يارب, علمنا أن تصلي كما علم يوحنا تلاميذه (لو11:2), هذه العبارة تفوه بها أحد تلاميذ السيد المسيح, وهنا نتساءل: هل نستطيع أن نجزم بأننا نصلي حقا؟, هل صلواتنا نابعة من القلب؟ للأسف توجد بعض الأفكار الخاطئة عن الصلاة, نورد منها ثلاثة أمثلة:1) عندما سألت الجدة حفيدتها: هل تصلين في المساء يا حبيبتي؟, أجابت الحفيدة: بالطبع, وأضافت الجدة: هل تفعلين ذلك في الصباح أيضا؟, أجابتها: لا… لأنني لا أشعر بالخوف أثناء النهار.
2) كانت امرأة طاعنة في السن تحكي لأحفادها عن الحرب العالمية قائلة: كم كان الله عظيما معنا حتي أنه لم يتركنا أبدا, وكنا نصلي له ليجعل القنابل تسقط علي معسكر الأعداء وتدميرهم.
3) كانت عادة بعض أفراد الأسرة أن يدعو العمة للتنزه معهم, ولكن هذه المرة لم يفعلوا ذلك, حتي أنهم ذهبوا في آخر لحظة لدعوتها, فأجابتهم بحدة: فات الآوان, لأنني دعوت الله لتمطر السماء. إذا كم من مرة نتشبه بهؤلاء في صلاتنا ودعائنا؟.
هل تعودنا أن ندعو للآخرين بالخير والحب والسلام في طقوسنا وصلواتنا؟ لذلك نستطيع أن نميز بين من يتلون الصلاة بأفواههم فقط, ومن يصلون حقا, مما لا شك فيه أن هناك هوة عميقة بين المثالين. فأصحاب النوع الأول سعداء عند الانتهاء من صلاتهم التي يرددونها بالفم فقط, ولكن القلب بعيدا عن الله, بينما المصلين حقا يشعرون بالاحتياج لخلق جوا روحانيا مع الله الذي يرفعون له صلاتهم والذين يتلون الصلاة فقط بأفواههم, يقيمونها بالكم, ولكن الذين يصلون حقا, يعتبرونها حوارا مع الله ويهتمون بالكيف لذلك عندما نهتم بتلاوة الصلاة فقط كسرد الكلمات, يغلب علينا طابع السرعة حتي ننتهي من هذا الواجب, ولكن عندما نصلي بقلوبنا, لا ننظر للساعة والوقت ولكننا نريد التقرب من الله لذلك يعلمنا السيد المسيح قائلا: أما أنت فإذا صليت, فادخل حجرتك وأغلق عليك بابك وصل إلي أبيك الذي يري في الخفية, وأبوك الذي يري في الخفاء يجازيك علانية… (متي 5:6) كيف يستطيع أن يشعر الناس بنتيجة صلاتنا التي قمنا بها دون أن يشاهدونا؟ نتخيل أن أحد الأشخاص يتقدم إلينا قائلا: لن آت لأسبب لكم إزعاجا أثناء الصلاة. لأنكم تطبقون وصية الرب, سأنتظر خارجا ولن أدخل معكم المكان الذي تصلون فيه أنا في حالة انتظار دائم, لا يشغلكم تعبي نتيجة الانتظار, عندي القدرة للاستمرار في ذلك لساعات طويلة, ومن المحتمل أن تصل لأيام, وبالرغم من أنني لا أتحمل تأخير أي شخص حتي ولو لدقيقة واحدة, إلا أنني في هذه الحالة لا أنزعج متحملا كل تأخير بصبر وأناة, لن آت لأراقبكم كيف تصلون في الكنيسة, ولا يخصني إذا صليتم راكعين أو واقفين, ولا إذا كانت أياديكم مفتوحة أو مضمومة, أو أعينكم مغلقة, فكل هذه الأشياء لا تعنيني لأنكم من الممكن أن تخدعونني بسهولة بالمظاهر الخارجية التي لا يعلمها إلا الله وحده.
ولكن عندما تنتهون من صلاتكم, سأراقب كل تصرفاتكم وأعمالكم, سأقوم باختباركم, ومن الممكن أن يصل الأمر لإدانتكم ومما لا شك فيه أن كل شخص نتقابل معه في حياتنا اليومية, له الحق في أن يلاحظ علينا من خلال تصرفاتنا وكلماتنا ومعاملاتنا إذا كنا صلينا حقا أم لا, كما أنه يستطيع أن يطابق صلاتنا بأعمالنا, وهل تأثرنا بها ونحياها في كل مكان, إذا عندما نصلي يجب أن نؤهل أنفسنا بأننا تحت الميكروسكوب, وكل من يقابلنا يستطيع أن يقوم بهذا الامتحان معنا, لأن موعد الصلاة ومكانها ليس داخل دور العبادة والكنيسة فقط, ولكن في كل مكان وزمان, في محيط الأسرة والشارع والمدرسة ووسائل المواصلات, إذا يجب أن يلاحظ من يتعامل معنا بأن هناك تغييرا ما حدث في سلوكنا بعد الصلاة, وأصبحنا مختلفين عما قبل.
وإذا لم نتخل عن الآنانية والعنف والظلم واللامبالاة والحقد والنميمة والكذب والكبرياء وغيرها, ستكون حتما نتيجة امتحان الصلاة صفرا, والسبب في ذلك أننا كنا نتردد الصلوات بأفواهنا فقط, دون العزم علي الاستفادة منها وتطبيقها في حياتنا اليومية, كما أن الآخرين سيكونون واثقين بأننا لم نتقابل مع الله أثناء الصلاة, ولم نترك أنفسنا تتغير بنعمته, وستصبح صلاتنا بلا معني, لأن تصرفاتنا سيئة, وكما يقول يوحنا ذهبي الفم: الصلاة تحول القلوب اللحمية إلي قلوب روحانية, والقلوب الفاترة إلي قلوب غيورة, والقلوب البشرية إلي قلوب سماوية.