البداية
(لوقا14:25-30)
وكان جموع كثيرة سائرين معه, فالتفت وقال لهم: إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته, حتي نفسه أيضا, فلا يقدر أن يكون لي تلميذا. ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذا. ومن منكم وهو يريد أن يبني برجا لا يجلس أولا ويحسب النفقة, هل عنده ما يلزم لكماله؟ لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل, فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به, قائلين: هذا الإنسان ابتدأ يبني ولم يقدر أن يكمل
والمجد لله دائما
مراحل التوبة:
يمر الإنسان التائب بثلاث مراحل, مثلما مر بها الابن الضال:
الأولي: رجع إلي نفسه وشعر بالخطية وأحس بالندم.
الثانية: أنه رفع صلاة من أعماقه, فيها مشاعر الانسحاق الصادقة.
الثالثة: وقفة مع النفس, ووقفة أمام الله, ووقفة مع أب الاعتراف.
الوقفة مع النفس هي الشعور بالخطيئة والشعور بمرارتها.
أما الوقفة أمام الله فيها يتعهد بعدم الرجوع.
ثم الوقفة أمام أب الاعتراف وفي بيت أبيه السماوي أي الكنيسة, ويقر فيها بخطيته بمشاعر التوبة, وحالة التوبة التي يطلبها ويريد أن يعيشها, ثم ينال بركات التوبة.
مسميات التوبة:
1- بعض القديسين يسمون التوبة أنها الميناء الثاني بعد الغرق.
2- بعضهم يقول التوبة هي الاعتراف, ويسميها القديس أغسطينوس المصالحة, لكن المهم أن ينسحق قلب الإنسان بالحقيقة. التوبة ليست بالكلام إنما هي مشاعر وانسحاق القلب حسب مزمور التوبة, والإيمان القوي بشخص المسيح, والتعهد أمام الله بعدم العودة.
لذلك إذا أردت التوبة, اعرف أن نفسك غالية جدا أمام الله, والله يمنحك عمرك لكي تقتني التوبة, واعلم أن مسيحك يمد يده علي عود الصليب, وينتظر أن يقيمك, فهو المسكن العاقر في بيت, أم ولاد فرحانة (مز113:9), أي تصير ثمار للإنسان التائب, فالذي يأتي إلي المسيح لكي ما يشبع بتوبته, لا ييأس أبدا, فهو عنده رجاء.
لذلك يا إخوتي نجد أن المسيح عندما مات علي الصليب مات وذراعاه مفتوحتان, كأنه يدعو كل إنسان ومازال يدعو إلي التوبة.
باب التوبة دائما مفتوح لا يغلقه إلا موت الإنسان.. باب التوبة مفتوح, والله ينتظر توبتك: اليوم, إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم (عب3:15).
محبة الله المتدفقة:
من أوائل الكلمات التي كرز بها السيد المسيح قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله, فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (مر1:15), ولاحظ أنها صيغة جماعية أي أنها لنا جميعا, فالبيت الواحد كل أفراده يساعدون بعضهم البعض علي هذه التوبة, وهكذا الأصدقاء, وفي الخدمة.
يا من تريد أن تتوب: اعرف أن قلب الله متسع جدا, هو ينتظر توبتك, فالله أبوته متدفقة نحو الإنسان. وهذا التدفق للمحبة نراه في صورة جميلة في مثل الابن الضال, ومازالت محبته متدفقة..
أنت يا من تريد أن تتوب, أعلم أن الله يستطيع أن يمحو خطاياك السابقة كلها.
عندما كان معلمنا بولس الرسول شاول الطرسوسي إنسانا يضطهد كنيسة الله بإفراط, وكان قاسي القلب, وانتظر الله عليه طويلا, نجد في الوقت المحدد يظهر له في طريق دمشق, ويقف بولس الرسول علي أول طريق التوبة عندما يصرخ إلي الله: يارب, ماذاتريد أن أفعل؟ (أع9:6).
أرأيت كيف أن التوبة هي خطوة حب وخطوة إلي الأمام, فتقضي حياتك في خطوات إلي أن تصل إلي الميناء بسلام, فمحبة الله وتدفق هذه المحبة والمغفرة الشاملة تتدفق نحو الإنسان في كل يوم, ولكن تبدأ توبته الحقيقية عندما يصرخ أمام الله: يارب, ماذا تريد أن أفعل؟ (أع9:6) فيتخلي الإنسان عن ذاته وشخصه, وعن فكره الذاتي, ويسلم إرادته في يد المسيح.
من صور المحبة المتدفقة نحو الإنسان التائب أن الله يمنح الإنسان فرصة ثانية.
بطرس الرسول أخطأ وأنكر وكان تلميذا, أما مسيح الحب في حياتنا يظهر في معجزة صيد 153 سمكة (يو21), ويظهر لبطرس مع التلاميذ ثم يدعوه أتحبني ويكررها ثلاث مرات, ويطلب منه أن يرعي خرافه, وكأن هذه المرات الثلاث كطرقات حب رقيقة. وقد نال إكليل الشهادة في نهاية حياته. فالله يعطي أكثر من فرصة للإنسان, وطوبي لمن يمسك بهذه الفرص.
ربما علي نفس المنوال المرأة التي سقطت في الخطية, فعندما أمسكوها وأوقفوها أمام المسيح, وقدموها له لكي ما ترجم, انظر كيف أعطاها الله فرصة ثانية وحياة ثانية. فالتوبة هي فرصة إما أن تنالها وإما أن تضيع منك, وأحيانا يعطي الله هذه الفرصة حتي في آخر أيام حياة الإنسان, وأحيانا في الساعات الأخيرة من حياته, مثل اللص اليمين الذي قبله المسيح, ونقول عليه في التعبير الكنسي اللطيف: سارق الملكوت, لأنه انتهز الفرص ولم يضيعها منه.
الفرص التي يمنحها الله للإنسان لا حصر لها, ولكن المجتهد هو الذي يمسك هذه الفرص ويقدم من خلالها التوبة.
الله دائما يعطي الإنسان هذه النعم من أجل توبته, فالله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون (1تي2:4), نأخذ شخصية زكا كمثال ونتأمل كيف اصطادته محبة المسيح.. كذلك الإنسان الذي كان له 38 سنة مطروحا علي البركة, أتي المسيح إليه وسأله أتريد أن تبرأ؟.. مازال نداء المسيح لكل إنسان: أتريد أن تبرأ؟.
اجتهد أن تشبع بهذه الخطوة إن كنت في فتور أو بعد أو نسيان أو غفلة أو كانت الخطية تسرقك أو تنسيك وقتك وعمرك وحياتك.
ما رأيك أن يكون هذا اليوم هو بداية توبتك, ويكون فرصة تتعهد فيه أمام الله لبدء حياة جديدة.. إذا أردت, فالله سيزيل منك كل قلق, ويمنحك سلاما ونعما كثيرة, وتعيش حياة النصرة.
ليعطنا الله أن نفرح ونعيش بهذه التوبة في حياتنا علي الدوام.