حالة من التوتر القصوي تغلف العلاقات منذ عدة أيام بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والكونجرس الأمريكي، وخاصة غرفة مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون حاليا، وتولت رئاسته مؤخرا، السيدة الحديدية، نانسي بيلوسي.
الغلق الجزئي للمؤسسات الفيدرالية
الملفات المختلف حولها عديدة، خاصة وأن الرئيس ينتمي للحزب الجمهوري اليميني في مواجهة الديمقراطيين الليبراليين. ومن بين أبرز هذه الملفات كيفية إدارة دواليب الحياة والمؤسسات العامة الفيدرالية، والجدار بين الولايات المتحدة والمكسيك والمعروف باسم جدار ترامب، وأوجه صرف الميزانية العامة. وأدت هذه الخلافات إلى غلق جزئي للمؤسسات الفيدرالية في الولايات المتحدة، حيث يوجد أكثر من 800 ألف موظف فيدرالي أمريكي في بطالة فنية، يعملون ولا يتقاضون مرتبات، بعد طلب ترامب تمويل بقيمة 5 مليارات دولار، لتمويل بناء جزء من الجدار مع المكسيك.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استعداده لتحمل الاغلاق الجزئي أو الكلي للمؤسسات الفيدرالية، لشهور أطول، حتي يتم الموافقة من قبل الكونجرس علي التمويل الكامل للجدار العازل مع المكسيك.
ففي الوقت الذي يؤكد فيه ترامب أن الأمن القومي الأمريكي لن يتحقق إلا ببناء هذا الجدار. أعلنت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب أن كلام ترامب غير واقعي، ولا يمكنه أن يحبس ملايين الأمريكيين في وضعية الرهائن، بسبب هذا الجدار غير الواقعي.
ولتخفيف حدة التوتر، دعا ترامب لتكوين لجنة مشتركة بين الإدارة الأمريكية والكونجرس، يمثل فيها الإدارة نائب الرئيس مايك بنس من أجل التوصل لحل، خاصة وأن كل فريق مستمسك بموقفه.
من يتحمل التمويل المكسيك أم الناخب الأمريكي؟
وتقدر تكلفة بناء الجدار العازل بين المكسيك وأمريكا، بنحو 24,8 مليار دولار، علي امتداد 1600 كيلو متر علي الحدود بين المكسيك وأمريكا، وبارتفاع 8 أمتار.
وسبق لترامب وأن أعلن أكثر من مرة أنه سيقوم بفرض ضرائب علي صادرات المكسيك لأمريكا، ولكن هذا الإجراء لم يتم لأنه يتطلب موافقة الكونجرس من ناحية، علاوة علي أن المكسيك ترفض تحمل أى نفقات من جانبها، خاصة وأنها ترفض بناء هذا الجدار العازل، لمنع تدفق المهاجرين واللاجئين من أمريكا الجنوبية والوسطي عامة والمكسيك خاصة، للهروب نحو الشمال.
هذا ويجد ترامب صعوبات عديدة من أجل تمويل الجدار، فالمكسيك ترفض أي مشاركة تمويلية، والكونجرس حينما كان يتمتع بأغلبية جمهورية، اعتمد حوالي 1,8 مليار دولار، من التكلفة الكلية. لكن بعد أن تغيرت توجهات الكونجرس، وهيمن الديمقراطيون عليه، بدأ البعض يدعو ترامب لجمع تبرعات من إجمالي 60 مليون ناخب، الذين صوتوا له في الانتخابات الرئاسية، أمام هيلاري كيلينتون، ليتبرع كل منهم بحوالي 80 دولارا، لتمويل ميزانية بناء هذا الجدار العدائي مع المكسيك ودول أمريكا الوسطي والجنوبية، وخاصة السلفادور وهندوراس وجواتيمالا. وبهذا التمويل، إذا تم فأنه سيكون تمويل من الشعب الأمريكي، ومعبرا عن موافقته علي هذا الجدار، خاصة وأن الاقتصاد الأمريكي، في حاجة دائمة للمهاجرين من أجل تجديد دمائه بصفة منتظمة.
الشريك التجاري الثالث وإلغاء الناقتا
يذكر أن المكسيك تعد الشريك التجاري الثالث للولايات المتحدة، بعد كندا والصين، بما يعادل نحو 724 مليار دولار، وفق تقديرات عام 2018.
هذا وحاول ترامب أن يبتز المكسيك خلال مفاوضات اتفاقية النافتا التبادل التجاري الحر بين دول أمريكا الشمالية، والتي استمرت لأكثر من 25 عاما. ولكن منذ شهور أعلن ترامب عن عدم رضائه عنها وضرورة إعادة التفاوض بشأنها من جديد، لأنها تبخس بحقوق الاقتصاد الأمريكي، لمصلحة المكسيك وكندا.
وبعد مفاوضات شائكة وضاغطة ثلاثية ثم منفردة بين الولايات المتحدة والمكسيك، ثم الولايات المتحدة وكندا، تم الانتهاء من المفاوضات أواخر عام 2018 بتوقيع اتفاقية جديدة أطلق عليها اتفاقية التبادل التجاري الحر بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. وحصل من خلالها ترامب علي العديد من الامتيازات للاقتصاد الأمريكي، لكن كلا من المكسيك التي وقعت الاتفاقية أولا، ثم كندا، حافظت علي مستوى صادرات جيد جدا للسوق الأمريكية الكبيرة.
تراجع الهجرة غير الشرعية
وكثيرا ما وجه ترامب انتقادات حادة للمكسيك باعتبارها نقطة مرور لمئات الآلاف، بل الملايين من اللاجئين والمهاجرين بصورة غير شرعية من دول أمريكا الوسطي، حيث لا تقوم المكسيك بعمل أى شئ لمنع هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين من المرور بأراضيها وصولا إلي أرض الأحلام، الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتزرع ترامب بمقولات حماية الأمن القومي الأمريكي، وأن المهاجرين غير الشرعيين عبارة عن غزاة سيدمرون الاقتصاد والمجتمع الأمريكي، وسيرفعون من مستوى الجرائم في المجتمع. ويتحجج ترامب بأنه في عهد الديمقراطيين زادت الهجرة غير الشرعية ما بين 2015 – 2017 بنسبة 27%. في حين قلت الهجرة غير الشرعية عام 2018، في عهده بنحو 25%، بعد اتباع السياسات الحمائية، لدواعي الأمن القومي الأمريكي.
وتشير التقديرات إلي أن عدد المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين علي الأراضي الأمريكية يدور حول 12.4 مليون شخص، غالبيتهم يعمل في وظائف، ذات أجور متدنية للغاية، في القطاع غير الرسمي الأسود للاقتصاد الأمريكي.
اللاجئون والاعتبارات الإنسانية
وأثارت سياسات ترامب تجاه الهجرة انتقادات دولية، بما فيها كندا، التي استقبلت عشرات الآلاف اللاجئين غير الشرعيين، القادمين من أمريكا عبر الحدود الأمريكية الكندية المشتركة، خاصة من جانب الأحزاب اليمينية في الأقاليم الكندية، مقارنة بالحكومة الليبرالية الفيدرالية، التي فتحت وقتها الحدود علي مصرعيها، لدواعي إنسانية.
وأعلن ترامب أكثر من مرة أن سياسات الليبراليين الديمقراطيين تجاه اللجوء خربت الاقتصاد الأمريكي، حيث كانت إدارات الديمقراطيين تقبل سنويا ما يزيد علي 110 آلاف لاجئ سنويا، في حين أعلن ترامب أنه لن يغلق كلية برنامج اللجوء، ولكنه سيخفضه إلي مستوى 30 ألف لاجئ سنويا، علي أن يبقي اللاجئون في بلادهم، خلال دراسة ملفاتهم ، وبعد البت والقرار النهائي فيها بالقبول يمكنهم القدوم إلي الولايات المتحدة!
ويستمر حتي الآن الصراع بين الإدارة الأمريكية التنفيذية، والكونجرس الأمريكي السلطة التشريعية حول قضية تمويل الجدار، وعناد كل منهما، وهو ما يؤدي لاستمرار الإغلاق الجزئي للمؤسسات الفيدرالية للدولة الأمريكية.