أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والوحدة الوطنية
قرأت بجريدة التايمز اللندنية, أثناء وجودي بالخارج, عما حدث من اعتداءات دامية بسوهاج وبني سويف, وعند وصولي من الخارج هذا الأسبوع, قرأت بالصحف عن حرائق كفر الشيخ, كما وجدت في انتظاري الكثير من الرسائل من إخواننا المسلمين, يبدون فيها أسفهم وحزنهم عما حدث, ولا أدري ماذا جري بمصر والمصريين في السنوات العشر الأخيرة, فلا يمر شهر إلا ويحدث اعتداء علي الكنائس ومحال ومنازل المسيحيين بالحرق والنهب والسلب, كما يعتدي عليهم بالضرب والإيذاء, وقد وصل الأمر في بعض الأحيان للقتل والتعذيب.. ومن المؤسف أنه في كل مرة تحدث فيها هذه الاعتداءات, يخرج علينا بعض المسئولين بتصريحات تفيد بأنها حوادث فردية, وقد تمت معالجتها, وهذا غير صحيح, إذ أنها اعتداءات مخططة لا تجد من رجال الحكومة الاهتمام الكافي, وكل ما تقوم به هو القبض علي بعض الأفراد, الذين يفرج عنهم بعد أيام لعدم كفاية الأدلة.
حقا, لقد قامت قيامة الكتاب والمفكرين, وكتبوا مستائين لهذه المآسي البشعة, كما أقيمت الاجتماعات والندوات الكثيرة, التي كان آخرها اجتماع كبار المفكرين والسياسيين يوم الاثنين الماضي, وقد شارك فيها الأساتذة: توفيق الحكيم, ونجيب محفوظ, والدكتور زكي نجيب محمود, والدكتور وحيد رأفت, والدكتور ميلاد حنا, والدكتورة نعمات فؤاد, وغيرهم من أهل الرأي والمثقفين, مناقشين هذه الظاهرة الخطيرة: أسبابها, ووجوب التصدي لها.
لقد أعجبني كل الإعجاب ما كتبه في هذا الصدد فضيلة الشيخ محمود عبدالوهاب فايد بجريدة النور, موضحا ما جاء به الإسلام والقرآن الكريم من احترامه للدين المسيحي, وما أمر به من حسن معاملة المسيحيين والأقباط, وحرصه علي سلامتهم, وقد أورد فضيلته المثال الآتي علي عدالة الإسلام وحدبه علي الأقباط:
إن شابا قبطيا وابن عمرو بن العاص كان يمتدح كل منهما حصانه الفائز, وما أن اشتد الجدل بينهما حتي صفع ابن عمرو بن العاص الشاب المسيحي علي وجهه, فلم يقابل المسيحي الشر بالشر, بل شد رحاله إلي الخليفة عمر بن الخطاب, وقص عليه قصته, فأمر أمير المؤمنين باستدعاء عمرو بن العاص وابنه, فلما مثلا أمامه أمر كلا منهما أن يروي قصته, فلما وجد عمر ابن الخطاب أن الروايتين متفقتان, أمر المسيحي بأن يصفع ابن عمرو بن العاص علي وجهه, ففعل, ثم عاد عمر بن الخطاب فأمر المسيحي بأن يضرب عمرو ابن العاص نفسه, فاعتذر المسيحي, وحينئذ شكره عمر بن الخطاب وقال له: لو ضربته لما لمتك, ثم وجه الكلام إلي عمرو بن العاص قائلا: كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.. نعم. بهذه العدالة, وبهذا الحزم الشديد, بدأ الإسلام وانتشر, واستحوذ علي احترام الجميع.
إن الموضوع جد خطير, فلو أن الحكومة -منذ بدء هذه الأحداث من أكثر من عشر سنوات- قد قامت بالقبض علي المحرضين والمنفذين ومعاقبتهم بأشد العقوبات, لتوقف هؤلاء المخربون عن هذه الأعمال المؤسفة, لكنها تلكأت وتهاونت حتي استشري الأمر, ولا يمر شهر إلا ونسمع عن أحداث جديدة.
إن الحكومة تعمل جاهدة علي معالجة الأزمة الاقتصادية, وتشجيع الاستثمار, وهذا لن يتأتي إلا بوجود استقرار سياسي وأمني بالبلاد, إذ كيف ينمو الاستثمار وهذه الاعتداءات تتوالي من حين إلي آخر, فتؤذي سمعة البلاد, وتخيف رؤوس الأموال.
إني أطالب الحكومة بتعديل التشريع, وتشديد العقوبات علي مثل هذه الأعمال التي تسئ إلي مصر أشد الإساءة, ثم علي رجال الإدارة المسارعة إلي القبض علي كل من يحرض أو يقوم بهذه الفتنة, وتقديمه لمحاكمة سريعة, وتوقيع أشد العقوبات عليه, حتي يكون عبرة لغيره, فتقف مثل هذه الاعتداءات, وتلتقط البلاد أنفاسها بعد هذا العناء.