تحتل المقارنات بين الإنسان والحيوان حيزا ثقافيا كبيرا، فهي غالبا محور منظومة الاستعارة والتشبيه من أجل تقييم المواقف أو وصف السلوكيات والملامح. وبالطبع فإن المقارنة الواعية يصنعها الإنسان، لأنه الكائن الوحيد الذى يمتلك سلطة الوصف والتصنيف، ويفعل ذلك لأغراض بشرية خالصة ليس لها علاقة بالحيوان، فأن نصف شخصا ما بأنه حيوان فهذا بهدف التقليل من شأنه أو إهانته، أو نصف فعلا ما بأنه من أفعال الحيوانات فذلك بغض إدانته أو تجريمه. ولكن بالمقابل هناك صفات حيوانية يتم استخدامها بوصفها رموزا إيجابية مثل التشبيه بشجاعة الأسد، ورشاقة الغزال، وخفة الطائر. وبالمقابل ثمة حيوانات تقع صفاتها بين السلبي والإيجابي كوفاء الكلب والذي يمكن أن يكون قيمة إيجابية عندما نصف الكلب، ولكنه في الوقت ذاته يمكن أن يكون رمزا للذل والخنوع عندما يتم اسقاطه على الإنسان. قلما يتم تشبيه الحيوان بالإنسان، إلا فى بعض الحالات عندما نرى أن الحيوان يتصرف تصرفا واعيا، فنعرب عن دهشتنا بأنه ارتقى إلى تصرفات الإنسان. وبالمقابل، فإن الحيوانات أيضا يمكن أن تصنف البشر، ليس بنفس الطريقة الواعية بكل تأكيد، ولكن بفعل مؤثرات فطرية أو سلوكية، فقد تعرف بعض الحيوانات من تحب ومن تكره، ولمن تأمن وممن تخاف.
ولأن البشر هم أصحاب سلطة الوصف والتصنيف، فإن استخدام سلطهم هذه لا يعني الإرتكاز إلى حقائق بالضرورة، بل يعني الرغبة “الإنسانية” في استخدام التصنيفات وتوظيفها لاعتبارات تتعلق بعلاقة البشر ببعضهم وليس علاقاتهم بالحيوانات، أو لنقل بصورة أدق أن توظيف الأوصاف الحيوانية، والذي غالبا ما يتم بالمعنى السلبي، هو بدافع تخليص فكرة “الإنسانية” بمعناها المجرد من كل الشرور ونسبتها إلى عالم الحيوان، فأن نصف شخصا ارتكب جرما بأنه حيوان، فهذا معناه أنه خرج من عالم الإنسان إلى عالم الحيوان، مع أنه فعل فعلته بوصفه أو لكونه من عالم البشر وليس عالم الحيوان. ولنعطي مثالا عاما على ذلك، فقد ينظر البشر إلى عالم الحيوان الفطري في الغابة باعتباره المجال الطبيعي للعنف والتوحش، وبالطبع فإن عالم الغابة فيه عنف وتوحش فطري، ولكنه يخضع لقوانين البقاء والتوازن البيولوجي، ولا يخرج عليها. أما البشر فإنهم يصنعون الشر والتوحش ويتفنون في صنعه في شكل حروب واستغلال وجرائم وإرهاب. إن الحيوانات، حتى في أكثر أشكالها توحشا، لا تستغل تكون أكثر ثراء ولا تقتل بدافع الانتقام، والحيوانات لم ترتكب جرائم ضد الحيوانية، في حين أن الإنسان يرتكب جرائم ضد الإنسانية فنصفه بأنه حيوان.
وحتى في السلوكيات الجنسية، غالبا ما يتم وصف السلوكيات “المنحرفة” للإنسان بأنها سلوكيات حيوانية، وهذه أمر ينطوي على مغالطات، لأن السلوكيات الجنسية للحيوانات متنوعة وتخضع لمؤثرات فطرية لا يحيد عنها كل حيوان حسب نوعه وفصيلته، وقد تكون من بين السلوكيات الجنسية لبعض الحيوانات ما هو أكثر تحفظا من سلوكيات الإنسان إذا ما حسبناها بالمعايير التي وضعها البشر. وبالمثل فإن السلوكيات الجنسية للإنسان متنوعة، ولكن دائما ما تخضع لشروط وقواعد حسب الثقافات المختلفة. ولأنها كذلك فإن الخروج عن هذه الأطر والقواعد يعد انحرافا أو شذوذا. ولأن البشر يستنكفون الاعتراف بالانحرافات كسلوكيات بشرية، أو لأنهم يريديون حماية قواعدهم وأخلاقياتهم، فأسهل طريقة لإبراز بشاعة السلوكيات “المنحرفة” هو وصفها بأنها سلوكيات حيوانية، وغالبا ما ينتقي البشر من سلوكيات الحيوان الطبيعية والمتنوعة ما يشبه هذا الإنحراف أو ذاك ويتم تعميمه وكأنه سلوك حيواني عام.
يحتل الإنسان المرتبة الأعلى في هرم الكائنات الحية، ولأنه في هذه المكانة فإنه يمتلك سلطة الوصف والتصنيف، وهذا بدوره جعله أكثر الكائنات وعيا وأكثرها عنصرية وأوسعها شرا. فعندما ننظر إلى كم أسلحة الدمار التي يتم إنتاجها واستخدامها، ومعدلات العنف والإرهاب، وجرائم الاستغلال بما في ذلك الإتجار بالبشر، وعلاوة على ذلك التدمير المنظم للبيئة بما يهدد الحياة على الكوكب، فربما يكون علينا أن نخجل عندما نهين واحدا من بني البشر ونقول له: “أنت حيوان”.