في ثقافتنا العربية والمصرية,ينشأ الفرد علي قبول التربية التسلطية,ويتعود علي الاستجابة لطلباتالسيد في البيت والمدرسة والشارع.بينما واجبنا أن نعود أطفالنا علي حرية إبداء الرأي,وعلي إلقاء الأسئلة حتي لو لم نجد لها إجابة…وأن نغرس حب الاستفسار في وعي الصغار,وأن نسمح للشباب والشابات بممارسة الحوار بعفوية دون وصاية أو تلقين.
لقد نشأنا علي الخوف من الكلام إلي حد القمع,فلا يجوز لنا التحدث في وجود كبار,ولا مناقشتهم حتي لو كان في كلامهم خطأ…!ومعظمنا إن كان له رأي فإنه يخشي إعلانه ويخفيه في صدره,أو يهمس به في خوف وتردد…!ومنا من يتسمر ساعات أمام التليفزيون ثم يتبني وجهة نطر الآخرين…أي أننا نترك صغارنا إلي أن يصبحوا عجينة طيعة في يد من نتركه يشكل رؤيتنا وقناعاتنا.
تقول أم عربية:اكتشفت أني ككل البالغين نقول غير ما نفعل.عرفت هذا عندما كبر الأبناء مع أنني حرصت أن أغرس فيهم, وهم صغار, حرية التعبير عن الرأي,ومع هذا كانوا في أوقات كثيرة يقبضون علي متلبسة بفعل تسلطي استبدادي يتنافي مع الديموقراطية…!أحيانا أتخذ قرارات كثيرة دون الرجوع إليهم,وإن رجعت إليهم كتنفيذ لقناعتي بضرورة المشورة,ففي النهاية يكون ما أراه هو النافذ أحيانا يحجم أبنائي عن الاستجابة لدعوتي عندما أطلب منهم أن يتشاركوا معي,ربما عن يأس أو عن قرار بالتجاهل…لكن عندما ألح عليهم في رأي تأتي الإجابة كاللطمة:ما الفائدة والقرار قرارك في آخر الأمر؟!أراجع نفسي وأخجل منها,لكن ما زال الأمر مستمرا.
بعدئذ في العمل والحياة العامة فإن المسئول يمارس استبدادا علي مرؤوسيه…حتي الموظف الصغير يستبد بأصحاب الحاجات الذين وظف لخدمتهم.والمدرس يصبح هو السيد في الفصل والطلبة عليهم السمع والطاعة فلا مناقشة ولا سؤال.وبعض المعلمين والمعلمات يستفزه الطالب المخالف أو كثير الأسئلة مهما كان متميزا فهم يعتبرونه معيقا أمام ثقافة التسلط التي نشأ عليها.
لكن عندما تعطي المدرسة للتلاميذ الحق في فتح باب المناقشة وإبداء الرأي والاستماع للرأي الآخر باحترام وعندما تقوم المدرسة بتنمية شخصية الطالب سواء في الفصل أو الألعاب أو الأنشطة وكذلك عندما تعمل علي تنمية روح العمل كفريق فإن هذا يساعد الطالب علي فهم وتقدير الآخر حتي إذا اختلف عنه في شيء أو رأي.
مثلا عندما يقوم تلاميذ كل فصل بانتخاب من يمثلهم أمام إدارة المدرسة للتعبير عن مطالبهم أو عند أخذ أصوات تلاميذ الفصل فيما يهمهم مثل الذهاب إلي رحلة أو إقامة حفلة,وذلك لترجيح رأي الأغلبية,فإن هذه المواقف تساعد علي تعميق روح المشاركة وتقبل آراء الآخرين واختياراتهم واحترامها.
وقد قدمنا كثيرا من القصص التي تبين للصغار منذ طفولتهم أنه أحيانا يمكن أن يكون للمسألة الواحدة أكثر من إجابة صحيحة وأنه يمكن أن تكون إجابات الآخرين مختلفة عن إجابتي لكن يمكن أن تكون صحيحة أيضا! وبذلك يتعلمون احترام الرأي الآخر,وأن الصواب قد يكون له أكثر من وجه,ففي إحدي القصص تقول المشرفة لصغار الأطفال:تذكروا هذا دائما:عندما نسألكم عن لون مكعب نضعه أمامكم لايكفي أن تركزوا بصركم علي وجه واحد للمكعب هو الوجه المواجه لكم,بل لابد من الدوران حول المكعب بل أن تقلبوه أيضا رأسا علي عقب لرؤيته من أسفل ومن أعلي,حتي نستطيع أن نراه من جميع جوانبه قبل أن نقول: إننا قد عرفنا لون أو ألوان أوجه المكعب.
وفي قصة أخري يقول كاتب مشهور عن قارئ أرسل إليه خطابا يوجه إليه فيه عبارات غير لائقة فطلب منه زيارته…يقول الكاتب:لم يكن من المهم أن يقتنع بوجهة نظري ولا أن أوافقه علي وجهة نظره…الشيء المهم أن كل واحد منا استطاع أن يفهم الآخر,وأن يدرك كل واحد منا أن الثاني قد كون رأيه نتيجة اقتناعه به,وليس تحت تأثير أية دوافع خارجية أو لمجرد ترديد آراء آخرين!!.
يعقوب الشاروني
رائد أدب الأطفال
[email protected]