البداية
(لوقا14:25-30)
وكان جموع كثيرة سائرين معه, فالتفت وقال لهم: إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته, حتي نفسه أيضا, فلا يقدر أن يكون لي تلميذا. ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذا. ومن منكم وهو يريد أن يبني برجا لا يجلس أولا ويحسب النفقة, هل عنده ما يلزم لكماله؟ لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل, فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به, قائلين: هذا الإنسان ابتدأ يبني ولم يقدر أن يكمل
والمجد لله دائما
السمكة الأولي:
قانون الإيمان .. إعلان حب
كثير منا يعرف أن شكل السمكة هو أحد الرموز المسيحية المبكرة جدا, وفي القدم كانوا يستخدمونه كعلامة من علامات التعارف بين المسيحيين الذين يعيشون في وسط وثني, فلكي يتعرف الإنسان المسيحي علي الآخر عليه أن يرسم علي الأرض قوسا وكأنه يلعب, فإن كان الذي أمامه مسيحيا فيكمل القوس ليكون سمكة, وهي تمثل التعبير المختصر عن الإيمان المسيحي.
كلمة سمكة باليونانية تنطق إخثيس, وهي من خمسة حروف, هم الحروف الأولي من جملة: إيسوس خريستوس ثيؤ إيوس سوتير, ومعناها: يسوع المسيح ابن الله المخلص.
وعندما نشير إلي السمكة أنها هي قانون الإيمان لا نتجاوز الحقيقة كثيرا, فقانون الإيمان الذي نردده في صلواتنا نلاحظ أننا نصليه ونحن واقفون, والشيء الذي نفعله ونحن قيام هو تعبير عن الصلاة, فهو قبل أن يكون قانونا هو صلاة.
وقانون الإيمان نتلوه في مناسبات كثيرة, تقريبا في كل صلواتنا وطقوسنا وفي مناسبات الفرح والحزن والأسرار والليتورجيات.
قانون الإيمان إعلان حب:
الإيمان في المفهوم المسيحي ليس مجرد اعتناق مجموعة من العقائد, وإنما هو في مفهومه المسيحي عبارة عن حياة يعيشها الإنسان, وإن شئت الدقة فهو عقيدة تقود إلي حياة, فبموجب هذا الإيمان نعيش ونتصرف ونتعامل ونمارس أمور حياتنا التي أعطاها الله لنا.
لذا الإيمان ليس مجرد أفكار أو مجرد مبادئ, أو أن شخصا يعتقد في بعض المفاهيم عن الله أو يعرف شيئا عن الله, وإنما الإيمان ارتباط من الصميم ومن القلب ومن الأعماق, وهذا الارتباط العميق جدا هو بشخص ربنا يسوع, وهذا يعتبر إحساسا وجدانيا وكيانيا بالإنسان, وهذا الإنسان يشعر بأن الله هو قائد حياته وهو مسير الحياة كلها.
الإيمان المسيحي هو إدراك حي وكياني لوجود الله في حياتي, لذا يقول الكتاب المقدس: الإيمان هو الثقة (الشخصية) بما يرجي, والإيقان (الداخلي) بأمور لا تري (عب11:1), أي أن عين الإيمان تري أبعد من العين الجسدية, وفي الكتاب المقدس قصص كثيرة جدا في هذا الأمر, والمتنيح أبونا بيشوي كامل له أقوال كثيرة جدا عن الإيمان, فيقول: حجم الإنسان المسيحي ليس هو حجم جسده بل هو حجم الله الساكن فيه.
الإنسان المسيحي يسكن الله في داخله, ولذلك يستطيع أن ينقل جبلا, مثلما حدث في معجزة نقل جبل المقطم في القرن العاشر الميلادي, وهذه المعجزة سجلت في تاريخ الكنيسة وفي تاريخ مصر, وهذه المعجزة اشترك فيها الكل بدءا من أبينا البطريرك في ذلك الزمان وهو الأنبا إبرآم بن زرعة وكل الشعب وصولا إلي إنسان بسيط ليس له ذكر في المجتمع وهو القديس سمعان الخراز الذي تمت المعجزة علي يديه وبصلاة كل الشعب.
ولذلك الإنسان المسيحي يقول: أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني (في4:13) أي بالمسيح, وكأن الإنسان يختفي في شخص المسيح, والمسيح هو الذي يعمل كل شيء, لذا فالإنسان المؤمن المسيحي ليس من هو ينادي بفكرة الله, وإنما المؤمن المسيحي هو الذي يقبل الله إلها له وموجها لكل حياته, كقول داود النبي: جعلت الرب أمامي.. لأنه عن يميني فلا أتزعزع (مز16:8), فهو الذي أمام عيني دائما.
أصبحت مفاعيل الإيمان المسيحي ليست هي سلوكنا الخارجي, وإنما هي أفكارنا, فيمكن أن أجلس مع أب اعترافي وأقول له: يا أبي أنا في عقلي فكرة غير مناسبة, فحتي الأفكار والمشاعر والسلوكيات نحترس منها لأن الله يملأ كيان الإنسان.
ومن هنا يا إخوتي جاء تعبير الأرثوذكسية أي العقيدة المستقيمة والطريقة المستقيمة لتمجيد الله.
لماذا وضع الإيمان في صورة قانون؟
القانون دائما له صياغات جامعة مانعة, أي أنها شاملة ومانعة لأي التباس أو تغيير أو فهم خاطئ, وعلي هذا الأساس كل إنسان مسيحي في العالم يتلو قانون الإيمان يتميز عن غيره, فعلي سبيل المثال شهود يهوه لا يتلون قانون الإيمان, وبالتالي هم غير مسيحيين, فقانون الإيمان يتلوه كل إنسان مسيحي شرقا وغربا, وهو العلامة المميزة للإنسان المسيحي.
وقانون الإيمان فيه 178 كلمة, وكل هذه الكلمات من الإنجيل, فهو صياغة كتابية, والأهم من هذا أن كل الـ178 كلمة تم تحديدهم واكتمالهم في 106 سنوات ابتداء من مجمع نيقية سنة 325م, ومجمع القطنطينية سنة 381م, ومجمع أفسس سنة 431م, والفرق من 431 إلي 325 يكون عبارة عن 106 سنوات, ولذا نجد قانون الإيمان وكل كلمة فيه مختارة بمعيار الذهب, بالإضافة لذلك نجد أن هذا القانون اشترك في وضعه 668 بطريركا وأسقفا في المجامع الثلاثة (نيقية- القسطنطينية- أفسس) فهو إعلان حب الإنسان لربنا يسوع المسيح وفدائه علي الصليب, ويحكي القصة بأكملها من الميلاد حتي الفداء والخلاص بترتيب تاريخي واضح جدا.