ثمة مساحة مشتركة,كبيرة وليست صغيرة,تجمع بين المواطنين المصريين,علي الرغم من تنوع الانتماء الديني فيما بينهم,وعلي الرغم أيضا من الاختلاف المذهبي داخل الدين الواحد وه تشابهات ومشتركات عبرت عنها الكثير من القيم والعادات والاعراف والتقاليد وكثيرا ما نشاهدها عبر مظاهر الحياة اليومية وممارساتها في الأفراح والأحزان,وفي الأعياد القومية والمناسبات الدينية,في الموالد الشعبية والممارسات الاجتماعية في طلب البركة والتماس المعونة من القديسين وأولياء الله الصالحين وبالاجمال في مختلف المناسبات بصورة تعكس قدرا كبيرا من المحبة واتسامح وقبول الآخر المختلف والرغبة في تأكد العيش المشترك والتعاون البناء بين المواطنين بعضهم بعضا.
تعبر تلك المساحة من التشابة في حقيقة الأمر عن وحدة الشخصية المصرية وأصالتها وقدرتها علي استيعاب كل ماهو جديد ليتسع مخزون الشخصية ويزداد غناها وثراؤها وهي سمة أساسية ميزت المصريين منذ أيام مصر القديمة مرورا بالحقبة القبطية ثم الحقبة الإسلامية وصولا إلي مصر الحديثة والمعاصرة,مايعبر أيضا عن ثقافة واحدة لجميع المصريين لكنها تضم مجموعة من الثقافات الفرعية التي تتواصل فيما بينها ولا تتنافر تستمر ولا تنقطع.
في هذا الإطار يأتي كتابقبة سدينا الولي:ميراث التسامح في وجدان المصريين لمؤلفه الصديق العزيز محمد عبد الله المدرب الصحفي والإعلامي وهو جهد متميز يتناول الكاتب من خلاله جانبا مهما من ثقافة المصريين يتعلق بعالم الموالد الشعبية والاحتفالات الاجتماعية بأولياء الله الصالحين في الإسلام وغيرهم من الشهداء والقديسين في المسيحية,حيث يقصدهم المصريون,يلتمسون بركتهم ويتشفعون بهم طلبا لتحقيق احتياجات متعددة ومطلبات متنوعة.
يأتي الكتاب في مقدمة وثمانية فصول حيث تحمل المقدمة عنوانعتبة دخول:مصر الهبة والواهبة والفصل الأول:الماضي والحاضر والتشابه العجيب,والفصل الثاني:الأولياء الفراعنة وجذور الاحتفال بالموالد,والفصل الثالث:المصريون القدماء وبدايات الفكر الصوفي,والفصل الرابع:الصوفية المسيحية والاحتفال بالقديسين والفصل الخامس:إيزيس ومريم وزينب ثلاثية مصر المقدسة,والفصل السادس:الاحتفالات الشعبية بالموالد في العصر الإسلامي,والفصل السابع:الأولياء والقديسين في كتابات الرحالة والمستشرقين,والفصل الثامن:رحلة مع موالد الأولياء والقديسين.
صدر كتاب قبة سيدنا الولي في إطار مبادرة إعلام المواطنة والحوار التي شرفت يتأسيسها منذ نحو عشر سنوات والمبادرة إذ تقدم هذا الكتاب لجمهور القراء بوجه عام وللصحفيين والإعلاميين وغيرهم من طلاب الصحافة والإعلام,بوجه خاص,فإنها تبغي الاستفادة منه في التكوين المهني والثقافي للجماعة الصحفية والإعلامية وزيادة وعيهم بأن ما يجمعنا أكثر كثيرا مما يفرقنا وأننا جميعا نعيش في وطن واحد ويجمعنا مصير مشترك,ما ينعكس بالضرورة علي المعالجة الصحفية والإعلامية لقضايا المجتمع المصري وموضوعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تحية واجبه للصديق الحبيب والزميل العزيز محمد عبدالله الذي وضع يده علي منطقة مهمة من مناطق التقارب بين المصريين,بصورة تعكس أصالة الشخصية المصرية وميلها الدائم نحو العيش المشترك والتعاون البناء وغيرها من قيم المحبة والتسامح وقبول الاختلاف ولعلي أدعو وزارة الثقافة بما تحويه من دور نشر إلي الاهتمام بنشر طبعة شعبية من هذا الكتاب حتي يقرؤه الشباب والكبار لتتحقق الفائدة المرجوة منه وتعم.
أعزائي القراء…في بدايات القرن العشرين وبينما كانت مصر واقعة تحت سيطرة الاحتلال البريطاني الذي اتبع سياسته الشهيرةفرق تسد إلا أن دعاة الاتحاد وقفوا بقوة أمام تلك السياسة حيث بينوا وحدة الشعب المصري عبر معاركهم الوطنية وإسهاماتهم الفكرية بالكثير من الآراء التي طرحوها والمواقف التي اتخذوها ومن ذلك أن أمير الشعراء أحمد شوقي أبدع قصيدة شعر قال فيها أعهدتنا والقبط إلا أمة…للأرض واحدة تروم مراما,نعلي تعاليم المسيح لأجلهم…ويوقرون لأجلنا الإسلاما,هذي ربوعكم وتلك ربوعنا…متقابلين نعالج الأياما,هذي قبوركم وتلك قبورنا…متجاورين جماجما وعظاما,فبحرمة الموتي وواجب حقهم…عيشوا كما يقضي الجوار كراماالدين للديان جل جلاله,لو شاء ربك وحد الأقوامك ومن جانبه نظم عوض واصف وكان يعمل صحفيا وشاعرا قصيدة شعر قال فيهاأبناؤها عبد المسيح وأحمد…والموسوي وليس ثم دخيل لافرق بين العالمين وأرضهم…وطن واحد والجميع سليل ماذا جناه الناس في نزعاتهم…يا صاحبي وماجني التفضيل؟هل في السماء مذاهب وعناصر…هل ثم إلا صاحب وخليل؟فعلام نتخذ الخلاف صناعة في الأرض وهي لحيظة وتزول؟ وكانت غايتهما التأكيد علي وحدة المصريين وتكاملهم رغم اختلاف الانتماء الديني فيما بينهم.
Ramyatta610yah.00com.com