· الطلبة اطلقوا اول شرارة للثورة .. تقدموا الصفوف والشهادة ..وحملوا زملائهم في نعوش علي أكتافهم
· الطالب” محمد عزت بيومي ” اول شهداء ثورة 1919
· ” الاستقلال التام أو الموت الزؤام ، نموت وتحيا مصر ” هتافات الطلبة والثوار
· كانوا في اول صفوف جنازات الشهداء يليهم رجال العلم
· اول من أعلن اضرابهم بالثورة “طلبة الحقوق” توقفوا عن الدراسة قائلين : لن ندرس القانون في بلد يداس فيها القانون ” .
· قال عنهم عبد الرحمن فهمي في مذكراته ” لم تكن هناك أروع من أن الطلبة يقابلون رصاص البنادق بصدورهم “
من قرأ عن ثورة 1919 جيداً يعرف انها ثورة الطلبة .. قبل ان تكون ثورة شعب .. خرجت من رحم المدارس والجامعات .. حملها الطلاب علي أعناقهم ..ثم جاثمينهم حيث كانوا هما من أستشهدوا في ساحات المظاهرات .. وانضم إليهم جميع أطياف الشعب ثم حملها منهم المثقفين والساسة ليرفعوا مطالب مصر دوالياً للمطالبة بالأستقلال والحرية .
ثورة بدائها الطلاب بمسيرات سلمية ، حيث ضرب فيها طلاب المدارس المختلفة مثل مدرسة الحقوق والطب والهندسة وغيرهم وطلاب الازهر والمدارس الأميرية والثانوية أروع المثل لحب الوطن والفداء من أجل تحقيق الاستقلال ، قام الطلاب بالاعمال العلنية والسرية وتنظيم المظاهرات والاضرابات من أجل مصر وفقط وكما ضرب الطلاب المصريون فى الخارج بما لايقل عن طلاب الداخل من نشر الحقائق عن أحداث مصر فى الجرائد والأحزاب السياسية فى دول التى يدرسون بها وتنظيم تظاهرات بها لدعم طلب استقلال مصر .
و كانت حالة مصر أثناء الحرب العالمية الأولى من أهم الأشياء التي مهدت للثورة ، وإذا رجعنا للوراء حتى عام 1840 فقد كانت مصر لها سيادة مستقلة بموجب معاهدة لندن التي تضمن عرش مصر في أسرة محمد علي باشا؛ تربطها سيادة اسمية بالدولة العثمانية، تتمثل في الجزية التي تدفعها مصر سنويا؛ كما يؤكد الرافعي.
تقلبات سياسية واقتصادية كثيرة عاشتها مصر منذ تلك المعاهدة؛ حتى وجدت بريطانيا مدخلا لفرض سيطرتها على مصر في الديون التي تراكمت عليها في عهد الخديوي إسماعيل.
تزايد هذا النفوذ في عهد الخديوي توفيق وبالأخص بعد هزيمة الثورة العرابية في مع وحتى عام 1914 وعندما قامت الحرب العالمية الأولى، كانت مصر لا تزال دولة تابعة للسيادة العثمانية، وإن كان النفوذ البريطاني فيها يزداد يوما بعد يوم.
وقفت مصر على الحياد في هذه الحرب العالمية.. كان هذا ظاهريا فقط أو قبل أن تعلن بريطانيا فرض الحماية على مصر، وكانت الفرصة سانحة لبريطانيا للمرة الثانية؛ فقد هددت تركيا بوضع مصر تحت الحماية إذا قررت المشاركة في الحرب. لكن تركيا لم تستجِب.
و يقول عبد الرحمن الرافعي في كتابه ثورة مصر تاريخ قومي من 1914 -1919 ” ، : «تغير موقف مصر تبعا لسياسة بريطانيا في الحرب؛ فقد تعاملت مع مصر كمستعمرة بريطانية» وقُضي على مصر بقطع علاقاتها مع الدول المعادية لبريطانيا واستخدام الموانئ المصرية في الحرب ، وداخليا ضيقت بريطانيا كثيرا على الحركات السياسية والمصريين عموما؛ فقد تم وضع قانون يمنع التجمهر وقانون للرقابة على الصحف ثم إعلان الأحكام العرفية ووضع مصر تحت الحكم العسكري، وأخيرا وضع مصر تحت الحماية البريطاني، وخلع الخديوي عباس حلمي الثاني، وتنصيب السلطان حسين كامل سلطانا على مصر ، ومن هنا أصبح الجيش البريطاني هو المسئول رسميا عن حماية مصر.ركة التل الكبير عام 1882.
بدأت بريطانيا في ممارسة التضييق على الحركات السياسية المصرية، أبرزها الحزب الوطني، الذي أسسه الزعيم الراحل مصطفى كامل، وعاقبت رموزه بالنفي أو الاعتقال، لكن هذا لم يمنع من تصاعد حركات سياسية أخرى تطالب إسقاط الحماية البريطانية عن مصر.
وفي عام 1918 شكل سعد زعلول بمشاركة عبد العزيز فهمي وعلي شعراوي، وفدا مصريا يسعى بشكل سلمي لاستقلال مصر عن بريطاني ، وكان على هذا الوفد أن يشارك في مؤتمر باريس للسلام لعرض القضية المصرية. لكن القدر لم يمهلهم حتى يتموا هذه المهمة، فقد اعتقلت بريطانيا سعد ورفاقه ونفتهم إلى جزيرة مالطا ، ولم يكن الوفد المصري يخطط للقيام بثورة على الإطلاق، بقدر ما كان يهدف للضغط على بريطانيا دوليا وداخليا للحصول على الاستقلال ، ولكن اعتقال الوفد المصري بهذا الشكل سبب في غضب كبير من الحركات السياسية. كان على رأسهم الحركة الطلابية التي قررت القيام بأول رد فعل عملي.
في فبراير عام 1915 قرر السلطان حسين كامل زيارة مدرسة الحقوق. يقول «الرافعي» إن الطلبة اتفقوا على عدم الحضور في هذا اليوم، وعندما وصل السلطان وجد المدرسة شبه فارغة؛ فكان هذا الإضراب أشبه بمظاهرة صامتة ضد الحماية البريطانية.. لم يمر الأمر بسلام وتم التحقيق وعوقب هؤلاء الطلبة بالفصل أو الامتناع عن الامتحان ، ويوم الأحد الموافق 9 مارس 1919 حدثت موقف مشابه لم يكن يعلم أحد أنه سينتهي بثورة.
في صباح الأحد امتنع طلبة مدرسة الحقوق عن حضور محاضراتهم. اجتمع الطلبة في فناء المدرسة، معلنين إضرابهم.. هتفوا بإسقاط الاستعمار وبحياة سعد زغلول الذي اعتقلته القوات البريطانية.
و تعتبر المظاهرات والمسيرات الشعبية ، هي البوتقة التي انصهر فيها حتمية النضال وحماس الثوار ، فقد خرج المتظاهرون في اليوم التالي لاعتقال سعد زغلول وهو يوم الاحد الموافق 9 مارس 1919 ، خرجوا بأعداد كبيرة ، بدأت بطلاب المدارس ، ثم تزايدت في الأيام التالية من شهر مارس ، لتشمل فئات وطوائف الشعب المصري .
وكانت احداث اول يوم بالثورة داخل القاهرة من شهداء ثورة 1919 الصادر عن” مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر ” كالأتي ، بدأت التظاهرات من قلب العاصمة بالقاهرة ، فخرجت طلبة المدارس تعلن بداية الثورة واضراب مصر العام وتسجل الأحداث أن طلبة مدرسة الحقوق هم أول المضربين ، فقدوأمتنعوا عن تلقي الدروس منذ صبيحة هذا اليوم وأجتمعوا في فناء مدرستهم بالجيزة يعلنون أنهم” لن يدرسو القانون في بلد يداس فيها القانون” ، وغادر الطلبة مدرستهم بالرغم من كل التحذيرات وتوجهوا الي مدرسة المهندسخانة ثم إلي مدرسة الزراعة وكلتهما بالجيزة ، فخرج معهم طلبة المدرستين ، ثم ساروا جميعا يهتفون بحياة مصر وزعامة سعد وذهبوا بعد ذلك إلي مدرسة الطب بالقص العيني ثم مدرسة التجارة العليا واتجه الطلبة جميعاً إلي ميدان السيدة زينب وقبل أن يبغلونة أدركهم رجال البوليس فأحطوا بمئات منهم وأخذوهم الي قسم السيدة ، وقد هددهم رجال البوليس باعتقالهم ان لم يذهبوا لبيوتهم ويكفوا عن التظاهر ، لكن الطلبة رفضت واستمروا في تظاهراتهم وانضم لهم طلاب جدد في الطريق حوالي 300 طالب .
ثم قام الطلبة في اليوم الثاني للثورةى الموافق 10 مارس باضراب عام في جميع مدارس القاهرة والأزهر وألف مظاهرة كبري واستمروا الطلبة في التظاهرات لعدة ايام غير خائفين من رصاص الأنجليز حتي أن قال عبد الرحمن فهمي في مذكراته ” لم تكن هناك أروع من أن الطلبة يقابلون رصاص البنادق بصدورهم ” .
وقد ابتدأت المظاهرات في البداية سلمية هادئة تردد شعارات وطنية مطالبة بالافراج عن سعد وكان منها ” تلك الشعارات التي ترددت اثناء الثورة ” الاستقلال التام أو الموت الزؤام ، نموت وتحيا مصر ” .
وكان المشهد في شوارع مصر في تلك الوقت جانب المصريين الثوار المدافعين عن حقوقهم .. يتظاهرون بانفسهم لم يكن معهم اي نوع من الاسلحة في مقابل تصدي قوات الانجليزي لهم بأسلحة متطورة حديثة من بنادق آلية ومدافع رشاشة ودبابات مدرعة ، حتي الطائرات استخدموها في ضرب المظاهرات واستخداموا المراكب النيلية المسلحة للوصول الي الأماكن النائية والتي أنقطع عنها المواصلات ، ولم يطلق جنود الانجليز أحدا في المظاهرات ألا وأطلقوا عليه الرصاص ، قد بلغ تقدير عدد قتلي وشهداء ثورة 1919 لانحو ثلاثة آلاف قتيل هذا بخلاف الجرحي والمشوهين وكان اول الشهداء طالب يدعي محمد عزت البيومي وقتل يوم 11 مارس في المصادمة التي حدثت بين المتظاهرين والجنود البريطانيين علي مقربة من كوبري شبرا ، وقد سجل دفتر وفيات قسم السيدة زينب وفاة الطالب الثاني يوم 19 مارس وهو مصطفي ماهر أمين الذي كان طالبا بالمدرسة السعيدية بالسنة الثالثة الثاوية ولم يكن يتجاوز السادسة عشر من عمره ، وشيعت جنازته في موكب رهيب سار فيه طلبة المدارس العالية والأزهر وجموع من مختلف طبقات المجتمع ، ولف النعش بعلم مصري كتب عليه ” ليحي الاستقلال – شهيد الحرية ” ، وحمل النعش أربعة من طلبة مدرسة القضاء الشرعي وسارت الجنازة من الفجالة حتي القصر العيني ليدفن بمدافن عابدين .
وقد عمت المظاهرات بعد ذلك ربوع مصر ، وكانت المشاهد لم تختلف عن العاصمة القاهرة قليلاُ ، فقد بدء بمعظم المحافظات الطلبة ايضاً المظاهرات وكانت المشاهد فيها كالأتي :
الإسكندرية
وفي محافظة الإسكندرية عندما وصلت إليهم انباء مظاهرات القاهرة ، اتفق طلبة المدارس والمعاهد الدينية منها علي الاضراب ونفذوا عزمهم يوم 12 مارس وساروا يهتفوا للحرية والاستقلال ، وقج قبض علي 60 شخص من الطلاب حجزوا في الأقسام ، ولم يتوقف الطلبة عن التظاهر فقد نظموا مسيرة اخري يوم 16 مارس ضمت جموع من طلبة المدارس والمعاهد الدينية والتجار والمصانع وعمال السكك الحديدية والفتارات والأحواض وورش الحكومة .
وقد تعهد الجنود البريطانيين بعد لايتعرضوا للمتظاهرين مادام التظاهرات تسير بسلمية ، ولكنهم نقضوا عهدهم مع الطلبة الذين خرجوا في اليوم التالي الموافق 17 مارس من ميدان ابي العباس وساروا حتي الانفوشي ، فاطلق الجنود البريطانيين النار علي الطلبة الامر الذي كان غير متوقع وترتب عليه وقوع اول شهيد بمظاهرات الإسكندرية فقتل منهم 16 طالب اعمارهم ما بين الثالثة عشر واواخر العشرينيات وبلغ عدد الطلبة الذين اعتلقوا في ذلك اليوم 415 طالب من المعهد الديني فقط .
ولم يقف الطلبة بل زدوا عزيمة ونظموا مظاهرة كبير في اليوم التالي الموافق 18 مارس ، واستمروا في تظاهرتهم وسط رصاص الأنجليز الذي ينهال عليهم .
وفي محافظة طنطا اضرب الطلاب المدارس الثانوية عن تلقي الدروس وألفوا مظاهرة سلمية يوم 11 مارس وساروا بالمظاهرة الي محطة السكة الحديد بكل سكينة وهناك منعوا القطار الذاهب من طنطا الي أشمون عن القيام في ميعاده ساعتين اظهاراً لشعورهم كما اوقفوا ايضاً القطار القادم من شبين الكوم الي
طنطا ، وكان من اول شهداء محافظة طنطا الطالب مرزوق محمد اسماعيل طالب بالمعهد الأحمدي من منيل الهوشيات مركز طنطا .
مدينة زفتي
بدأت حوداث زفتي في الأيام الأولي للثورة ففي 14 مارس قرر طلبة المدارس الخروج في مظاهرة و ألفوا شارع المدينة وهم يهتفون لمصر مطالبين بالاستقاالا ، وانزلوا العلم الذي كان عليها ووضعوا علما وطنيا ايذانا باعلان الاستقلال .
منيا القمح
وفي منيا القمح نظم طلبة المدارس مظاهرة كبري يوم 15 مارس وفي تلك المظاهرة طاف الطلبة بشوارع المدينة وهتفوا لمصر وحرية البلاد أمام المحاكم الشرعية والمحاكم الأهلية ، ثم انضم اليهم الأهالي من جميع الأطياف وقم اتصدما بالجنود البريطانيين ودرت معركة دامية وقع فيها قتلا كثيرة .
كفر الشيخ
وفي كفر الشيخ قامت المظاهرات منذ يوم 15 مارس وقد ألف تلك المظاهرات طلبة المدارس وأنضم اليهم بعد ذلك أهالي المدينة حتي ازدحمت الشوارع بجماهير الآهالي.
وفي يوم 16 مارس استمرت المظاهرات من الطلبة ثم اتسعت بأنضمام الشعب اليها حتي بلغ عدتها عشرة آلاف شخص وهاجم المتظاهرين بناء المركز زقذفوه بالطوب والحجارة فأتلفوا نوافذه وأطلق الجند الرصاص علي المتظاهرين فقتلوا واحد منهم .
دمياط
بدأت التظاهرات في محافظة دمياط بدرجة كبيرة واضحة منذ يومي الخميس والجمعة 13، 14 مارس وقد قاد تلك المظاهرات طلبة المعهد الديني ، فطافوا بشوارع المدينة بكل هدوء وسكينة ولكن حدث أن استغر البعض تلك الفرصة فأحدث تلفيات وتعدوا علي بعض المخازن .
المنوفية
بدأت حوداث المظاهرات في مدينة المنوفية ببندر شبين الكوم عاصمة المديرية ، وكان ذلك من 11 مارس ، حيث خرج طلاب المدارس في مظاهرات طافت شوارع المدينة واتجهوا الي محطة السكة الحديد ومنعوا القطار من التحرك ولم يسمع له بذلك الا في وقت متأخر .
وأخذت مختلف طوائف الشعب تنتهز أية فرصة أو مناسبة لتأخذ البادرة وتعبر عن رأيها في طلب الحرية واستقلال مصر ، ومن هذه الفرص انتهازهم مسيرات دفن الشهداء الي مثواهم الأخير ، وكانت تلك المسيرات من العلامات التي لا تنسي في ثورة 1919 ، فقد كان المشيعون ينتظمون في صفوف مرتبة كل حسب فئاتة ، فيسير خلف الشهداء الطلبة يليهم بعض من رجال العلم ، ويتقدم الجميع فرق من الموسيقي تصدح نغما حزيناً.
أسيوط
بدأت الثورة في أسيوط علي شكل تلغرافات للحكومة ومسيرات سلمية ، ففي 10 مارس 1919 أرسل أهالي أسيوط وبعض الهيئات تلغرافا الي السلطان في مصر جاءفيه ” يتشرف الموقعون علي هذا أعضاء الهيئات النيابية بأسيوط وتجارها وأطبائها ومحاميها وأهليها بأن يرفعوا الي عظمتكم أسفهم الشديد علي ما قامت به السلطة العسكرية من القبض علي حضرة صاحب المعالي سعد باشا زغلول وبعض أعضاء الوفد المصري ، وهم لم يخرجوا عن حدود القانون ، بل اقتصروا علي المطالبة بحق الأمة المصرية في التمتع بحريتها السياسية واستقلالها التام طبقا لمبادئ الصلح العام التي أعلنتها الدول وقررت فيها أن كل أمة تظهر رغبتها في كيفية حكم نفسها ” وجاء في التلفراف أيضاً ” أن الأمة المصرية يا عظمة مولانا تنتظر منكم أن تمدوا أيدكم العالية بهمة جدكم العظيم محمد علي للأخذ بيد الأمة والاخراج عن أولئك الذين ما فعلوا سوي أن نابوا عنا في التعبير عن آمالها وأمانيها فأن كل ما يوجه لهم انما يوجه ضد الأمة بأسرها .
وإلي جانب ذلك خرجت مظاهرات سلمية أيضا ً علي أثر وصول الأخبار بأعتقال سعد زغلول وزملائه ونفيهم ، وأضرب في هذا اليوم طلبة المدارس الثانوية الأميرية ومعهد أسيوط الديني ومدرسة الامريكان ومدرسة أخوان ويصا .
بدأت الحكومة البريطانية بعد تعاقب الحوادث أن سياسة قمع الثورة بالقوة والبطش قد تفضي إلي إخمادها ، إلا انها وسيلة عكسية لا تؤدي إلي الغرض الذي ترمي إليه ، لأنها تؤجج نار العدواة والبغضاء في النفوس وتزيد في حفيظة الشعب عليها فرأت وقد اخذت الثورة بالشدة حينا ، أن تنجح ولو مؤقتا لمهادنتها ، والتخفيف من حدتها ، والتحبب ظاهرا إلي الأمة ، وإذا اعتقدت أن السبب المباشر للثورة هو اعتقال سعد وصحبه ، فقد صح عزمها علي أن تقرر الإفراج عنه ، والترخيص للوفد ولمن يشاء من المصريين بالسفر إلي أوروبا ،،وبذلكرتجتذب قلوب الشعب ، وتكسر من حدة ثورته ، وبهذا نصحها الجنرال أللنبي السامي البريطاني ، وأرجي لها لهذا الرأي في برقية بها إليها في 31مارس ولما يمض علس قدومه إلي مصر أسبوع ، فأخذت الحكومة البريطانية بنصيحته.
ولما استقر عزمها علي إصدار هذا القرار مهد السلطان فؤاد للإعلان بمنشور إلي الأمة ، أذاعه مساء الأحد 6ابريل سنة 1919 ، نصحها فيه بالكف عن المظاهرات ، والإخلاد إلي الهدوء والسكينة ونشر في الوقائع المصرية ، وفي الصحف اليومية جميعها واسترعي الأنظار ما فيه من روح التضامن مع الشعب في شعوره الوطني وكان هذا أول منشور للسلطان بهذا المعني ، وظهر الفرف جليا بينه وبين كتابه إلي رشدي باشا غداة ولايته العرش.
وأصدر السلطان منشورة إلي الأمة بهذا المعني الجديد ، فأدرك الجمهور أنه مقدمة لعمل سار، ستفاجأ به البلاد قال : ” إني أنشر بين قومي هذه الكلمات التي كانت تختلج بصدري من الوقت الذي اخذت تتوارد إلي فيه ملتمسات الأماني القومية نحو مستقبل البلاد ،وإني بالطبع ، لاغني بالبلاد إلا بلادنا المباركة ، لا اعني بالبلاد إلا وطننا العزيز ، هذا الوطن الذي اقتضت حكمة الله أن يكون جدي الأكبر محمد علي الكبير أكرم الله مثواه صاحب عرشه ، جلس جدي رحمه الله علي عرش مصر والوقت عصيب والفتن سائدة والقوم في شقاء، بين ظلم الحكام وظلمات الجهالة ، فتعب في راحة الوطن العزيز وسهر علي أمنه وسعادته ، ونشر في أرجائه رايات العدل وأنوار العرفان فضرب لنا بذلك مثلا شريفا لا يجدر بنا أن نضل بعده أبدا، فكلما شعرت بدم هذا النابغة العظيم يجري في عروقي أشعر بمحبة هذا الوطن العزيز الذي لا ترضي نفسي بأن يكون محبوبا لغيري أكثر مني فيزداد اهتمامي بما يعود عليه من الخير والسعادة بعون الله ، ولما كنت عاملا علي هذا المبدأ الشريف بكل ما في وسعي فإني أطالب أبنائي المصريين بما لي من حق الأبوة عليهم أن يتناصحوا بعدم الاستمرار علي المظاهرات التي كانت عواقبها غير محمودة في بعض الجهات وأن يخلدوا إلي الراحة والسكون وانصراف كل إلي عمله وهذه هي يد المساعدة التي أطلبها منهم ، وأسأل الله القدير أن يمدنا في جميع أحوالنا بتوفيقاته الصمدانيه وأن يهيئ لنا في أعمالنا من أمرنا راشدا.
وفي اليوم التالي الاثنين الموافق 7 أبريل أعلن الجنرال أللنبي قراره بالإفراج عن سعد وصحبه وإباحة السفر للمصريين وأصدر بذلك مشورا قال فيه ” الآن وقد عاد النظام بنجاح عظيم فبالاتفاقد مع حضرة صاحب العظمة السلطان أعلن أنه لم يبقي حجر علي السفر ، وأن جميع المصريين الذين يريدون مبارحة البلاد تكون لهم هذه الحرية ، وقد قررت علاوة علي ذلك أن كلا من : سعد زغلول باشا ، إسماعيل صدقي باشا ، محمد محمود باشا ، وحمد الباسل باشا يطلقون من الاعقال ويكون لهم كذلك حق السفر ” .
وننهي قصة كفاح الطلبة في ثورة عام 1919 بوصف عبد الرحمن الرافعي في كتابة الذي قال “لم يكن الظن بادئ الأمر أنها ثورة» فقد كانوا يعتبرونها مجرد مظاهرات أو احتجاجات بدأها الطلبة في الجامعات.. أطلقت عليهم قوات الاحتلال البريطاني بعض الرصاصات ثم سينتهي كل شيء في ساعات.. لكن الأمر خرج عن توقعات الجميع” .