سر المعمودية, يستقبله المعمد وهو صائم, ويكون إشبينه أيضا صائما, والكاهن الذي يجريه يكون صائما كذلك. الكل في صوم لاستقبال هذا الميلاد الروحي الجديد ونفس الكلام نقوله عن.
سر الميرون, سر قبول الروح القدس الذي يلي المعمودية.
سر الافخارستيا, التناول يمارسه الكل وهم صائمون.
سر مسحة المرضي, (صلاة القنديل) يكون فيه الكاهن صائما, ومن يدهنون بزيت هذا السر المقدس يكونون صائمين أيضا. ولكن يستثني المرضي العاجزون عن الصوم, الذين يعفون من الصوم حتي في سر التناول…
وسر الكهنوت كما قلنا, يمارس بالصوم…
لم يبق سوي سر الاعتراف وسر الزواج.
وما أجمل أن يأتي المعترف ليعترف بخطاياه وهو صائم ومنسحق.ولكن لأن الكنيسة تسعي وراء الخاطئ في كل وقت, لتقبل توبته في أي وقت, لذلك لم تشترط الصوم.
أما سر الزواج فقد أعفاه السيد المسيح بقوله لا يستطيع بنو العرس أن يصوموا مادام العريس معهم مر 2: 19.
ومع ذلك ففي الكنيسة الناسكة الأولي, حينما كان سر الزواج يمارس بعد رفع بخور باكر, كان العريسان يصومان ويتناولان ويستمران ذلك اليوم في الصوم… حاليا طبعا لا يحدث هذا….
إن بركات الروح القدس التي ينالها المؤمنون في الأسرار الكنسية كانت تستقبل بالصوم. إلا في الحالات الاستثنائية
وكما عرفت الكنيسة الصوم في حياة العبادة, وفي حياة الخدمة, كذلك عرفته في وقت الضيق. وخرجت بقاعدة روحية وهي:
بالصوم يتدخل الله
لقد جرب هذا الأمر نحميا وعزرا, ودانيال. وجربته الملكة أستير من أجل الشعب كله وجربته الكنيسة في القرن الرابع في عمق مشكلة آريوس. وجربته الأجيال كلها. وأوصبح عقيدة راسخة في ضمير الكنيسة, نصليها في صلاة القسمة في الصوم الكبير, مؤمنة إيمانا راسخا أن الصوم يحل المشاكل…
الانسان الواثق بقوته وذكائه, يعتمد علي قوته وذكائه. أما الشاعر بضعفه فانه في مشاكله يلجأ إلي الله بالصوم.
في الصوم يتذلل أمام الله, ويطلب رحمته وتدخله قائلا قم أيها الرب الإله…. وفي ذلك ينصت إلي قول الرب في المزمور من أجل شفاء المساكين وتنهد البائسين, الآن أقوم ــ يقول الرب ــ أصنع الخلاص علانية {مز 11}.
الصوم هو فترة صالحة, لإدخال الله في كل مشكلة. فترة ينادي فيها القلب المنسحق, ويستمع فيها الله.
فترة يقترب فيها الناس إلي الله, ويقترب فيها الله من الناس, يستمع إلي حنينهم وإلي أنينهم, ويعمل…
طالما يكون الناس منصرفين إلي رغباتهم وشهواتهم, ومنشغلين بالجسد والمادة… فانهم يشعرون أن الله يقف بعيدا… لا لأنه يريد أن يبعد, وإنما لأننا أبعدناه, أو رفضناه, أو رفضنا أن نقترب منه علي وجه أصح.
أما في فترة الصوم الممزوج بالصلاة, فإن الإنسان يقترب إلي الله, ويقول له: اشترك في العمل مع عبيدك.
إنه صراخ القلب إلي الله, لكي يدخل مع الإنسان في الحياة.
يمكن أن يكون في أي وقت. ولكنه في فترة الصوم يكون أعمق, ويكون أصدق, ويكون أقوي.
فبالصوم الحقيقي يستطيع الإنسان أن يحنن قلب الله.
والذي يدرك فوائد الصوم. وفاعلية الصوم في حياته, وفي علاقاته بالله, إنما يفرح بالصوم.
الفرح بالصوم
إننا لسنا من النوع الذي يصوم, وفي أثناء الصوم يشتهي متي يأتي وقت الإفطار. إنما نحن حينما نكون مفطرين, نشتهي الوقت الذي يعود فيه الصوم من جديد.
الإنسان الروحي يفرح بفترات الصوم, أكثر مما يفرح بالأعياد التي يأكل فيها ويشرب. كثيرون يشتهون الصوم في فترة الخمسين المقدسة التي تأتي بعد القيامة, والتي لا صوم فيها ولا مطانيات. وفيها يشتاق الكثيرون إلي الصوم اشتياقا, لذلك يفرحون جدا عندما يحل صوم الرسل, إذ قد حرموا من لذة الصوم خمسين يوما من قبله.
ومن فرح الروحيين بالصوم, لا يكتفون بالأصوام العامة, إنما يضيفون إيها أصواما خاصة بهم.. ويلحون علي آباء اعرافهم أن يصرحوا لهم بتلك الأصوام الخاصة, مؤيدين طلبهم بأن روحياتهم تكون أقوي في فترة الصوم, بل أن صحتهم الجسدية أيضا تكون أقوي, وأجسادهم تكون خفيفة.
إن الذين يطلبون تقصير الأصوام وتقليلها, هؤلاء يشهدون علي أنفسهم أنهم لم يشعروا بلذة الصوم أو فائدته…
وسنتحدث بمشيئة الرب في الفصول المقبلة عن فوائد الصوم, التي من أجلها صار فرحا للروحيين, وصار للرهبان منهج حياة…