بحزن شديد, تابع المواطنون المصريون حادث محطة رمسيس الذي وقع منذ أيام قليلة وراح ضحيته أكثر من عشرين مواطنا بريئا, فضلا عن وقوع عدد غير قليل من المصابين الذين يوجدون الآن في عدد من المستشفيات, مما سبب ألما بالغا لأسرهم وذويهم بل ولكل المصريين. ومن الملاحظ أننا وحتي الآن أمام أكثر من وجهة نظر في تفسير هذا الحادث الأليم, ولكل فريق رؤيته وأسبابه, فهناك من يذهب إلي أنه وقع نتيجة إهمال شديد وحالة متردية يعاني منها مرفق السكك الحديدية منذ سنوات بعيدة, بينما هناك من يراه حادثا إرهابيا متعمدا بسبب بعض الظروف والملابسات التي أحاطت بالحادث والظهور التليفزيوني لسائق الجرار.
ولكن علي أية حال فإننا نشير هنا إلي مجموعة من الأفكار علي النحو التالي, أولا ـ يقف الإهمال, والفساد, والرشوة والمحسوبية, وراء الكثير من مشكلاتنا وأزماتنا, فضلا عن تراجع الكثير من القيم وغياب الأخلاق عند البعض, والتمسك بالمظهر دون الجوهر, والادعاءات الزائفة, وغياب الشفافية والمحاسبة والمساءلة, وغيرها من ممارسات تمثل أمامنا الجاني الحقيقي الذي يقف خلف تلك الحوادث المتكررة هنا أو هناك, سواء في قطاع السكك الحديدية أو في غيره من قطاعات خدمية.
ثانيا ـ إذا كانت الدولة قد اهتمت- وعلي نحو واضح- خلال السنوات القليلة الماضية بتطوير وتجديد شبكة الطرق والمواصلات, فإن نظرة أولية لمرفق السكك الحديدية تكشف لنا بوضوح كيف أنه يحتاج إلي اهتمام كبير وخطة تطوير, خاصة وأنه لا غني عنه, حيث يخدم ملايين المواطنين الذين يسافرون وينتقلون شمالا وجنوبا بطول البلاد وعرضها, وقد شهد هذا المرفق, منذ سنوات بعيدة, أزمات وحوادث كثيرة راح ضحيتها مئات المواطنين الأبرياء وعدد أكبر من المصابين.
ويشير الواقع إلي أن سكك حديد مصر شهدت, عبر تاريخها, بعض الإصلاحات الجزئية, ولكن يبدو أن الأمر يتطلب خطة تطوير وإصلاح, عامة وشاملة, علي مستوي البشر والتجهيزات الفنية والمادية.
ثالثاـ ثمة مجموعة من التساؤلات تطرح نفسها بعد هذا الحادث الجلل: هل يمد رجال الأعمال أيديهم ويتعاونون مع الحكومة من أجل إصلاح وتطوير السكك الحديدية وغيرها من الخدمات الأساسية وذلك في إطار مسئوليتهم الاجتماعية وتأدية واجباتهم تجاه المجتمع؟ وهل من حقنا أن ننتظر دورا أكبر لمنظمات المجتمع المدني- من جمعيات ومؤسسات أهلية- في خدمة المواطنين؟ ولعل قراءة تاريخية وآنية تكشف لنا جهود منظمات المجتمع المدني, بالإضافة إلي دور بعض رجال الأعمال, في تطوير المجتمعات المحلية, حيث تمثل تلك الجهود الأهلية- المدنية عضدا قويا لمؤسسات الدولة وهيئاتها المختلفة من أجل تحقيق الإصلاح المنشود والتطوير الذي نتطلع إليه.
رابعاـ يمثل مبدأ المواطنة علاجا مناسبا للكثير من تلك المشكلات والأزمات, ونشير هنا إلي المواطنة في بعدها الاقتصادي- الاجتماعي, وتسمي أيضا المواطنة الاقتصادية والاجتماعية, حيث تشمل التمتع والاستفادة من كافة الحقوق والخدمات الاقتصادية والاجتماعية التي تقدمها مؤسسات الدولة وهيئاتها المختلفة, ومن ذلك الحق في حد أدني من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي وتوفير الحماية الاجتماعية, وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطن وأفراد أسرته وعائلته من الحماية والأمان والمأكل والمشرب والسكن والرعاية الصحية وفرص التعليم والعمل ووسائل النقل والمواصلات, وبالإجمال الحق في حياة كريمة متحضرة حسب معايير المجتمع الذي يعيش فيه المواطن.
ومن ناحية أخري يشير مبدأ المواطنة إلي التزام المواطن بمجموعة من الواجبات مثل: أداء الضريبة التي يخصص جانب منها لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين, بالإضافة إلي واجبات أخري مثل أداء الخدمة العسكرية بالنسبة للذكور وتأدية الخدمة العامة بالنسبة للإناث, والتزام الجميع بالقوانين والتشريعات. هنا يكون الفرد/ المواطن من أجل الجماعة/ المجموع وتكون الجماعة/ المجموعة من أجل الفرد/ المواطن في علاقة تبادلية تحقق المصلحة العامة والخير العام.
أعزائي القراء.. في تقديري أن المواطنين المصريين يستحقون حياة أفضل, في الصحة والتعليم والسكن والغذاء ومياه الشرب والهواء الصحي والطرق ووسائل النقل والمواصلات, وغيرها. نعم هم يستحقون حياة كريمة ومعيشة لائقة, بحكم التاريخ والجغرافيا والثروة البشرية والإمكانات المادية, بحكم الثقافة والحضارة التي عرفها المصريون منذ آلاف السنين وصدروها للآخرين. ولكن الأمر يتطلب إرادة قوية, تجمع بين الرغبة السياسية وإرادة المواطنين أنفسهم, حتي نعبر مثل هذه المشكلات والكوارث والأزمات إلي حياة أفضل ومستقبل مشرق بإذن الله, نتواصل فيه مع انتصارات الماضي ونتجاوز أية انكسارات لا تليق بالمصريين.
د. رامي عطا صديق
[email protected]