البداية
(لوقا14:25-30)
وكان جموع كثيرة سائرين معه, فالتفت وقال لهم: إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته, حتي نفسه أيضا, فلا يقدر أن يكون لي تلميذا. ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذا. ومن منكم وهو يريد أن يبني برجا لا يجلس أولا ويحسب النفقة, هل عنده ما يلزم لكماله؟ لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل, فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به, قائلين: هذا الإنسان ابتدأ يبني ولم يقدر أن يكمل
والمجد لله دائما
(5) الصوم: فترة حب
مزمور رقم (41)
طوبي للذي ينظر إلي المسكين. في يوم الشر ينجيه الرب. الرب يحفظه ويحييه. يغتبط في الأرض, ولا يسلمه إلي مرام أعدائه. الرب يعضده وهو علي فراش الضعف. مهدت مضجعه كله في مرضه. أنا قلت: يارب ارحمني. اشف نفسي لأني قد أخطأت إليك. أعدائي يتقاولون علي بشر: متي يموت ويبيد اسمه؟ وإن دخل ليراني يتكلم بالكذب. قلبه يجمع لنفسه إثما. يخرج. في الخارج يتكلم. كل مبغضي يتناجون معا علي. علي تفكروا بأذيتي. يقولون: أمر رديء قد انسكب عليه. حيث اضطجع لا يعود يقوم. أيضا رجل سلامتي, الذي وثقت به, آكل خبزي, رفع علي عقبه!
أما أنت يارب فارحمني وأقمني, فأجازيهم. بهذا علمت أنك سررت بي. أنه لم يهتف علي عدوي. أما أنا فبكمالي دعمتني, وأقمتني قدامك إلي الأبد. مبارك الرب إله إسرائيل, من الأزل وإلي الأبد. آمين فآمين. هللويا
الخبزة الخامسة:
الصوم .. فترة حب
الصوم رفيق الصلاة, ونحن نعتبر الصوم فترة حب, ففترات الأصوام هي فترات اختبار محبتنا لله, ونحن نصوم في كنيستنا فترات كثيرة, فكنيستنا كنيسة ناسكة وزاهدة, وهكذا تعلمنا المسيحية.
نصوم أربعة أصوام طويلة أي أكثر من ثلاثة أيام: صوم الميلاد (43 يوما), الصوم الكبير (55 يوما), صوم الرسل (فترة تتراوح من 15 إلي 49 يوما, المتوسط شهر تقريبا), وصوم السيدة العذراء (أسبوعان).
نصوم أيضا أربعة أصوام قصيرة (أي ثلاثة أيام فأقل): صوم يونان, يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع (ماعدا فترة الخمسين المقدسة), صوم برمون عيد الميلاد (يسبق العيد) وهو يدخل في صوم الميلاد, وصوم برمون عيد الغطاس (يسبق العيد).
نحن نصوم في السنة حوالي 196 يوما, وأيام الإفطار حوالي 169 يوما تقريبا, وهذا يرينا مقدار أهمية الصوم في كنيستنا, وفي التربية, وفي البيت الذي يحافظ علي هذه الخبزة.
أيضا توجد أصوام خاصة في كنيستنا, فالكاهن عقب رسامته يصوم 40 يوما علي مثال الأربعين يوما التي صامها موسي النبي, وصامها السيد المسيح, ويصوم الأسقف سنة كاملة.
هناك أيضا أصوام يصومها البعض في أوقات الضيقات والمناسبات, قد تكون أصواما شخصية أو عامة, قد يكون هذا مثلا في فترة اختيار البطريرك الجديد أو فترة القرعة الهيكلية, وهذا نوع من المشاركة الكبيرة جدا لكل الشعب في مناسبة اختيار بطريرك جديد للكنيسة.
الصوم وصية قديمة أم جديدة؟
الصوم وصية قديمة جدا تعود إلي وقت خلقة آدم وحواء عندما كانا في الجنة, وأعطاهما الله تدريب صوم, وكان الله يريد أن يعلم الإنسان في بداياته دروسا كثيرة, وهنا كان الإنسان أمام الامتحان الأول (الصوم, ضبط النفس, الطاعة, وإثبات محبة الإنسان لله), ولكن للأسف سقط الإنسان الأول في هذا الامتحان البسيط جدا, وكسر الوصية وكسر قلب الله.
لهذا هناك آية نقرأها مرتين في العهد القديم والعهد الجديد, وهذه الآية قالها السيد المسيح في التجربة علي الجبل: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان, بل بكل كلمة تخرج من فم الله (تث8:3), (مت4:4).
وصارت هذه الوصية هي قاعدة الصوم, وصارت فترات الأصوام فترات يختبر فيها الإنسان قدرته علي ضبط نفسه, وتزداد فيها محبته لله.
الصوم:
الصوم ليس حرمانا أو كبتا للجسد, وليس رياضة بدنية, إنما هو أساسا تعبير حب, ولذلك يقف الإنسان المسيحي ويعلن أمام الله: إني أحبك.
والصوم ليس تعبيرا عن القوة, فالسيد المسيح في العظة علي الجبل وفي (مت6) تحدث عن أركان الحياة المسيحية, وفي (مت6) تحدث عن أن الصوم يسبقه خطوتان:
الخطوة الأولي هي الصدقة, والثانية هي الصلاة, ثم الخطوة الثالثة هي الصوم أو اختبار الصوم. ومن العجيب أن الصوم الذي هو خبرة حب, يضعه مسيحنا في الترتيب الثالث!
الصدقة التي أخذت المرتبة الأولي هي تعبير عن علاقتي بالآخر, وإحساسي ومشاعري تجاه الآخر في أي احتياج, وهذا الإنسان الآخر لا أنظر إليه بمفهوم ديني أو عنصري أو عرقي, بل هو أي إنسان, لذلك نتألم لألم أي إنسان في أي مكان بالعالم, ونصلي لأجل كل إنسان حتي لو كان بعيدا عنا, ولا نعرف اسمه.
ثم تأتي الصلاة كتعبير عن علاقتنا بالله, ثم يأتي الصوم في المرتبة الثالثة, فالصوم وسيلة قوية جدا تجعل الإنسان يدخل في هذه الخبرة: خبرة الحب.
والصوم المسيحي يعتمد أساسا علي فترة انقطاع, ثم تناول طعام نباتي. فترات الانقطاع تمتد إلي ساعات طويلة قد تصل إلي الثالثة ظهرا (حسب تدبير أب الاعتراف), وفترة الصوم النباتي تأخذ باقي اليوم.
فترة الانقطاع هي تدريب لإرادة الإنسان حين يمتنع الإنسان بإرادته عن الطعام. الصوم لا يكون عن الطعام فقط, وإنما الامتناع عن الطعام هو العنصر الأول, ثم يدرب الإنسان إرادته علي الامتناع, وهي الإرادة التي يقف بها أمام أية خطية.
ثم تأتي فترة تناول الطعام النباتي التي تذكرنا بآدم وحواء اللذين كانا في الجنة قبل السقوط, وكانا يأكلان من طعام الأرض, والطعام النباتي دائما يعطي طاقة هائلة وناعمة للإنسان, ليست طاقة تثير شهواته أو غرائزه.
ولكن في بعض الأصوام (صوم الميلاد, صوم الرسل, صوم العذراء) يسمح فيها بتناول السمك, فالسمك له طبيعة مختلفة عن الأطعمة الحيوانية, والطاقة التي فيه هي طاقة هادئة, وتوالده ليس بطريقة الشهوة أو التناسل.