قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (717)
ونحن نقترب من انتخاب مجلس جديد لنقابة الصحفيين في مارس المقبل, بادر الأستاذ ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات بالإعلان عن نيته ترشيح نفسه لمنصب النقيب, والجدير بالذكر أن الأستاذ ضياء شغل هذا المنصب من قبل, إذ هو النقيب الأسبق علاوة علي سابق ترشيح نفسه في الانتخابات السابقة التي فاز فيها النقيب الحالي الأستاذ عبدالمحسن سلامة, لكنه لم يخض الانتخابات بعد أن سحب طلب ترشيحه واعتبر أن الأجواء وقتها غير مواتية حتي أنه خرج وأصدر بيانا حمل عنوان اعتذار وإبراء للذمة.
أما عن تقدم الأستاذ ضياء للسباق الانتخابي مرة أخري -وبالقطع هو لن يكون المرشح الوحيد وستكشف الأيام المقبلة عن مرشحين آخرين- فهذه مناسبة لإعادة طرح الرؤي المرتبطة بانتخاب مجلس النقابة والتي أجدني فيها متفقا مع تطلعات تدعو إلي حتمية تجمع وتوحد جموع الصحفيين- وعلي الأخص من يترشحون لعضوية المجلس الجديد- وراء أهداف تربطهم عوضا عن الانسياق نحو سباقات فردية ومنافسات شخصية تستنزفهم وتستدرجهم للتعريض ببعضهم البعض من أجل الفوز بالكرسي.. فنحن في مسيس الحاجة إلي إعادة النظر في فلسفة الانتخابات الفردية والتحول إلي فكر التحالفات أو المجموعات المتآلفة التي تتفق فيما بينها علي أهداف وخطط واضحة تتقدم بها إلي الناخبين فإذا حازت ثقتهم تكون الفرصة سانحة لوصول تحالف أو ائتلاف بعينه إلي عضوية مجلس النقابة مما ييسر الأمور لتعاون أعضائه معا وانسجامهم وتناغمهم بما يعود بالنفع علي العمل النقابي والنهوض بأحوال المهنة.
أعرف أن الانتخابات النقابية هي انتخابات فردية طبقا للوائح الحاكمة لها, ولا تسمح بنظام القوائم المتبع جزئيا في الانتخابات البرلمانية, لكن حتي في ظل نظام الانتخاب الفردي تظل الفرصة متاحة لتشكيل مجموعات تخوض كل منها مرحلة الدعاية الانتخابية بأعضائها معا وتترك الحرية للناخبين أمام الصندوق لإعطاء أصواتهم إما لأعضاء المجموعة كلهم أو لبعضهم… فنكون علي الأقل حاولنا التغلب علي سلبيات نظام الانتخاب الفردي ومخاطر وصول أعضاء متنافرين غير متفقين علي أهداف العمل النقابي إلي المجلس, لتشهد اجتماعات المجلس صراعات أولئك الأعضاء وتباين توجهاتهم, مما يعوق ويعطل انطلاق العمل النقابي.
فإذا عدنا إلي حشد النشرات الدعائية التي يقوم المرشحون بتوزيعها علي الزملاء الصحفيين أثناء جولاتهم الانتخابية علي دور الصحف أو في مقر النقابة نجد أنه باستثناء اشتراكهم في دغدغة مشاعر الصحفيين بالدعوة لمنع حبس الصحفي والوعد بزيادة الأجور وبدل التدريب, يتفرغ كل منهم إلي تبني سياسات وطرح أهداف وبرامج قد لا تتفق مع مرشحين آخرين بل قد تتعارض معهم… وهنا يقف الصحفي أمام صندوق الانتخاب متسائلا: كيف سيتأتي لأولئك المنضمين إلي مجلس النقابة تنفيذ تلك السياسات أو الوفاء بوعودهم للناخبين؟… إن نظام الانتخابات الفردية يتفاخر بأن كل عضو بالمجلس وصل من خلال ديمقراطية الصندوق, لكنه لا يقدم أية ضمانات لأن يكون المجلس برمته منسجما متآلفا متعاونا خاليا من الصراعات.. فهل نري في الانتخابات المقبلة سعيا حقيقيا من المرشحين لمنصب النقيب نحو تشكيل مجموعات من المرشحين يتقدمون بها خلف أهداف وبرامج تربط كل مجموعة؟… مع بقاء الأمل والدعوة لأن يبادر المجلس الجديد بطرح مشروع قانون يستبدل نظام الانتخاب الفردي بنظام القائمة مستقبلا.
وتبقي لي ملاحظة جانبية لن أيأس من إثارتها في كل انتخابات.. إنها الظاهرة غير الحضارية التي لا تتفق أبدا مع الألفية الثالثة ولا مع مع انتشار استهلاكنا لوسائل التكنولوجيا الحديثة… ظاهرة فوضي طباعة وتعليق وتوزيع اللافتات الدعائية والنشرات الانتخابية للمرشحين, فمع غياب كامل لأية معايير تحكم أساليب ووسائل الدعاية الانتخابية باتت السيادة للانفلات والفوضي والقبح التي تحاصر مقر النقابة من الخارج وتحتله تماما من الداخل, أما الكارثة المهنية والمخجلة التي تضاف علي ذلك فتأتي صبيحة يوم الانتخاب عندما تعج أرضيات وطرقات وسلالم النقابة بالنشرات الدعائية وصور المرشحين التي يتم توزيعها علي الناخبين حال دخولهم للإدلاء بأصواتهم والتي يتخلصون منها فور تلقيها تحت سمع وبصر من يوزعونها فتداس بالأقدام وتترك مشهدا في غاية الفوضي والقبح ناهيك عن أطنان المخلفات التي يرفعها بعد الانتخابات جامعو القمامة في صورة مؤسفة تجسد الهدر والسفه… هل يمكن أن يتصدي المجلس الحالي -أو المجلس الجديد- لصياغة بروتوكول حضاري للدعاية الانتخابية بما يساهم في الذود عن كرامة المهنة وإعلاء شأنها؟