بعث قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية؛ اليوم برسالة رعوية لجموع الشعب القبطي في كل العالم بمناسبة “عيد الميلاد المجيد”.
حيث عَبرَّ قداسته خلال فيديو مسجل أُرسل للكنائس القبطية الأرثوذكسية بالخارج قائلاً:
“اهنئكم جميعا بعيد الميلاد المجيد وأرجو للجميع كل خير وكل بركة في كل مكان، أرسل تهنئتي القلبية وتهنئة كل الكنيسة هُنا في مصر أرسلها إلى الجميع؛ جميع الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة والخدام والخدمات والأراخنة ومجالس الكنائس والشباب وكل الشعب والأطفال في كل كنائسنا القبطية في سائر قارات العالم، في أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا وأفريقيا وآسيا واستراليا وفي كل الأماكن التي يتواجد فيها الذين يحتفلون بعيد الميلاد المجيد وفقا للتقويم الشرقي.
عاش الإنسان بعد أن خلقه الله وأراد له أن يكون إنساناً كاملاً يعيش في إنسانية كاملة؛ وأعطاه وزوده بكل المواهب الكثيرة، ولكن هذا الانسان قَبِلَّ الخطية وكَسرَ وصية الله وعاش في ظلمة؛ وهذه الظلمة نسميها الظلمة الروحية، عاش فيها الانسان بعد أن كان يتمتع بالحرية وبالحب وبالوصية، اختار أن يعيش في الفراغ وفي اليأس وفي الخطية، فقد الرجاء وعاش في الاحباط وامتدت الخطية وانتشرت إلى كل العالم، وصار تعبير الكتاب المقدس “الجميع زاغوا وفسدوا واعوزهم مجد الله”.
وانهارت انسانية الانسان، وفقد الانسان أهم ما عنده وهو الإنسانية؛ وصار الانسان رويداً رويداً؛ وجيلاً بعد جيل يفقد انسانيته ويجف في الحب الذى يعطيه هذه الإنسانية، وصار الانسان جائعا إلى الحب وهذا الجوع إلى الحب جعله يعيش في هذا الفراغ الكبير جداً، رغم تقدم العالم بكل وسائل التواصل الشديد بين كل أطراف المسكونة.
وأين العلاج؟…. كان العلاج هو الحب، أن يأتي من يقدم له الحب وأن يأتي حُباً فيه، فجاء السيد المسيح، كما نقرأ في الانجيل المقدس ” هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له حياة أبدية”.
وجاء السيد المسيح يقدم لُطفاً وحناناً وحُباً وكان قصده من كل هذا أن يرجع الانسان إلى انسانيته، ولم يكن هناك سبيل إلا هذا الأمر” أن يتواجد الله معنا” فسار عمانوئيل الله معنا والكلمة صار جسداً في وسطنا.
لم يرسل الله ملاكاً ولا رئيس ملائكةٍ ولا نبياً ولا رجل سياسة ولا سفيراً ولكن جاء بنفسه، جاء لأن الله يحب الانسان بالحقيقة وليس بالكلام، لذلك نحن نحتفل في كل سنة بعيد الميلاد، وتتجدد هذه المناسبة، كأننا نجدد العهد بالله الذي أتى حُباً فينا يقدم لنا الحب لكل أحد.
في الميلاد المجيد نراه يحب القرية الصغيرة بيت لحم، ويحب المدينة الكبيرة أورشليم، ونراه يحب الرعاة المنسيين وسط زحام البشر، ونراه في نفس الوقت يحب المجوس الذين في بلاد بعيدة عن اليهودية وعن أورشليم، يحب العذراء الفتاة الفقيرة واليتيمة، ويحب في نفس الوقت المرأة المترملة “حنا النبيه”، يحب يوسف النجار الشيخ الوقور حارس سر التجسد ويحب أيضا لشيخ الوقور القديس سمعان الذى انتظر مجيء المسيح، لقد أحب الانسان كله وجاء ليشبعه من الحب، الحب الذى يحتاجه لكي ما يعود إلى انسانيته.
لذلك في عيد الميلاد المجيد، الله يرسل حُبَهُ إليك؛ وإلى كل أحد يرسل هذا الحب؛ ويقول لك إن الله ليس بعيدا عنك، يقول إن الله لا ينساك ابداً، يقول لكل أحد أن الله لا يكرهُ إنساناً، إنما هو يكره خطية الانسان؛ ولكنه يحب الانسان ذاته، هو يبحث عن كل أحد، هو جاء لكي يملئك رجاءً وفرحاً وتهليلاً، الله بالحب يعيد انسانية الانسان.
لذلك أيُها الحبيب في كل مكان احترس أن يجف قلبك من الحب، احترس أن يكون قلبك دافئا بالحب الذي يُقدمه المسيح لك، أعرف أنعلي الرغم من الأمور العصرية التي نتعامل معها والتواصل الواسع الموجود في العالم كله الذي جعله قرية صغيرة، لكن الانسان من كثرة تعامله مع الآلات جف قلبه من الحب؛ وازدادت ضعفات كثيرة أمام الانسان، ازداد ضعفه في علاقاته مع الآخرين وفي حبه للآخرين وفي حبه للحياة، نجد في العالم ازدياد في العنف والجريمة والارهاب والتفكك الاسري والانحرافات المتعددة وكل هذا لأن قلب الانسان جف من الحب.
لذلك عيد الميلاد، فرصة ورسالة لكل أحد فينا أن يأتي ويشبع من هذا الحُب، كما يقول السيد المسيح في العظة على الجبل “طوبي للجياع والعطاش إلى البر” .. إلى المسيح إلى الحب .. لأنهم يشبعون.
أهنئكم أيها الأحباء بهذا العيد وبفرحة الميلاد المجيد نتذكر أحبائنا الشهداء الذين يفرحون أيضا بوجودهم في السماء ونتذكر المصابين ونصلى من أجل شفائهم، ونصلى من أجل سلام العالم كله، من أجل بلادنا مصر؛ ومن أجل كل انسان؛ من أجل كل كنيسة؛ ومن أجل الخدمة؛ ونصلى أن يرسل الله هذا الفرح لكل أحد .. كما تقول أنشودة الميلاد “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة” وفي الناس الفرح.
تحياتي وكل أمنياتي لجميعكم؛ راجيا لكم أياماً مُقدسة في هذا العام الجديد؛ وفرحة الميلاد التي تملأ قلوبكم جميعًا؛ وتستطيعون أن تنقلوا هذا الفرح وهذا الحب لكل أحدٍ؛ ولكل المجتمعات التي تعيشون فيها.
يُبارك الله حياتكم ويُبارك كل ما تمتد إليه ايديكم ولإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد أمين.
https://popetawadros.org/?p=16075