ اختبار إيمان يستمر معه طوال حياته فهو اختبار إيمان شخصي له. كلنا تعرضنا لإمتحانات معلومة ومحددة التوقيت ولكن عندما يرسم الكاهن يبدأ إمتحانا يستمر معه طول فترة حياته إنه بالحقيقة اختبار إيمان. وعند دخول إي امتحان يكون غرضنا هو النجاح لهذا أود أن أتكلم مع المرشحين للكهنوت وكل الحضور عن ماهو مقومات النجاح في هذا الاختبار اختبار الإيمان.
سأحدثكم عن أربع مقومات لهذا النجاح
المقوم الأول : اهرب من ذاتك :
في إنجيل هذا الصباح توجد قصة قصيرة يحكيها الأنجيل في أول يوم للصيام وليس عبثا إختيار هذا المشهد لكي ما يكون في أول يوم للصيام. فالمسيح يسير مع التلاميذ وقد سألهم المسيح سؤال “ماذا كنتم تقولون وسط الطريق؟” فأبتدوا ان يخجلوا لأنهم كانوا يتكلمون في أحد الخطايا العظيمة التي يسقط فيها الإنسان وهي خطية من هو الأعطم فينا؟ تصور التلاميذ المختارين كل واحد منهم مشغول بمن الأعظم وهذا المرض والداء مازال يعمل ويستشري لهذا المقوم الأول في نجاح الكاهن في اختبار الإيمان أو كهنوته أنه اهرب من الذات او السلطة أو الأنا. التلاميذ عندما اختلفوا سويا عن من هو الأفضل ويمكن ان يكونوا في كنيسة واحدة ومذبح واحد يجب ان تعلم أن الذات يمكن أن تطيح بك بعيدا جدا عن الملكوت. فيجب ان تبتعد عن ذاتك وعن مفهوم السلطة في الخدمة فهذه الكلمة ليس لها وجود في حياتنا الكنسية أنت خادم لكلمة الله في نفوس شعبك. وعندما نرتدي ملابس الكهنوت السوداء التي تميزنا انما تذكرنا بتراب الأرض فكأن الإنسان مدفونا فيها وهذا المعنى لكيما ينتصر الإنسان على ذاته. أعلموا أيها الأحباء أن الأتضاع مع أعمال صغيرة خير بكثير من أعمال كبيرة بلا إتضاع. فالله لا يهمه الأعمال الكبيرة فالله يبحث عن إتضاعك ثم أعمالك. فما المنفعة بأن يهتم الأنسان بالأعمال الكبيرة ويأخذ عنها مديحا وإستحسانا وتكون النتيجة ان تنتفخ ذاته ولا يعرف طريقا للإتضاع. إذن الكهنوت إختبار إيمان وأول شئ تعمله فيه أنك تذكره وتعيشه وتدرسه كل يوم أنك تجاهد ضد ذاتك وأنانيتك. تهرب من اي شكل من أشكال السلطة تهرب من الأنا الداخلية. أسمعوا معي القديس بولس الرسول بعدما عرف الإيمان وأختبر المسيح قال هذه العبارة التي نرددها جميعا “أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني” أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا لكن بإيماني بالمسيح وإنكاري لذاتي أستطيع أن أعمل كل شئ.هذا هو المقوم الأول .
المقوم الثاني : اهتم بأمانتك ونقواتك الشاملة:
فالكاهن عندما يخدم ويوجد في الخدمة يشبه الطبيب الذي يستعد لإجراء عملية جراحية فقبل أن يبدأ يجب أن يدخل غرفة تعقيم ويعقم كاملة من رجليه لشعر رأسه وإلا سيوجد خطورة على المريض فأعلم أنك مقدم على خدمة النفوس ورعايتها والإيمان بيها فيجب أن تكون نقيا وأمينا وهما في كنيستنا “التوبة” نرردها كثيرة فيجب أن تكون نقيا في كل المجالات في علاقاتك مع كل الناس كبار أم صغار رجال أم نساء كثيري الحضور في الكنيسة أم لا. يجب أن تكون نقيا كليا فالنقاوة ليس فيها درجات يجب أن تكون نقيا في علاقتك بالمال لئلا يفسد كهنوتك وتصير حاملا لصورة الكهنوت ولكنك لا تملك قوته. يجب أن تكون نقيا وأمينا في كل تعاليم تقدمه التعليم الذي نقدمه في كنيستنا مبني على الكتاب المقدس وأقوال الآباء وسيرهم وتفسيراتهم وقوانين الكنيسة التي نعيش فيها. يجب أن تكون أمينا إلى أقصى درجة. والنقاوة ليست بها نسب هي شاملة أم لا. وبالتالي أهتم لكي ما تنجح في إختبار الإيمان أن تكون نقاوتك مئة بالمئة. ستختلف خدمة الآباء منهم من سيخدم لوحده بالكنيسة أو مع آباء آخرين منهم من سيخدم في مناطق شعبيه في كل هذا يجب أن يكون الإنسان أمينا إلى المنتهى…كن امينا إلى الموت فسأعطيك أكليل الحياة.
المقوم الثالث: ارعى رعيتك بالأبوة والأفتقاد :
شغلتنا ككهنة في الأساس هي تقديم الأبوة فهو إحتياج لكل إنسان فكل إنسان يحتاج أن يرى هذا في الأب الكاهن لهذا نلقبه بلقب “أبونا” وكل إنسان يحتاج للإفتقاد والسؤال ليس المرضى أو الحزانى او المتعبين فقط ولكن كل أحد. لذلك المقوم الثالث للنجاح في إختبار الإيمان ان ترعى شعبك بالأبوة حتى لو كانت صغير السن مجرد ان تترسم تصير أبونا فمن هو أكبر سيقبل يديك لذلك يجب أن أبوتك تستمدها من محبتك للمسيح. الأبوة لها معاني عميقة جدا حتى عندما نخاطب الله نقول ” أبانا الذي في السموات” . كل يوم قبل خروجك من البيت صلي طالبا من الله نعمة الأبوة وتمارسها لذلك نختار الكاهن متزوجا لديه أبناء حتى يكون قد أختبر في النطاق الضيق الأبوة الجسدية ثم تمتد إلى الأبوة الروحية في الرعايا والخدمة. أرعى شعبك بالأبوة والأفتقاد وكيف أن تبتكر وسائل لتصل إلى كل أحد. أحيانا يخطئ الخادم في مدارس الأحد عندما يستلم كشف أسامي المخدومين وعندما يغيب أحدهم يحذفه من الكشف فيتقلص العدد كل سنة فبعد مضي اعوام قليلة يجد أن الأولاد الذي يخدهم تشتتوا دون ان يعلم ما هو مصيرهم. أما الكاهن الواعي الكاهن الأب الكاهن الحقيقي فهو يعرف خاصته تماما يقتقدهم لكن قبل كل شئ من خلال الأبوة. الأبوة التي تظهر في السؤال والأفتقاد والأهتمام
المقموم الرابع : ارفع قلبك بالصلوات الحارة:
فالكاهن وظيفته مصلي. كل واحد فينا له وظيفة ووظيفة الأب الكاهن الأوليه والأساسية هي الصلاة وليست كعمل روتيني لكن حقيقة بحرارة القلب نرفعا أمام الله. ليست صلوات بالشفتين فقط والقلب مبتعد عن الله وليست صلوات روتينية يقوم بها لأنها دوره فقط. أرفع صلواتك بإستمرار وأعتمد على الصلاة وهذه الصلوات الطقسية أو السرائرية أو الليتورجيه أو الفردية أرفعها بحرارة. هذه الصلوات هي إعتمادك وزادك ونجاحك فبالصلوات تستطيع أن تصنع العجب وتتوب النفوس بالصلوات تستطيع أن ترعى كل أحد فهي أعتمادنا وإتكالنا. وفي الصوم الكبير نقول “الصوم والصلاة هما اللذان يخرجان الشياطين” شيطان الذات شيطان الخطايا الخفية والظاهرة هذه الشياطين كلها يمكن أن تخرجها بالصلاة والصوم.
إذن أيها الأحباء المزكون للكهنوت لتعلموا أنكم عندما تنالون هذا السر أنما تبدأون إمتحانا يستمر معكم طوال الحياة هو اختبار الإيمان ولكيما تنجح يجب أن يكون لك هذه المقومات الأربعة :
– اهرب من ذاتك
– اهتم بنقاوتك الشاملة
– ارعى رعيتك بالأبوة والأفتقاد
– ارفع صلواتك بقلبك وبحرارة روحية.
طبعا لكي ينجح الأب الكاهن في خدمته يجب أن يصلي من أجله كل الناس فليست خدمة الكاهن خدمة بسيطة وتكريس النفس أمام الله في كنيستة المقدسة عمل عظيم لذلك يجد من يحاربه ومن ينتقده ومن يشوه صورته. وهذه ليس الآن فقط لكنه منذ المسيح لذلك يجب على الرعية أن تصلي بحرارة من أجل خدمة الأب الكاهن.
نشكر الله أنه أعطانا أن نأتي لهذه الساعة ونشكر دير القديس العظيم الأنبا بيشوي ونيافة الأنبا الحبر الجليل الأنبا صرابامون أسقف ورئيس الدير وكل الأباء الرهبان فنحن ضيوف عندهم ناخد بركة الدير وبركة الآباء وبركة الأرض المقدسة هنا ويشاركني في هذا كل الآباء الأساقفة الحاضرين معنا وكل الآباء الكهنة والشمامسة وكل الحضور.
نشكر الله أنه يعطينا هذه النعم الكثيرة ويعطينا فرح أن تكون كنيستنا دائما مثمرة وكنيسة ولود تلد أبناء أحباء.وكل أب كاهن مرتبط بأسرته فالتكريس ليس فقط للأب الكاهن ولكن لزوجته وأولاده فهم المساعد الأول في نجاح خدمته.
ليباركنا المسيح بكل بركة روحية ونحن نبدأ هذا الصوم ونصلي أن يعطينا قلوب تائبة ونقية بالحقيقة ونكون أمامه موجودين ومرضيين إلى النفس الأخير. لألهنا المجد الدائم والكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.