الدكتورة هدى ذكريا: ليست ظاهرة والضجة الاعلامية وزيادة الوعى جعلها غير مقبولة
الدكتور جمال فرويز : ليس مرض نفسي بل الانهيار الثقافى والاخلاقى والسلوكي
الدكتورة سامية خضر : نحتاج تنقيح مواقع التواصل الاجتماعى وعودة لوزارة الإرشاد الثقافي
فى الآونة الأخيرة تدوالت صفحات الحوادث والأسرة أخبار عن قتل آباء وأمهات لابنائهم بل بلغ الأمر أن تم رصد 3 جرائم في يوم واحد في ثلاث محافظات فى مصر ، ومن خلال رصدنا لهذه الجرائم في الفترة من شهر فبراير 2018 حتى هذا الأسبوع ، وجدنا حوالي 35 جريمة قتل للأبناء على يد أحد الأبوين أو كلاهما .
ورغم أن الأبوة والأمومة غريزتان فطريتان من أقدس ما يكون ، فبعد أن كانت الأسرة هي الحصن المنيع والسند الذي يحمى حياة الأبناء من أخطار المجتمع ، وجدناهم يقتلونهم .
ويفرق العالم أميل دوركايم الباحث فى علم الإجتماع بين الظاهرة الاجتماعية والمشكلة الاجتماعية بأنّ الظاهرة الاجتماعية لا يكون لها حكم مجتمعي سابق كالزواج، والطلاق والهجرة، أمّا المشكلة الاجتماعية فيكون لها حكم سابق من المجتمع حيث تكون غير مرغوبة، كما أنّ لها عقاباً في حال حدوثها مثل جرائم المخدرات، والتحرش الجنسي، والعنف ضد الزوجات، ومن الجدير بالذكر أنّ الظاهرة الاجتماعية تتحول إلى مشكلة اجتماعية في حال كانت المشكلة حاصلة فعلاً بين الأفراد وليست من محض الخيال، بالإضافة إلى أنّه يجب أن يدرك الناس وجود هذه المشكلة، ويُطلَق على الظاهرة الاجتماعية أنّها مشكلة اجتماعية في حال تحقيقها لعدد من الشروط، وهذه الشروط هي: أن تكون الظاهرة سلبية ومرفوضة من قِبَل أفراد المجتمع. أن تؤثر الظاهرة السلبية في عدد كبير من الأفراد في المجتمع. أن تعبّر الظاهرة السلبية عن تصرف جماعي وليس فردي. أن يشعر أفراد المجتمع بضرورة التخلص من هذه الظاهرة السلبية بأي طريقة كانت.
لذا نتطرق فى هذا التحقيق إلى أسباب هذه الجرائم، وهل هذه ظاهرة جديدة تجتاح مجتمعنا المصري وما هي الدلائل على ذلك، ام هي أحداث متكررة وساعد على أنتشارها مواقع التواصل الاجتماعي، وبغض النظر هل اصبح العنف داخل الأسرة سمة واضحة مع انتشار العنف في العالم كله فنالت الأسرة نصيبها من ذلك، وما هي الحلول .
جريمة وبها ظلم للآباء
في البداية نتحدث إلى الدكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع، والاستاذة بجامعة ألفريد بولاية نيويورك، التي أكدت أنه يجب اولا ، أن نعرف أن هذه حوادث تقع تحت مسمى الجريمة العائلية وليست ظاهرة، فتعريف الظاهرة يمكن أن نوضحها أنها مثلا مثل الزواج فكل المجتمعات بها زواج وكل الأجيال بها زواج، بالتالي يمكن أن نعرف الظاهرة انها حدث يوجد في كل مكان وكل زمان وبكل المجتمعات مهما اختلفت هذه المجتمعات ، كما أن التعليم ظاهرة لأنه في كل المجتمعات رفم اختلافها، وكذلك الطلاق لأنها منتشرة في جميع بلاد العالم والمجتمعات .
وهي حالة نادرة في المجتمعات ففي أمريكا مثلا كان هناك حادثة قتل أب طفله بسبب إنزعاجه من صوت بكائه، هنا تعجبنا هل يمكن لاب أن يقتل ابنه بسبب صوت بكائه، ولكن هذا لا يعد ظاهرة، فعندما أقوم بدراسة ظاهرة يجب أن أعرف أن الجريمة موجودة في كل المجتمعات ولكن بنسب محددة حتى استطيع القول أنها ظاهرة من خلال ما يسمى بالباسط والمقام، بمعنى أن جريمة واحدة حدثت بمجتمع عدد سكانه مليون، هنا تكون النسبة واحد على مليون، بالتالي ليست ظاهرة،ة
أما الجريمة ليست ظاهرة بل هى حادثة لانها ليست منتشرة فعند رصدها نجد ان مثلا 10 حوادث على نسبة 30 مليون سنجدها غير منتشرة ونسبة ضعيفة بالتالي فهي حادثة، فالظاهرة يجب أن تكون نسبة كبيرة تصل إلى 30 % مثلا من عدد السكان .
وتؤكد أستاذ علم الاجتماع، أن ليس هناك حتى إزياد في أعداد هذه الأنواع من الجرائم لأننا من أكثر الشعوب في العالم يوهب الآباء والآمهات حياتهم لأجل أبنائهم ، على عكس الشعوب الأخرى التي تترك أبنائها في سن معين لتستكمل حياتهم الخاصة بعيد عن أبنائهم وقد رصدت ذلك في أمريكا وألمانيا، ولكن في بلادنا الشرقية نجد الأسر الكبيرة التي تصل إلى الجيل الثالث والرابع، ونجد الآباء والأمهات يضحوا بحياتهم كلها ليرعوا أولادهم وأحفادهم أيضا .
وتؤكد أن السبب هو الضجة الإعلامية حول هذه الجرائم مع انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي وتعليقات رواد هذه المواقع، بالإضافة إلى زيادة الوعي والتعليم والاستنارة، فأصبحت هذه الجرائم غير مقبولة، فالعنف قديما كان أكثر انتشارا، وما يؤكد ذلك أنه بعمل دراسة مقارنة للجريمة في العشر سنوات الأخيرة سنجد جرائم أكثر بشاعة .
وترجع الدكتورة هدى أسباب هذه الجرائم إلى الخلل النفسي والأمراض العقلية والخلل العاطفى، وتوجد في كل المجتمعات ولكن معدل الجريمة لم يرتفع، ولكن الحديث عن الجريمة هو الذي ارتفع جدا على عكس فترات سابقة، بالتالي حتى الحديث عن هذه الجرائم كظاهرة في المجتمع المصري هي ظلم لباقي الآباء والأمهات بالمجتمع .
وبالسؤال، هل تردى الحالة الاقتصادية للاسر المصرية يمكن ان يكون من الاسباب، أجابت أن مع الخلل النفسي أو العقلي والتربية الخاطئة والظروف الاقتصادية ممكن أن تكون سبب لحالة، ولكن لا يمكن التعميم فكل جريمة ولها أسبابها، فهناك أسر مازالت تتحمل الصعوبات الحياتية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية لتنشأ اولادهم بشكل سليم، وما زالت الأسر بكل مكوناتها هي السند والأمان والونس لأفرادها، ولازالت الوظيفة الاجتماعية للعائلة في بلادنا وفي العالم كله هي الأهم والأقوى وخصوصا في بلاد الشرق .
سبب زيادة هذه الجرائم الدعاية لها
على العكس يرى الدكتور جمال فرويز أستشارى الطب النفسي، أن هذه الحوادث زادت عن الطبيعي ولكن انتشارها ليس نسبة كبيرة تمثل ظاهرة بل بسبب تركيز الإعلام على هذه الحوادث مما يؤثر على المجتمع ويحدث نوع من السيطرة العقلانية، فنجد أن بعض الناس ممن يعانون من الشخصيات العصابية أو لديهم خلل نفسي بسيط عندما يسمع عن هذه الجرائم بشكل متكرر يتم تقليدها فتزيد إعداد هذه الحوادث، هذا ما جعلها تتزايد أعدادها في الفترة الاخيرة .
ويؤكد “فرويز” ، أن كثرة التركيز ونشر مثل هذه الحوادث وخلق مبرر لهؤلاء الأشخاص من مرض نفسي .. إلخ ، نجد كل فرد لديه مشكلة يتصرف بنفس الشاكلة نتيجة استحضار الخلفية الذهنية، ومع الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي وسهولة استخدامه من خلال التليفون المحمول، كل ذلك أدى إلى زيادة نشر هذه الحوادث .
ويؤكد أن من قام بهذه الجرائم لا يمكن ن يكون سببه المرض النفسي، بل الإنهيار الثقافي والأخلاقي والسلوكي الذي انتشر بالمجتمع ، فهناك فرق بين المرض النفسي والاضطراب النفسي، فالاضطراب النفسي هو حالة لحظية، إنما المرض يرجع إلى خلل جينى، ولا يجب أن يكون المرض النفسي هو المبرر لهذه الجرائم .
ويضيف استشاري الطب النفسي أن الانهيار الثقافي الذي يعيش به المجتمع المصري هو إحدى الأسباب وان لم يكن الأساس في زيادة هذه الجرائم، والذي ينقسم إلى ثلاث عناصر، أولا، تردي الثقافة الدينية فنجد أن الشعب والمؤسسات في مصر لديها إزدواجية دينية في تحدث كثيرا عن الدين ونحن أبعد ما يكون عنه في معاملاتنا، فأصبحت الثقافة الدينية ظاهرية فقط .
ثانيا، أنهيار العلاقات الأسرية بين الزوجين بل وبين الآباء والأولاد، مما يؤدي إلى الى وجود خلل في المجتمع والذي نواته الأسرة، وهذا يظهر في انتشار ظواهر مثل المخدرات والقتل وزنا المحارم والإلحاد الديني والتحرش .
ثالثا، الإعلام من مرئي ومكتوب ومسموع أصبح يحض على الفساد ولإنهيار الثقافة المجتمعية والعنف، ففي حادثة مؤخرا عن شاب قتل صديقه وبسؤال والده قال، إنه كان يقلد إحدى مشاهد مسلسل الأسطورة من قطع رأس المقتول، فيذكر أن الإعلام قديما كان ينتقى ما ينشر وما يذاع احتراما للأخلاق العامة وحرمة البيوت وثقافة المجتمع .
ويرفض فرويز” ، القول أن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية أن تكون إحدى الأسباب، فيذكر أن في عام 67 ، و 73 ، كان المصريين يعانون من الفقر ومن أصعب الظروف التي مر بها الشعب المصري ورغم ذلك لم نجد مثل هذه الجرائم، موضحا ان كان هناك ثقافة تحمي سلوكياتنا وكان لدينا أخلاق عامة ، أما الآن فنعيش بلا ثقافة أو أخلاق.
وعن تأثير ذلك على الطفل أكد ان الطفل وليد التقليد فسيكون النتيجة هو الخوف من الآباء والأمهات الذي من المفروض أنهم الحماية ، فعند التعرض لموقف ضغط سنجد الطفل يقلد ما يراه .
ذبحت القيم فذبح الآباء الابناء
وتؤكد الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس، أن المخدرات هى السبب الأول، ثانيا الأمية، ثالثا تريف الحضر، وذكر الكاتب العالمي جمال حمدان في إحدى كتبه عن تريف الحضر، بمعني هجرة الريف إلى الحضر والذي أخذ معه الشكل والثقافة والفلكور مما تغيرت ثقافة الحضر وانتقلت الأمية إلى الحضر ومع الصدمة الحضرية تحدث التاثير والتأثر .
واستبعدت الدكتورة سامية، ان تكون الحالة الاقتصادية هي السبب فقد مرت مصر بحالات من الأزمات الاقتصادية كان لا يجد المصري قوت أولاده، وقام المصري بتأليف أغاني عبرت عن هذه المرحلة مثل “حتة جبنة قديمة تخلي الاكلة عظيمة وحبة فول حراتي تخلى الأكلة ذواتي” ، ولم يحدث مثل هذه الجرائم، ولكن أصبح لدى المصريين الآن تطلعات أكبر من إمكانيتهم حتى فى أقل المهن، لدينا حالة من التحول في الشخصية من عبادة المال والتطلع إلى الآخر بدون رضى أو قناعة، على عكس ما تربينا عليه من المثل الأعلى والتقاليد والإحترام والقناعة، وليس كل شيئ هو المال والثراء، بالإضافة إلى الى عدم وجود توعية لهؤلاء الأطفال أو اسرهم ، فلا نجد مسلسسلات مثل “ابلة حكمت” أو “ابلة فضيلة” بل نجد أفلام ومسلسلات محمد رمضان .
وترى أن مواقع التواصل الاجتماعي أنتشارها بين كل فئات المجتمع ساعد على انتشار هذه الجرائم ونشرها، مع تراجع دور الإعلام المصري الهادف والذي يدعو إلى نشر القيم والأخلاق، من قطاع الإنتاج والإذاعة والتليفزيون وإنتاج أعمال تدعوا إلى ذلك، لذا نحتاج إلى أفلام ومسلسلات لتغيير الصورة الذهنية للأسرة المصرية، فقد ذبحت الإنسانية والقيم بالافلام والمسلسلات والبرامج المقدمة الآن فذبح الآباء أولادهم، كما يجب أن تتدخل الدولة في تنقيح مواقع التواصل الاجتماعي، كما يحدث في الصين فقد صممت لها مواقع للتواصل الاجتماعي، مع التوعية الثقافية من خلال إنتاج برامج ومسلسلات وافلام تساعد على ثقافة المجتمع والتوعية بأخلاقنا ووطنيتنا .
وعن مستقبل الأطفال الآن بعد سماع هذه الجرائم ترى أن ذلك يخلق جيل مفتقد للثقة بالأهل وبالوطن، لذا يجب أن يكون هناك برامج متخصصة لهم ولترسيخ مبادئ الثقة والوطنية، وتسألت أين الرقابة من ذلك، فقد ماتت بالسكتة، كما نحتاج إلى وضع خطة تكون خط للدفاع عن الأسرة المصرية وحمايتها من كل هذا العنف والتشوه والجرائم، فمنذ أكثر من عشرين عام ندعو إلى وجود رقابة وتوعية ولكن لا يوجد من يسمع.
في النهاية تؤكد أننا نحتاج إلى وزارة ثقافة كما كانت في السابق فقد كانت تسمى وزارة الإرشاد القومي والثقافة، وكانت خططها وكتاباتها تطبقها على التليفزيون لنشر الوعي في الأسر، وكانت المدارس بالتعاون مع وزارة الإرشاد والثقافة تقوم بزيارات للأطفال للمسرح لمشاهدة الأفلام والمسرحيات الوطنية ، أما الآن فقد ترك هؤلاء الأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي تلتهم أخلاقهم وسلوكهم وتغير الصورة الذهنية للأسر ، نحتاج إلى توعية لهذه الأسر والدعوة للترابط بين أفراد الأسرة الواحدة .