+ ودعت كنائس أسيوط – شعبها وقياداتها الدينية، فى طقس جنائزى مهيب ظهر الثلاثاء 19 مارس 2019 روح السيدة الوقورة البارة إيفون مسعد توما والتى ودعت شعب كنيستها وأسرتها والخدمة وانطلقت فى رحلتها للمجد ولتستودع روحها لدى خالقها عن عمر يناهز الـ 90 عاماً.. الأم البارة من مواليد 29 سبتمبر 1929 لأسرة عريقة بمركز أبنوب – محافظة أسيوط والتي أزهرت وأثمرت في حقل الخدمة الإنجيلية على مدار أكثر من 60 عاماً..
+ شاركت في باكورة شبابها بالخدمة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأسيوط مدة 10 سنوات في مراحل خدمتها الأولى من عام 1946 حتى 1956 بيد المتنيح نيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، واستكملت سنوات عمرها المديد فى مجالات خدماتها المتعددة بجوار شريك حياتها شيخ شيوخ رعاة الكنائس الإنجيلية القس باقي صدقة راعي الكنيسة الإنجيلية الاولى، لأكثر من نصف قرن في مجالات العمل الاجتماعى والخدمة ورعاية الفقراء والأيتام والمعوزين وافتقاد الأسر والسيدات بالحى الشعبى بغرب أسيوط، إلى جانب الاشتراك فى فريق الكورال بالكنيسة..
فتحت بيتها لاستقبال الوفود والزائرين من كافة محافظات ومدن الجمهورية وضيوف الكنيسة من مصر وأنحاء العالم. وكانت رفيقة لشريك حياتها فى أسفارة وخدماته الروحية لمعظم دول العالم، وعاصرت سيدات المجتمع الاسيوطى الراقى من خريجات مدارس الأمريكان واللواتى خدمن وقت الاربعينات والخمسينات من القرن الماضى مثل: “ماما ليليان تراشر” أم الأطفال الأيتام المصريين..
من أبرز سمات خدماتها كان الإنصات الشديد للمتكلم والقيادة بروح الحكمة والصمت والصلاة.. وقد عبر السيف إلى نفسها عندما تزلزل كيان الأسرة الصغيرة وتدخل القدر عام 1966 برحيل الطفلة (حنان) ذات ال 8 أعوام باكورة ثمار زواجها – فجأة – عندما تلاحظ لأحد الأطباء من أصدقاء الأسرة وأثناء فحص عادى بأن قلب الطفلة الصغيرة يقع على غير المألوف بالصدر بالجانب الأيمن وبأن موضعة بالجانب الايسر خاويا وأقنع الأسرة – التى وثقت به – أنه يمكن إجراء عملية بسيطة لإعادته إلى موضعه بالجانب الأيسر.. لكن لأن جراحات القلب فى حينه لم تكن بهذه التقنية العالية، توفيت الطفلة بعد دقائق من دخولها لغرفة العمليات..
وافتقدهما الله فيما بعد وملأ بيتهما بالبركة وأثمر زواجهما بانجاب طفل وطفلة ونفوس كثيرة عطشى لكلمة الانجيل والافتقاد والصلاة.. وكان أقسى ما على السيدة الفاضلة وأحتملته بكل طاعة لشريك حياتها أن تضطر إلى البكاء منعزلة فى غرفة مغلقة وأن تستغنى عن ملابسها السوداء خلال الأيام الأولى لرحيل طفلتها ولاترتديها ثانية.. وكانت مشيئة الله القدير أن تتوج أيضا بالألم في طوال سنى مرضها السبع الأخيرة والتى أصيبت خلالها بمرض الزهيمر، وأشتد المرض وعانى جسدها الضعيف من أثاره المدمرة فذبلت وانحلت قواها يوماً فيوماً، حتى اغتال المرض صحتها واقتصر ذهابها إلى الكنيسة فى المواسم والأعياد محمولة على كرسى متحرك حتى أنطلقت للمجد وتركت أبنها صموئيل باقي – ويعمل بسكرتارية محافظ أسيوط وابنتها إيمان باقي – بجامعة أسيوط ومرافقة لزوجها بدولة الإمارات.. ويخدمان حالياً مع أزواجهم فى مختلف مجالات الخدمات بالكنيسة الانجيلية بأسيوط ودبى، ولها أربعة أحفاد، سامح وبسام وآن وجوي..
+ والسيدة الفاضلة “ايفون مسعد توما” حققت بسيرتها الحياة الإنجيلية في سماتها الكتابية والروحية عملياً طبقاً لنص كلمة الله في سفر الأمثال 31 : 1 – 20 فكانت بالحقيقة – بشهادة شعب الكنيسة وعائلتها – “امرأة فاضلة ثمنها فاق اللآلئ” . وثق بها قلب زوجها فلم يحتاج إلى غنيمة، صنعت له خيراً كل أيام حياتها، اشتغلت بيدين راضيتين، كانت كسفن التاجر جلبت طعامها من بعيد. وقامت وإذ الليل بعد وأعطت أكلاً لأهل بيتها وفريضة لفتياتها.. تأملت حقلاً فأخذته وبثمر يديها غرست كرماً.. نطقت حقويها بالقوة وشددت ذراعيها.. سراجها لم ينطفئ في الليل.. مدت يديها إلى المغزل وأمسكت كفاها بالفلكة، بسطت كفيها للفقير ومدت يدها إلى المسكين..
أمثال 31 : 25 “العز والبهاء لباسها وتضحك على الزمن الآتي”.. فتحت فمها بالحكمة وفي لسانها سنة المعروف.. راقبت طرق بيتها ولم تأكل خبز الكسل، قام أولادها وطوبوها، زوجها أيضا مدحها.. بنات كثيرات عملن فضلاً، أما هي ففاقت عليهن جميعاً.. الحسن غش والجمال باطل أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح..
+ ولأنها سيدة فاضلة من طراز فريد.. كان طقس وداعها أيضا فريداً و متميزاً لم يحدث قبلاً.. فقد فتح باب الكنيسة الإنجيلية الأولى الخشبى الضخم تمام الثانية ظهراً أمام التابوت الأبيض المذهب لجثمانها محاطاً بباقات الورود البيضاء والحمراء – المهداه من كافة الأنشطة والخدمات للكنيسة، ليوضع بحرص فى الموضع السابق اعداده في حضن الكنيسة.. وتدفق الألاف من المشاركين فى طقس الوداع المهيب على مرمى البصر ليحتشدوا بقاعة الكنيسة الضخمة وجناحيها، واصطف فريق الكورال للكنيسة استعداداً لاستقبال الموكب المهيب بتراتيل مختارة للمناسبة فيما شغل قيادات ورعاة مجمع الكنائس الإنجيلية بأنحاء مصر وسنودس النيل الانجيلى ونيافة الحبر الجليل الانبا كيرلس وليم مطران الاقباط الكاثوليك بأسيوط مساحة منبر الكنيسة الأعلى ونيافة الحبر الجليل الانبا توماس أسقف القوصية ومير – ببرقية عزاء – فيما شغل القس باقى صدقة شيخ شيوخ الكنائس الانجيلية وراعى الكنيسة الانجيلية الاولى بأسيوط وشريك حياة الأم الفاضلة البارة ” ايفون مسعد توما ” ونيافة الحبر الجليل الأنبا يؤانس أسقف أسيوط وتوابعها منتصف المشهد ومجمع الأباء كهنة مدينة أسيوط ومراكزها، شغلوا الصفوف الأولى للكنيسة بجانب القيادات الشعبية والتنفيذية والإدارية والأمنية والأمن الوطنى والجيش والشرطة ورموز الشعب الأسيوطى بفئاتة وطوائفة.. حيث قدم ممثلو الطوائف والقيادات الكنيسة والهيئات المختلفة باقات من كلمات ورسائل التعزية والرثاء للأسرة والكنيسة ومجمع الكنائس الإنجيلية من أنحاء مصر وسنودس النيل الإنجيلي. شارك أيضا التعزية بالكنيسة الإنجيلية الأولى بحي غرب أسيوط الآلاف من جموع الشعب على مدار ثلاث أيام والمسئولين وعلى رأسهم اللواء الوزير جمال نور الدين محافظ أسيوط والنواب وسكرتارية معالى الوزير.
+ وفي كلمته قدم نيافة الأنبا يؤانس أسقف أسيوط وتوابعها التعزية لشعب الكنيسة الإنجيلية الأولى ولشيخ الرعاة القس باقي صدقة قال فيها: أنا على يقين أن ربنا هايعزيكم جناب القسيس، نحن فى كنائسنا بأسيوط كما تعلمنا من المتنيح الأنبا ميخائيل المطران الجليل دائما ما تجمع كنائسنا وشعبنا المحبة.
وأضاف نيافته: إن الموت جسر روحاني تعبر عليه أرواح الأبرار إلى منطقة أفضل جداً وأن أيامنا على الأرض تجري كالسراب، قليلة وردية والإنسان فيها شبعان تعب وأحزان أما في الآخرة ها نسمع الصوت السماوى “نعم أيها العبد الصالح والأمين أدخل إلى فرح سيدك”.. والسيدة الفاضلة أدخلت إلى طقس عشرة السمائيين عبر رحلة الحب اللا نهائي وإلى طقس الراحة والفرح حيث لا ألم ولا أحزان ولا دموع..
وقدم أيضا نيافة الأنبا كيرلس رمطران الأقباط الكاثوليك رسالة تعزية طالباً البركة والسلام لشعب الكنيسة الإنجيلية الأولى مشيداً بالأعمال الطيبة للراحلة.
وختم القس الراعى باقى صدقة حفل وداع الكنيسة الإنجيلية الأولى للأم البارة شريكة حياته بالقول: فى اللحظات الأخيرة من حفل الوداع وبعد أن سلمنا أغلى ما عندنا.. سلمنا لمن له أمرنا وشعرت بهذا الحجم من التقدير بين الناس.. أحسست بشيء ما يلح على أن أقوله أنها شهادة اللحظات الأخيرة.. إنها ذهبت لذلك الذي أحبنا وسلمنا له أغلى ما كان بين أيدينا لتأكيد الأمانة والوفاء له ورددنا: “صمت لا أفتح فمى يا رب”
واستكمل كلامه شاكراً الحضور قائلاً: ولا ننسى أن نقول لنيافة الانبا يؤانس حمدالله على السلامة فكنا نصلى أن تعود بيننا فقد أحببناك ولنقدم رسالة مشتركة لعالمنا..
وأنهى كلمته بتأمل ورسالة: كنت أتسأل لماذا لم يحن دورنا للانطلاق بعد رغم شهوة النفس!! لكن وصلنى صوتاً هامساً.. لأن الله له رسالة يريد أن يقدمها لمصر وأقولها: الله يريد أن يكتب رسالة لمصر، ويجعلها لكل مصري أن الحب أقوى من الكراهية، والسلام أبقى من الخصام، والأخوة الصادقة بيننا هى السمة التى يريدها الله لكل البشرية .