* نجيب محفوظ: أمي لعبت دوراً إيجابياً في تشكيل شخصيتي وتحديد مساري الأدبي
* الروائي الفرنسي “جول فاييس ” يكتب ثلاثية: الطفل والشاب و الثائر
* صورة الأم في قصائد أحمد شوقي ومحمود درويش وأبو القاسم الشابي
* “الأم ” بين الرواية والسينما في: أم العروسة، العذراء والشعر الأبيض، لاتسألني من أنا
* ” الأم” في الإبداع التشكيلي العالمي
لا يوجد أصدق من الأم في الحب والعطاء والتضحية.. هذه حقيقة يدركها البشر على اختلافاتهم المتعددة ، و القارئ للأعمال الأدبية في اللغات العربية والأجنبية ، والمتابع للسينما في مصر وخارجها يقف على حقييقة مهمة جدا وهي كيف شكلت ” الأمومة ” – بكل ما تحمله من قيم إنسانية عميقة – تيمة جوهرية في الأدب، على اختلاف أطيافه، شعراً و ورواية ، جنبا إلى جنب الشعر الغنائى والسينما والمسرح ..
وها نحن نعرض لتيمة “الأم ” في الآداب والفنون في مصر والعالم
الأم في ثلاثية نجيب محفوظ
إذا كان وجه الأم في الشعر”القديم والحديث، العربي والغربي” يكاد يكون واحداً. وجه يُمثّل القدسية والمثالية والبراءة( على نحو ما نذكر في السطور الآتية ). فأنه في الرواية فمن الصعب إيجاد صورة موحدة عن الأم. ربما لأنّ الرواية هي فن يبلور التجربة الإنسانية.
فقد حظيت الأم عند الأديب الكبير نجيب محفوظ بمكانة بالغة الأهمية؛ حيث يقول: “لعبت أمي دوراً إيجابياً في تشكيل شخصيتي، وتحديد مساري الأدبي، رغم أنها لم تكن تجيد القراءة والكتابة، فلقد علمتني الحياة؛ كانت مخزناً للثقافة الشعبية؛ دائماً ما تأخذني معها في زيارتها للمتاحف ومشاهدة الآثار الإسلامية والقبطية دون فرق، وأنا طفل صغير بعد -8سنوات-، فضلاً عن غرامها بسماع الأغاني القديمة، وكانت علاقتي بها أوثق من علاقتي بأبي؛ نظراً لأنني لازمتها وأقمت معها، وهي التي امتد عمرها حتى تجاوزت المئة.. ”
فقد جاءت الأم في روايات نجيب محفوظ عظيمة في تلك الأشياء الصغيرة التي تقوم بها فكانت قوية في ضعفها، قوية في صبرها. بل رمزاً لثبات القيم ولمّ الشمل، تماماً مثل أمينة التي عاشت حياة قاسية في ظلّ والد مستبد كالسيّد أحمد عبد الجواد “في ثلاثية محفوظ” وهي سلسلة مكونة من ثلاث روايات أدبية وهي بين القصرين (1956)، قصر الشوق (1957)، السكرية (1957)
والشخصية الرئيسية بالروايات الثلاث هي شخصية السيد أحمد عبدالجواد. والقصص الثلاث تتبع قصة حياة كمال ابن السيد أحمد عبد الجواد من الطفولة إلى المراهقة والشباب ثم الرشد. وعناوينها مأخوذة من أسماء شوارع حقيقية بالقاهرة التي شهدت نشأة نجيب محفوظ.
وتحكي “بين القصرين” قصة أسرة من الطبقة الوسطى، تعيش في حي شعبي من أحياء القاهرة في فترة ما قبل و اثناء ثورة 1919 . يحكمها أب متزمت ذو شخصية قوية هو السيد احمد عبد الجواد . و يعيش في كنف الأب كل من : زوجته أمينة و إبنه البكر ياسين أنجبه من طليقته هنية و إبنه فهمي و كمال إضافة إلى ابنتيه خديجة و عائشة.
أما الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ تعرض حياة اسرة السيد احمد عبد الجواد في منطقة الحسين بعد وفاة نجله فهمي في احداث ثورة 1919 و ينمو الابن الأصغر كمال و يرفض أن يدخل كلية الحقوق مفضلا المعلمين لشغفه بالآداب و العلوم و الفلسفة و كذلك يتعرض لحياة نجلتي السيد احمد وزواج ياسين و انتقاله إلى بيته الذي ورثه من أمه في قصر الشوق و تنتهي أحداث القصة بوفاة سعد زغلول.
ويحكي الجزء الثالث من الراوية عن جيل ما بعد الثورة وعن حارة تدعي بالسكرية والأوضاع وتقبات الأحوال .
الأم في ثلاثية الفرنسى “جول فاييس”
أمضى الروائي الفرنسي “جول فاييس ” (1832-1885) طفولة تعسة تركت ندبها على مجمل حياته وأعماله، فكان أكثر ما عاناه في طفولته الإكراه، إذ لطالما أجبر وأشقاؤه على احترام القواعد الأخلاقية والاجتماعية الصارمة، والتكيّف مع الأفكار المسبقة للحفاظ على الصورة التي يمليها المركز الاجتماعي المرجو. ولم تكن التربية التي تلقاها ڤاليس في المدرسة أحسن حالاً، بل كانت امتداداً لما لقيه في أسرته، ولقد وجد في المدرسة الثانوية نماذج مطابقة لشخصية أبيه وعاش البيئة ذاتها والقهر عينه.
برع ڤاليس بكتابة رواية السيرة، وأطلق بكتابتها العنان لأسلوبه المتحرر من القيود ، وكتب رائعته الأدبية ثلاثية “جاك فينترا” المؤلفة من ثلاثة كتب روائية هي :«الطفل» عام1879 ، «الشاب» عام 1881 ، و«الثائر» ، الذي نشر بعد عام على وفاته.
ويرصد فاليس في روايته “الطفل” نموذج الأم “الشريرة” فمن خلالها ينسف فاييس كلّ معاني الحبّ والطيبة والتفاني التي التصقت طويلاً بمفهوم الأمومة. ينتقي أقسى النعوت لوصفها. يرسم شكلها بعين طفل خائف، مرتعد. هي المرأة المتسلّطة التي تفتتح الرواية على مشهد ضربها لابنها. أم يرتجف منها ابنها حين يخالف بنداً من قائمة ممنوعاتها الطويلة. «الأسود ملك الألوان. لا شيء يعطي قيمته كما اللون الأسود». هذا ما تردده دوماً على مسامع طفل تمنعه ارتداء الألوان الزاهية، والفرحة.
مهما ابتعدت الأمكنة واختلفت الأزمان تبقى الأم في الأدب، كما في الحياة، أم لا تُمثّل سوى الخير في هذا العالم المليء بالشرور. وأيّ صورة أخرى هي حتماً صورة شاذة عن الطبيعة.
الأم والشعر
————–
لقد اتسمت صورة الأم في معظم القصائد العربية، القديمة منها والحديثة، بالقداسة والنقاء، فنجد أمير الشعراء أحمد شوقي يقول في قصيدته عن الأم :
أغرى امرؤ يوما غلاما جاهلا
بنقوده حتى ينال به الوطر
قال: ائتني بفؤاد أمك يا فتى
ولك الدراهم والجواهر والدرر
فمضى وأغرز خنجرا في صدرها
والقلب أخرجه وعاد على الأثر
لكنه من فرط سرعته هوى
فتدحرج القلب المعفر إذا عثر
ناداه قلب الأم وهو معفر
ولدي، حبيبي، هل أصابك من ضرر؟
بينما يقول الشاعر الفلسطينى محمود درويش فى قصيدته ” الى أمي”
أحنُّ إلى خبز أمي
وقهوة أُمي
ولمسة أُمي..
وتكبر فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدر يومِ
وأعشَقُ عمرِي لأني
إذا مُتُّ ,
أخجل من دمع أُمي !
خذيني ، إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهُدْبِكْ
وكقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي فى قصيدة” الأمُّ تلثُمُ طفلَها، وتضمُّه”
الأمُّ تلثُمُ طفلَها، وتضمُّه
حرَمٌ، سماويُّ الجمالِ، مقدَّسُ
تتألّه الأفكارُ، وهْي جوارَه
وتعودُ طاهرة ً هناكَ الأنفُسُ
حَرَمُ الحياة ِ بِطُهْرِها وَحَنَانِها
هل فوقَهُ حرَمٌ أجلُّ وأقدسُ؟
بوركتَ يا حرَمَ الأمومة ِ والصِّبا
كم فيك تكتمل الحياة ُ وتقدُس
بين الرواية والسينما
أولا : أم العروسة
وتدور رائعة الاديب عبد الحميد جودة السحار ” أم العروسة” حول أسرة مصرية عادية مكونة من أب(الأستاذ حسين) وأم(الست زينب) وأربعة من البنات(أحلام ونبيلة وسوسن وهالة) وثلاث من الأبناء(سامي ومراد وعاطف) في حقبة الستينيات
في الجزء الأول من القصة وهي رواية أم العروسة تتم خطبة الأبنة الكبرى أحلام الى جلال شقيق احدى صديقاتها وتدور أحداث القصة وجميع ما فيها من مواقف مؤلمة ومضحكة حول محاولات الأب المجهد مادياً للوفاء بالتزاماته فيما يلزم ابنته من احتياجات لعش الزوجية وتخطيط حفل الزفاف في منزله بالإضافة الى احتياجات اسرته العادية من مأكل وملبس ومصاريف تعاليم وبالطبع إرضاء حرص زوجته الشديد على المحافظة على مظهرها ومظهر العائلة فالست زينب زوجة الأستاذ حسين الموظف الحكومي وأم الأبناء السبعة والتي اقترب سنها من الأربعين في أحداث هذه الرواية حريصة على اناقتها واناقة زوجها وابنائها أثناء هذه الدراما الكوميدية ظهرت شخصية جديدة وهي شخصية شفيق ابن خالة جلال والذى يتقدم للزواج من الابنة الصغرى وتعهده بان يتحمل
نفقات الزواج..
الرواية بما فيها من مواقف مؤلمة ومواقف مضحكة واقعية جدا وما حدث فيها من أكثر من نصف قرن من الزمن لا يزال يحدث الى الان
قام المخرج عاطف سالم عام 1963 باخراجه للسينما وهو من بطولة عماد حمدي وتحية كاريوكا وسميرة أحمد ويوسف شعبان وحسن يوسف والسناريو والحوار عبد الحى الأديب والاخراج عاطف سالم.
ثانيا :العذراء والشعر الابيض
قدم احسان عبد القدوس فى احد روائعه الابداعية “العذراء والشعر الأبيض” حالة مركبة شديدة التعقيد تحوى بين سطورها قدرا كبيرا من النضج والجرأة والقدرة على المواجهة، “دولت” أو الشخصية النسائية الأولى فى قصة عبد القدوس التى قامت بدورها فى الفيلم الذي أخرجه حسين كمال عام 1983، نبيلة عبيد، شخصية شديدة الأنانية، رغبتها الجنونية فى الإنجاب تحولت إلى عقدة نقص بعد أن تأكدت أنها عاقر، فتجدها على عكس ما قد تصل إليه إمرأة على هذه الحالة من اليأس، تحرك كل ما حولها تبعا لأغراضها وتتملكها شهوة إمتلاك كل شىء بأى طريقة وبأى ثمن..
دولت فى قصة إحسان عبد القدوس لم تحب أحدا سوى نفسها التى يمكنك أن تصفها بأنها نفس غير سوية ، ومن هنا تأتى جرأة إحسان عبد القدوس الذى عرض الحالة بكل جوانبها وإرتضى أن يواجه المجتمع فى سطوره بنموذج شخصية مثل دولت يوجد منها بين صفوفه الكثير.وإنما فى الفيلم تجد قصة أخرى-( كتبتها كوثر هيكل )غير التى نسجها إحسان تماما ، تجد دولت إمرأة حنونة جدا تريد بشدة أن تنجب ولكن بشكل سوى مقبول ،فتقوم بتبنى طفلة بثينة – شريهان وتغدق عليها بكل ماتملك من الحنان والرعاية …انها صورة أخرى أيضا للأم التى لم تنجب …
ثالثا :لا تسألنى من أنا
تدور أحداث رواية “لا تسألنى من أنا” للأديب احسان عبد القدوس حول الأم التى تلد بالطبيعة والأم بالتبنى وذلك من خلال
امرأة فقيرة تدعى عائشة (شادية) تعانى من الفقر، لذا فإنها تبيع ابنتها زينب (يسرا) للثرية العاقر شريفة (مديحة يسري) شريطة أن تقوم هي برعايتها بصفتها مربيتها. كما تتكفل شريفة هانم بمصاريف أسرة عائشة لكى تتمكن من القيام بشئون وطلبات أفراد أسرتها، لا يعلم هذا الاتفاق سوى الاستاذ زغلول محامى شريفة هانم ا ، يكبر الأبناء ويحصلون على شهادات جامعية ووظائف مرموقة ويطلبون من أمهم الكف عن العمل كمربية، لكنها ترفض من أجل زينب أيضا ترفض الهانم زواج ابنتها بالتبنى من مدحت ( فاروق الفيشاوى ) لمعرفتها بشخصيته المستغلة تموت شريفة هانم ويظهر بعض أقاربها للمطالبة بالميراث في الثروة التي قد باعتها لابنتها بالتبنى زينب. وتكشف الحقيقة للجميع بعد مرور السنين بأن عائشة هي أم زينب وتعود زينب إلى أسرتها الحقيقية.
وهذه الرواية أخرجها للسينما عام 1984 المخرج أشرف فهمى
الأم فى الابداع التشكيلى
————————–
بين الاحتواء والتضحية والعطف والسكن والقوة والسند يختلف المعنى الأول للأمومة لدى كل شخص ولا تختلف شكل الأم فى اللوحات بسبب تغير الشخصيات الفنية فحسب، ولكنها تختلف أيضًا باختلاف العصر وتغير صورة المرأة والأم تحديدًا فيه، وهو ما يتضح حين نتصفح العديد من اللوحات التى تعكس صورة الأمومة من وجهة نظر الفنانين فى عصور مختلفة بشكل متتال، فقديمًا كانت السيدة العذراء هى الصورة المسيطرة للأمومة وهو ما يتضح فى منحوتات “مايكل أنجلو” ولوحات “دافنشى” التى سجلت الأمومة فى مراحلها المختلفة والتى تعكس مشاعر الحنان والرعاية والحزن أيضًا على الابن.
وبالنسبة لفنانين آخرين كانت الأم تمثل السند والاحتواء وهو ما يظهر فى لوحاتهم خاصة “مايكل أنجلو” الذى تظهر الأم فى غالبية لوحاته تحتضن ابنها وتميل رأسها عليه وكأنها تحتويه وتستقوى به فى الوقت نفسه.
الأمومة للفنان الأسباني “بابلو بيكاسو”
لوحتان للفنان الهولندي “فان جوخ” عن الأمومة من منظورين مختلفين