في تقريرها الأخير وضعت مفوضية الحريات الدينية مصر في المستوي الثاني, أي المستوي الذي لا يرقي لتصنيف الدولة كدولة تمثل مـصدر قـلق خـاص. لا ننكر أن توجه الدولة المصرية ومنذ ثورة 30 يونية تتجه نحو محاولات جادة لتجديد الخطاب الديني وإرساء قيم التسامح, وقام الأزهر بإصدار وثيقة تقر حرية الاعتقاد, استنادا إلي ما أكده القرآن الكريم في آيات عديدة أنه لا إكراه في الدين, بما يتفق وسماحة مؤسسة الأزهر في توصيل رسالة الإسلام وتوضيح حقائقه عن طريق الحوار الهادئ والنقاش البناء.
وقد قامت الدولة بإعادة بناء 56 كنيسة تم تدميرها خلال عام 2013, وتحديدا من جانب جماعة الإخوان الإرهابية في أعقاب ثورة 30 يونية, وكذلك وافق البرلمان علي قانون تنظيم بناء الكنائس, فضلا عن إنشاء لجنة وطنية في يناير 2017 لإصدار التصاريح لبناء الكنائس وفقا لما جاء في القانون.
كما أن هناك محاولات يمكن اعتبارها جادة من قبل الأزهر في مراجعة مناهجه الدراسية والمقرر الانتهاء منها عام 2022, بالتعاون مع وزارة الأوقاف, بالإضافة إلي الخطوات الإيجابية التي اتخذتها الأوقاف لتنظيم عملية الفتوي يؤكد أن المؤسسات الدينية تعالج أصل المرض ولا تكتفي بالمسكنات لعلاج العرض.
وقد كان بناء أكبر كنيسة في الشرق الأوسط بالعاصمة الإدارية الجديدة وافتتاحها من قبل رئيس الجمهورية ومشاركته أقباط مصر احتفالهم بقداس عيد الميلاد بمثابة قطع الطريق أمام أية دعاوي تشكك في إيمان الدولة ورئيسها بحقوق الأقباط الكاملة.
هذا عن توجه الدولة الرسمي ومؤسساتها تجاه الحريات الدينية وضمان الحق في حرية الاعتقاد, لكن الواقع يؤكد أن هذه المحاولات التي نثمنها من قبل الدولة مازالت تنقصها خطوات أكثر جدية في تمتع كافة المواطنين بحقهم في الاعتقاد وممارسة الشعائر, ويبدو الأمر وكأن هناك تنظيما خفا داخل مؤسسات الدولة يمنع ويعرقل محاولات الدولة الجادة في الوصول إلي دولة المواطنة فمازال الإطار التشريعي الذي يجرم الاعتداء علي الحق في حرية العقيدة لا يتناسب وخطاب الدولة المتحرر ومازالت عقوبة ازدراء الأديان التي دست علي قانون العقوبات تشهد تمييزا في تطبيقها بين المواطنين في مصر, كما أن استمرار الجلسات العرفية والاعتراف بها يمثل أهم تحد لسلطة الدولة وسيادتها. ومن ناحية أخري مازالت وسائل الإعلام التي تتناول الشأن الديني في مصر تفتقر إلي أدوات نشر التسامح وقيم القبول بالآخر فضلا عن تغطية غير محايدة بل ومنحازة في كثير من الأحيان.
مجمل القول: لا يمكن الحديث عن دولة وطنية حديثة يتمتع فيها الكافة بحرياتهم الدينية من دون إطار صارم لتجريم الاعتداء علي هذه الحريات ومن دون إعلام يؤمن بالتنوع والتعدد, ومن دون مناهج تعليمية تؤمن بأن مصر دولة تعددية يعيش علي أرضها مواطنون مسيحيون ومسلمون.
سعيد عبدالحافظ
[email protected]