خطوة نحو المستقبل
بمناسبة يوم المرأة العالمي وعيد الأم
في الثالثة صباحا !!
حكي مهندس من أصدقائي, قال: كنت أعمل في أسوان، وذات مرة دق جرس التليفون بعد منتصف الليل دقات متواصلة، فاستيقظت منزعجاً ورفعت السماعة، كانت مكالمة من مسافة بعيدة.. سمعت صوت أمي تقول: هذا أنت يا بني؟ قلت في اضطراب: أمي.. ماذا حدث؟!
سمعتها تضحك وهي تقول: لا شيء.. اليوم يوم عيد ميلادك.. كل سنة وأنت طيب.
زال اضطرابي وقد تذكرت أنني أكملت الثلاثين، لكن أثر المفاجأة كان مسيطراً علي، فقلت: لقد انزعجت جدا عندما وجدت من يوقظني بالتليفون في الثالثة صباحا! أجابت أمي في صوتها المرح: لقد أيقظتني من فراشي في الثالثة صباحاً في مثل هذا اليوم منذ ثلاثين سنة، وقد وجدت الليلة أن هذا الوقت مناسب لرد الجميل!!
الأم التي انتزعت الباب!
يحكي أن امرأة فقيرة كان عندها طفلين، لكن لم يكن لديها فراش أو غطاء، ولا حتي ملابس كافية للولدين. في إحدي ليالي الشتاء الممطرة، أخذت قطرات المطر تنزل من ثقوب السقف. فكرت المرأة في طريقة تحمي بها الولدين من ماء المطر، فوجدت أمامها الباب الوحيد في بيتها، الذي يفصل بين الغرفة ودورة المياه.
أسرعت الأم وانتزعت ذلك الباب من مكانه، ووضعته في ركن الغرفة فوق المكان الذي ينام فيه الولدان. وأخذت قطرات المطر تنزل من ثقوب السقف، وتنحدر علي خشب الباب بعيدا عن طفليها، والأم تتذمر قائلة:
لماذا تتركنا الأيام حتي نصل إلي هذه الحال المؤلمة من الفقر؟.
عندئذ سمعت أحد الولدين يهمس قائلا: ماما.. ماما.. هل تتصورين ماذا يمكن أن يحدث لغيرنا من الأطفال، إذا كانت أمهم لا تملك مثل هذا الباب تغطيهم به؟.
الذين تركوا وسط النهر
عندما فاض النهر وتفرقت الأسماك عن بعضها، خافت سمكة القرموط على أولادها الصغار من الأخطار التي قد تواجههم، فنبهتم قائلة: يا أبنائي، لا تبتعدوا عن وسط النهر، لكي لا يصطادكم أحد الصيادين.. لكن الصغار لم يهتموا بكلام أمهم وقالوا: أمنا دائمة الخوف علينا، لقد نسيت أننا كبرنا، وأصبحنا قادرين على التخلص من كل ورطة نقع فيها بحيلتنا وقوتنا.
وابتعدت الأسماك الصغيرة عن وسط النهر، حتي أصبحت في المياه الضحلة التي رفعها الفيضان فوق الحقول.. أثناء لعبها تراجعت مياه النهر إلي المجري الرئيسي، وانكشفت أرض الحقول، فأخذت القراميط الصغيرة تتقلب دون أن تجد طريقاً إلى النجاة.. فسقط بعضها علي الأرض ميتاً، واصطاد الصيادون بعضا آخر. ولم يستطع العودة إلى الأم إلا عدد قليل، حكوا لها ما حدث لإخوتهم، فقالت في حزن: آه لو عرف الأولاد أن وصية الأم دائما لخير الأبناء، لأنه ليس هناك حب أصدق من حبها لهم، ولا رعاية أقوى من رعايتها لهم.
رقم ثلاثة
دخل سالم حجرته, ونظم مكتبه وفراشه، ثم أخرج من حقيبته ورقة مكتوبا عليها رقم (3), علقها علي باب الغرفة.
بعد قليل جاء لزيارته بعض الأصدقاء، وعندما رأوا هذه الورقة أخذوا يضحكون، ويظهرون دهشتهم من هذا الرقم المكتوب علي الباب، فقال لهم: سأخبركم بقصة هذا الرقم.. أمي هي التي طلبت مني وضع هذه الورقة أمامي لأتذكر دائما أنني رقم (3). فرقم (1) يذكرني بالله عز وجل ويجب أن أتذكره قبل أي شيء، ورقم (2) لأتذكر من حولي من الناس الذين يجب أن ينالوا اهتمامي دائما، ورقم (3) هو أنا..
وكثيرا ما أنسي هذه الحقيقة، لذلك أرادت أمي أن أضعها أمام عيني، لأتذكر دائما أنني رقم ثلاثة.
إنكم لا تعرفونه
كان لأم ابن اسمه إبراهيم، تنصحه دائما أن يتجنب الشجار أو الخصام مع زملائه. في أحد الأيام عاد إبراهيم من مدرسته، مكتئباً وهو يقول متذمراً: يجب أن أعامل زملائي بشدة كما يعاملونني، لكي لا أفقد احترامهم.
قالت أمه في هدوء: من يخاصم الناس لن يكون أفضل من الحيوانات، التي تهجم على من يهجم عليها. أجاب والدته في تصميم: الأولاد لا يخافون إلا من الشرس، ولا يحترمون الضعيف. ابتسمت الأم وهي تربت علي ظهره برفق:
يا بني، مهما يحدث، يجب أن تسيطر علي نفسك وعلى مشاعرك لكي تكون أنت الأفضل.
بعدئذ, عندما يحاول بعض الزملاء إثارته، كان يحاول السيطرة علي غضبه، ولا يستجيب لاستفزازهم. وشيئا فشيئا كف زملاؤه عن إثارته، لكن ظل بعضهم يشير إليه ويقول: إبراهيم الجبان.
في أحد الأيام سأل المدرس تلاميذه: هل تعرفون إبراهيم منصور؟ قالوا: نعرفه.. إنه يجلس هناك. وأشاروا إليه، فقال المدرس: بل إنكم لا تعرفونه.
وعندما أظهر تلاميذ الفصل دهشتهم، قال لهم مدرسهم: لا تستغربوا.. فقد لاحظت أن بعضكم يناديه باسم الجبان لأنه لا يريد أن يتشاجر مع أحد منكم، لكنني أقول لكم: إنه تشاجر مع أكبر عدو له. قالوا له في دهشة: من؟ أجاب المدرس: لقد تغلب على الشر في نفسه.
يعقوب الشاروني
email: [email protected]