لم يكن يخطر ببالي وأنا أقرأ كتابا تحت عنوان: الكنائس والتغير الاجتماعي السريع للاهوتي بول أبرخت أن يحدث هزة في العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة الدينية, فما هي هذه الهزة؟
كان أبرخت وقت صدور كتابه في عام 1961 رئيسا لقسم الدراسات لمجلس الكنائس العالمي الذي تأسس في أغسطس 1948 وكان من مؤسسي هذا بمجلس وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس. وموجز نظريته أن ثمة طريقين للدفاع عن الرأسمالية الأمريكية: طريقا سلبيا يتمثل في المعونة الاقتصادية والعسكرية. وطريقا إيجابيا يدور حول ضرورة توحيد القوي الدينية والروحية في القارات الثلاث: إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وفي هذا السياق صدر الكتاب الذي أشرف علي تحريره بعد أن سافر مع فريق عمل إلي المناطق المنصوص عليها في المنحة التي قدمها جون روكفلر إلي مجلس الكنائس العالمي. وفي ذلك الكتاب يقول أبرخت: يجب علي الكنائس الاهتمام بالتغير الاجتماعي السريع لأن الإنجيل مكرس لهذا العالم بما في ذلك عالم الشئون الإنسانية المتغيرة. وفي هذا السياق قرر المجلس بأن علي الكنيسة مواجهة الوطن والدولة علي أنهما تحت سلطان الله ورحمته. وينبغي أن تكون الكنيسة مهيأة للصراع مع الدولة في أي وطن وتحت أي نظام سياسي. ويحدد المجلس الظروف التي يمكن للكنيسة أن تدخل في صراع مع الدولة بحكم الضرورة. وهذه الظروف يوجزها المجلس في ظرفين: حركات التصنيع والدعوات القومية.
واللافت للانتباه هنا أن هذه الدعوة مرادفة لدعوة الحاكمية لدي المركز الإسلامي بجنيف برئاسة سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا. ويقع المركز بالقرب من مبني مجلس الكنائس العالمي بجنيف بسويسرا.
تحدثت في أمر هذا الكتاب مع الأب متي المسكين فوافق علي إصدار نشرة تحت رعايته تحتوي علي نقد لتوجهات ذلك المجلس من حيث هي توجهات سياسية بمرجعية دينية, وقد كان. وإثر ذلك انعقدت اللجنة المركزية للمجلس ثم أرسلت تقريرا إلي وزير الداخلية وقتذاك زكريا محيي الدين تدافع فيها عن آرائها. وعندئذ طلب الرئيس جمال عبدالناصر من الصحفي سامي داود أن يلتقيني لمعرفة أبعاد ذلك الانزعاج قبل أن يتسلم تقارير من الأجهزة الأمنية السيادية, وقد كان. وإثر ذلك اللقاء شكل الرئيس عبدالناصر لجنة ثلاثية من كمال الدين رفعت أمين عام الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي وحسين فهمي رئيس تحرير جريدة الأخبار وسامي داود لتقديم تقرير شامل, وقد كان. وفي عام 1962 وصل إلي القاهرة القس الهندي بول فرجيز سكرتير عام مساعد المجلس في محاولة لإقناعي برسالة المجلس فلم أقتنع.
وفي 1969/6/12 شاركت في مؤتمر ممثلي جميع الأديان في الاتحاد السوفييتي من أجل السلام, بدعوة من نيقوديم أسقف ليننجراد. وهناك التقيت القس فرجيز الذي قدمه رئيس المؤتمر علي أنه أعظم لاهوتي في القرن العشرين. وكانت المفاجأة مذهلة عندما سألته عن أحوال مجلس الكنائس العالمي فأخبرني أنه استقال منه والسبب أنه اكتشف أن هذا المجلس ليس علي وعي بما يريد. ومن هنا يمكن القول: إن هذه الاستقالة تنطوي علي لزوم نقد الفكر الديني إذا أردنا منعه من أن يتحول إلي فكر أصولي. أما وقد تحول علي نحو ما هو حادث الآن فالكل أصبح في حالة هزة بلا استثناء فما العمل؟ إنه سؤال القرن الحادي والعشرين.