أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
1976/11/28
** قامت الدول المنتج للبترول منذ حرب أكتوبر 1973 برفع سعر البرميل من 2.5 إلي 11.5 دولار وأكثر من ذلك حسب نوعية البترول, وترتب علي رفع أسعار البترول أن دخل العالم في عهد الطاقة الباهظة التكاليف, وبالتالي أخذت الدول الكبري في زيادة أسعار منتجاتها سواء كانت زراعية أو صناعية بنسب كبيرة مما أدي إلي زيادة التضخم في العالم وارتفاع الأسعار, وازدياد ثراء الدول الغنية الكبري أصلا, فضلا عن الارتفاع المذهل في رصيد الدول المنتجة للبترول.
لقد قفز سعر القمح بنسبة 300%, وارتفع سعر السكر بنسب 1600% أي 16 مرة.. كما ارتفعت أسعار السلع الصناعية بنسب كبيرة.
* وهكذا توفر فائض نقدي رهيب لدي البعض, بينما تردت الدول النامية في هوة أزمة اقتصادية خانقة أولا لتأثير الازدياد المستمر من واردات الزيت علي ميزان مدفوعاتها وثانيا لمواجهة الارتفاع الفاحش في أسعار السلع الصناعية والمواد الغذائية التي تطعم بها أبناءها الأمر الذي يشكل في الوقت الحاضر مأساة إنسانية لابد من إيجاد الحلول لها.
* ومما يدعو إلي الدهشة أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الكبري بتمثيلية معارضتها لرفع أسعار البترول والواقع أنها شريكة في الاستفادة من رفع الأسعار لأنها ستقوم بالتالي برفع أسعار منتجاتها بنسب فاحشة.
ولو رجعنا إلي ميزانيات شركات البترول الأمريكية والأوروبية بعد رفع أسعار البترول لوجدنا أن أرباحها تضاعفت عدة مرات علي حساب الفقراء والمعدمين في دول العالم الثالث.
* وإننا إذا درسنا مشكلتنا الاقتصادية وحاولنا أن نتعرف علي أسباب العجز المتزايد في ميزان المدفوعات المصري لوجدنا أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الصناعية التي نستوردها من الخارج من العوامل الرئيسية التي أدت إلي هذا العجز.. وبالتالي فقد أدي ذلك إلي هذه المعاناة التي أثقلت كاهل الشعب وسدت عليه مسالك العيش الكريم.
* لقد استخدم البترول العربي كسلاح إيجابي في معارك أكتوبر 1973 وأدي دوره في الضغط علي الدول الأوروبية المستهلكة للبترول فأيدت العرب بالقدر الذي يمكن أن تسمح به ظروفها, ولكن أن تستمر المزايدة علي أسعار البترول ويحدث سباق بين الدول المنتجة دون تقدير للأضرار الوخيمة التي تلحق بالدول النامية فهذا يستدعي أن تتضافر جهود هذه الدول لوقف هذا السباق إنقاذا للملايين التي تتضور جوعا أو التي علي شفا الهلاك.
لابد من موقف موحد.. وعلي مصر وهي الدولة التي لها ثقلها وفاعليتها أن يكون لها صوت مسموع وموقف حاسم إزاء هذا الموضوع الخطير.
* ولنلق نظرة موضوعية للأرقام التي تتصدر الإحصائيات العالمية والتي تقدر للدول العربية المنتجة للبترول فائضا يبلغ 50 مليار دولار في 1980, وأن الاستثمارات لدي الدولالغربية الكبري لحساب دول البترول سوف تصل إلي 400 ألف مليون دولار في سنوات قليلة قادمة..
ومن حقنا ونحن نطالع هذه الأرقام أن نتسادل.. لماذا تساهم هذه البلايين في الإنعاش الاقتصادي لغير العرب في الوقت الذي تعاني فيه بعض البلاد العربية من الفقر والتخلف والأمية وعجز ميزان مدفوعاتها؟
هنا من يتشدق بالفائض العربي.. بينما تنهش البلهارسيا ملايين العرب ويعاني الكثيرون من فقر الدم, وترتفع نسبة الذين لا يحصلون علي الحد الأدني من السعرات الحرارية في الغذاء إلي أكثر من 47% من مجموع سكان الوطن العربي حسب احصاءات منظمة الصحة الدولية.
إنه لمن المخجل أن نتحدث عن زيادة الأسعار.. والفوائض.. بينما يموت البعض جوعا. وتصل نسبة الأمية في بعض البلاد المنتجة للبترول إلي أكثر من 90%!!
* إننا نمر بمرحلة حاسمة تتحد فيها مصائر الأمور.. ومن هنا نقول بمناسبة اجتماع الدول المنتجة للبترول لدراسة رفع أسعاره أن علي مصر أن تعمل علي وقف هذا السباق الخطير لرفع الأسعار, ويكفي ما تعانيه شعوب الدول النامية من عذاب في حل هذه المعادلة المستحيلة.. كيف تسد حاجة الأفواه إلي الغذاء مع الارتفاع بمستوي الإنسان إلي الحد الأدني من الحياة الكريمة عن طريق التنمية اجتماعيا واقتصاديا.
وبعد.. إننا ننظر للمشكلة نظرة شاملة.. فليس من العدل أن يزداد الثراء فيموت البعض من التخمة.. بينما يتعرض الكثيرون للهلاك عجزا عن الوصول إلي لقمة خبز!!