عيد الغطاس (عيد الابيفانيا )أى الظهور الإلهى هو أحد الأعياد السيدية الكبرى وهو الثالث فى الأهمية بعد عيدي الميلاد والقيامة.
كانت معظم الكنائس حتى قرب نهاية القرن الرابع تعيد لميلاد المسيح وعماده معا فى عيدا واحدا يسمى الإبيفانيا بإعتبار أن الميلاد والعماد يؤديان مضمونا واحدا هو ظهور لاهوت المسيح للعالم ، فالميلاد أظهر الابن متجسدا والعماد أظهر الثالوث، وأكد ذلك كاسيان ( ٣٥٠- ٤٣٥) فذكر إن المعمودية والميلاد كان يحتفل بهما فى مصر فى يوم واحد ،ولكن الكنيسة رأت فيما بعد ضرورة فصل العيدين تدعيما لكل منهما على حدة وأختص عيد عماد السيد المسيح بتسمية الإبيفانيا.
وعاصر القديس يوحنا ذهبي الفم ابتداء فصل العيدين رسميا – طبقا لما ذكره كتاب أعياد الظهور الإلهى لابونا متى المسكين- ففى أحدى عظات ذهبي الفم التى ألقاها عام ٣٨٦ ليلة عيد الميلاد ذكر أن العيدين كانا إلى سنين قليلة مضت تعيدهما الكنيسة معا ثم بعد ذلك أختص عيد الغطاس باسم الابيفانيا دون الميلاد وذكر ذهبي الفم فى عظته سبب ذلك فقال أن الرب فى الغطاس استعلن للجميع فى حين إنه فى ميلاده ظل مخفيا عن الجميع.
ويشرح الأنبا رافائيل كلمة “الأبيفانيا ” ويقول انها كلمة يونانية تعنى الظهور وهو لفظ يستخدم أيضا فى الحياة العامة للتعبير عن زيارة شخصية عظيمة كالإمبراطور حين يحضر ، وتوجد تسمية لعيد الغطاس وهي (الثيؤفانيا) و تعنى الظهور الإلهى أيضًا لأن المعمودية تعنى ظهور الثالوث المقدس.
وفى عظة للقديس غريغورس النرينزى القاها ف عيد الغطاس سنة ٣٨١ يتبين بوضوح ان وقتها كان عيد الابيفانيا له طقس فى الكنيسة مستقل عن عيد الميلاد.
وتوجد إشارات متفرقة كثيرة تفيد أن كنائس كثيرة وخاصة الكنيسة المصرية كانت تعيد للغطاس منذ زمن بعيد كما توجد إشارة فى سجلات الإمبراطور ثيئوذوسيوس تفيد توقف أعمال دور المحاكم والإحتفالات العامة ودور الملاهى كعطلة رسمية للدولة يومي عيد الميلاد وعيد الغطاس.
وفى عيد الغطاس كان على عاتق بابا الاسكندرية مسئولية الإعلان عن ميعاد بدء الصوم الكبير وموعد عيد القيامة على أسس فلكية دقيقة وكانت تأخد به كافة كنائس العالم والمعروف تاريخيا أن أول من اضطلع بهذه المهمة كان القديس ديونيسيوس بابا الاسكندرية وذلك حسب ما ذكره المؤرخ يوسابيوس القيصرى وحافظ على هذا التقليد كافة البابوات من بعده وأشهرهم القديس اثناسيوس الذى كان يصدر خطاباته الفصحية بعد عيد الغطاس مباشرة وكانت مليئة بالوعظ والتعليم، وكانت أول رسالة له فى عيد الغطاس سنة ٣٢٩م وكانت بمثابة تنبيه روحى مبكر لإيقاظ وعى الشعب باهمية التوبة.
وقال كاسيان الناسك : انها عادة قديمة فى مصر أن يقوم أسقف الإسكندرية بمجرد انقضاء عيد الابيفانيا بإرسال خطابات دورية إلى عموم كنائس مصر وأديرتها يحدد فيها بدء الصوم وعيد القيامة.
وسمى عيد الغطاس ايضا ب عيد الانوار فيقول القديس غريغورس النزينزى فى العظة ٣٩ هذا اليوم المقدس هو عيد الأنوار نعيده بالإحتفال لأن فيه أعتمد المسيح النور الحقيقي الذى ينير لكل انسان آتى إلى العالم وكانت الكنيسة ترمز لهذا ب إيقاد الشموع الكثيرة والتى كانت فى البيوت أيضا تعبيرا عن النور الإلهى الذى دخل إلى العالم فى ذلك اليوم ولهذا اصبح يسمى فى بعض كنائس الغرب ب عيد الشموع.
وكانت الكنائس تضم مغطس يغطسون فيه للتبرك بمعمودية المسيح، وكانت الناس تمسك شموع فيسمى عيد الأنوار لأن المعمودية فى الفكر المسيحى هى الاستنارة ويلبس المعمد اللون الأبيض ويزف لأنه حصل على استنارة الروح القدس، والمسيح حين تعمد فى نهر الأردن نزل ليقدس المياه وليؤسس سر المعمودية فى الكنيسة وهو باب الأسرار، وكل نعمة نعيشها كمسيحيين تنبع من سر المعمودية وننمى سر المعمودية بالتناول والتوبة .