أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والسياسة الداخلية
نشرت جريدة الأهرام بعدد يوم الثلاثاء 1992/3/3 بصفحتها الأولي خبرا عن سرقة تمثال نادر لإله الحرب سخمت. وقد ذكر الخبر أنه وقعت ليلة السبت السابق في الأقصر واحدة من أكبر وأغرب جرائم سرقة الآثار المصرية.. فقد تمكن اللصوص من سرقة تمثال نادر من الجرانيت الأسود للإله سخمت إله الحرب في الدولة الفرعونية, وذلك من معبد موت جنوب مجموعة من معابد الكرنك بالأقصر. كما ذكر الخبر أن التمثال المذكور يبلغ وزنه نصف طن, وبعرض نصف متر وارتفاع متر واحد تقريبا.
كيف, بالله عليكم, يسرق هذا التمثال رغم أن المعبد الذي كان مقاما فيه في وسط مدينة الأقصر ومزود بالإضاءة الليلية وعليه حراسة مشددة؟ ولسرقة هذا التمثال لابد من وجود ونش لرفعه ووضعه علي سيارة نقل.. فكيف دخلت هذه السيارة وأيضا الونش إلي داخل المعبد وتم رفع التمثال ووضعه فوق السيارة.. وخروج هذا المهرجان من المعبد المضاء وتحت نظر الحراسة المشددة علي المعبد؟ الموضوع يحتاج إلي تمعن وتفكير, من يجرؤ علي القيام بهذه العملية إلا إذا كان علي صلة قوية وبالاتفاق مع الموجودين؟ ثم كيف أخفي هذا التمثال؟
إن سرقات الآثار أصبحت عملية مستمرة, فكم اكتشفت سرقات من المقابر التي تم اكتشافها برفع بعض اللوحات من حوائط هذه المقابر بوسائل مختلفة, لابد للقيام بها من اتفاق وتعاون تام مع أجهزة الحراسة علي تلك المقابر. ونسمع عن قيام رجال الأمن والآثار بالتحقيق مع المسئولين عن الحراسة, ثم ينتهي الموضوع إلي حفظ التحقيق وكأن هذه الآثار لا تهم أحدا, بل وكثيرا ما يقوم بعض الأهالي بالتنقيب في جهات أثرية ويكتشفون بعض المقابر أو الآثار, ثم يسرقونها ويقومون ببيعها في الخفاء!
أما عن سرقة الآثار من مخازن هيئة الآثار المنتشرة في طول البلاد وعرضها, وكذا من المتاحف الإقليمية فحدث عنها ولا حرج, فضلا عن السرقات التي تعرض لها المتحف المصري عدة مرات, وما سرقة عصا توت عنخ آمون وغيرها من الآثار ببعيد, هذا بخلاف السرقات التي لم تكتشف بعد- بالرغم من أن هذا المتحف يخضع لحراسة مشددة ووقوعه في وسط القاهرة, وانتهي التحقيق في جميع هذه السرقات إلا لا شيء, وضاعت علي البلاد هذه الآثار التي لا تقدر بثمن.
إن الآثار التي علي وشك الانهيار بسبب ارتفاع المياه الجوفية سواء كانت آثارا فرعونية أو قبطية أو إسلامية, أصبحت مشكلة تخضع لدراسات متكررة لا تنتهي ولا تصل إلي نتيجة كمشكلة أبو الهول, والظاهر أنهم لن يصلوا إلي حل هذا المشكل حتي تنهار هذه الآثار وتصبح أثرا بعد عين! وكم سمعنا عن أعمدة معبد الكرنك وظهور النشع عليها والأملاح تغطي الأجزاء السفلي منها, كما أن المياه الجوفية تغرق الكثير من الآثار القبطية والإسلامية, وكم من الكنائس القبطية الأثرية تغطي المياه الجوفية الأجزاء المنخفضة منها وتهددها بالانهيار بالرغم من قيمتها الأثرية الكبيرة, وزيارة السائحين لها باستمرار -وأن ما حدث للكنيسة المعلقة وكنيسة أبوسرجة أبلغ مثال لهذا الإهمال والاستهتار.
إني أقترح علي الدولة أن تلجأ لليونسكو لتقوم بإدارة متاحف مصر وآثارها المختلفة من أقصي الصعيد إلي مدينة الإسكندرية والإشراف عليها من جميع النواحي, سواء المحافظة عليها وصيانتها وترميمها وموالاتها بالخبراء العالميين لدراسة كل ما يعتورها من مساوئ لمعالجتها, وإنني أؤكد للدولة أن في هذا تتحقق المحافظة التامة علي هذه الآثار التي يفخر بها العالم, من كل ما يسيء إليها سواء كان إهمالا أو سرقة أو انهيارا.
كما أرجو عدم محاولة استرداد الآثار المصرية من متاحف العالم المختلفة وتركها بهذه المتاحف التي تقدر قيمتها وتحميها من أي خطر يحيق بها, وبدلا من إحضارها إلي مصر لتسرق أو تتحطم أو تنهار ونخسرها نهائيا.