لأن مفهوم التربية الشاملة للأطفال بات يتطلب اكتساب مهارات مختلفة في تعاملنا مع أبناءنا بشكل صحي تتخطى فيه كل الحواجز و الحدود للوصول إليهم بطرق سليمة و علمية مبتكرة، نظم “مركز كوكب مارمرقس للتدريب و البحث”، بكنيسة مارمرقس بشبرا ورش عمل للأطفال، تحت عنوان “أنا غالي” لترسيخ المعنى الحقيقي لقيمة احترام النفس وتقدير الذات لدى الطفل و ما الصورة الذهنية التي يحتفظ بها الطفل في نفسه عن ذاته وعن مواهبه وعن قدراته، و من ثم تنوير الأسر بمفهوم التنشئة الصحيحة لأطفالها و لأي مدى تعي بأهمية غرس تلك القيمة في نفوس أطفالها ضمن عملية التنشئة الاجتماعية دون اختزال دورها في اتجاه إشباع رغباته و احتياجاته الجسدية .
استهدفت ورشة العمل فئات عمرية مختلفة تتراوح أعمارهم من 4 سنوات و حتى 11 سنة مقسمة ل ثلاث مراحل , بدء من عمر 4 إلى 6 سنوات مرورا بعمر 6 سنوات و حتى 8 سنوات، و أخيرا ورشة معنية بالسن من عمر 8 إلى 11 سنة، كل يقدم له المعلومة بحسب مرحلته العمرية و بصورة علمية مقدسة من باب نشر الوعي و بناء جيل قادر على مواجهة التحديات، “وطني” تابعت ورشة العمل، و إليكم تلك المتابعة..
قسمت ورشة العمل محور “أنا غالي”، إلى 4 أهداف ( الإحساس بالقيمة، تقدير الذات، الثقة بالنفس، الدفاع عن النفس ) متضمنة أفكار و أساليب متنوعة و مبتكرة مبنية على أسس و مناهج علمية من المونتيسوري بكونه منهج حديث لتعليم الأطفال يعتمد على الفكر وتطوير المهارات و تنشيط الوعي دون التلقين؛ لتوصيل الهدف وراء مسمى “أنا غالي” من خلال أسلوب شيق و متنوع .
بدأت ريموندا رؤوف و مادونا ميلاد الخادمتان بكنيسة مارمرقس بشبرا و المعنيتان بكورسات تنمية المهارات الحياتية، ورشة العمل بلعبة بسيطة للتعارف، و هي أن يمسك كل طفل مرآة ليعرف نفسه، ثم يذكر أهم ما يميزه في شكله من وجهه نظره، فمنهم من قال شعري، و من منهم من قال عيني، و منهم من قال ملابسي و غيرها من باب كسر حدة الخجل و التعامل بتلقائية مع بعضهم البعض، و كانت الرسالة الموجهة من الخادمة للأطفال “أن كل واحد فينا مهما كان مختلف فهو مميز” ربما البعض يرانا بلا قيمة و بلا فائدة و هنا على مسئولية تجاه نفسي بأن أثق أن الله خلقني مميزة جدا و أننا مع بعض دائما متكاملين رغم اختلاف ملامحنا.
كما حولت الخادمة أنظارهم لنقطة مهمة، و هي أن التميز ليس فقط في الشكل و المظهر الخارجي بقدر ما يكون من الداخل و بالتالي لدينا مواهب و إمكانيات تستحق منا اكتشافها و تنميتها لتجعل منى ذات قيمة حقيقية، و عليه لا نحصر اهتمامنا فقط بمظهرنا الخارجي.
سردت مادونا ميلاد قصة الضفادع للأطفال، قائلة :عندنا ثلاث ضفادع قرروا انهم يطلعوا جبل عالي و بدأوا بهمة، و هما طالعين لاقوا ضفادع صغيرة حواليهم عمالين يقولوا بصوت عالي يا ضفدعة الجبل عالي.. مش هتقدري تكملي فكانت النتيجة أن الضفدعة الأولى بدأت تتأثر بالكلام و تحس أنها مش هتقدر تكمل و بدأت تنزل، و هما عمالين يعلوا صوتهم ثاني و تسأل الأطفال يا ترى بيقولوا إيه، فيردوا الأطفال بحماس “يا ضفدعة الجبل عالي.. مش هتقدري تكملي” فقامت الضفدعة الثانية تراجعت و نزلت.
و بدأت الضفادع الصغيرة تنشط أكثر و تعمل دوشة أكبر و تردد الأطفال بفرحة “يا ضفدعة الجبل عالي.. مش هتقدري تكملي” و الخادمة تقول لكن مع الضفدعة الثالثة حصلت حاجة مختلفة، و هي أن الضفدعة كملت و وصلت رغم كل الكلام اللي حواليها.. و بدأت تسأل الأطفال عارفين لإيه كملت ؟ فكانت اجابتهم علشان كان عندها هدف عاوزة توصل له و منهم من قال علشان ماسكة فى ربنا , و كانت المفاجأة هى ان الضفدعة كانت فاقدة حاسة السمع و بالتالي هي ماسمعتش كلام الضفادع الصغيرة اللي كانوا بيحاولوا أن يقللوا من عزيمتها”.
أكدت مادونا من خلال القصة، أننا نتعلم أن لا ندع أي كلام سلبى يأثر علينا أو أنه يبعدنا عن هدفنا، صحيح الضفدعة كان لديها مشكلة في السمع و إحنا لينا إذن نسمع بها و كثيرا ما يردد لنا كلام سلبي ممن حولنا مثلا “أنت مش هتحصل درجات” , “شايف فلان أحسن منك ازاي” , “مش هتفلح” , “مش هتقدر تكمل” و غيرها من كم الإحباطات التي بإمكانها فقد الثقة في نفسي و إمكانياتي و قدراتي إلا أنه رغم الظروف المحيطة لازم أتعلم أن أثق في ربنا أولا و اتحدى كل ما يواجهني من إحباطات , و في كل مرة أقول لنفسي أنا قوي .. أنا بطل .. أنا أقدر , الضفدعة تظهر و كأنها ضعيفة بفقدانها حاسة السمع لكنها في حقيقة الأمر بطلة و قوية في نظر الضفدعتين بتركيزها على هدفها و وصولها إليه .
بدأت الخادمة ريموندا رؤوف تفتح باب النقاش مع الأطفال و إتاحة الفرصة أمامهم للتعبير عن أنفسهم و ذكر ما يتعرضون له من واقع تجاربهم الحياتية داخل محيطهم الصغير سواء أسرتهم أو أصدقائهم أو أقاربهم , و بدأت الخادمة معهم تبنى برج الإحباط بوضع علب كرتون مدون عليه كروت توضح ما تعرضوا له الأطفال من إحباطات و عبارات سلبية , فكانت فقرة إيجابية استمعت فيها لكل طفل مشارك لتساعده على التعبير عن نفسه و من ثم التخلص من أي طاقات سلبية يمكن أن تأثر على نفسيته، فكانت تأخذ منهم و تضع على برج الإحباط و كأنها ترمى طاقات سلبية لتستبدلها بشحنات إيجابية.
و كان التفاعل إيجابي الكل يسعى لذكر موقف تعرض له ليبنى معا برج الإحباط، فكانت المواقف من أحد المشاركين أن “واحد قال لي أنت مش هتقدر تفتح الزجاجة أو تقفل الجاكيت” , موقف ثاني “حد بيتكلم على كلام مش حلو” , موقف آخر “أنت فاشل ما تتكلمش معنا ثاني” , “خطك وحش” , “مش بتعرفي ترسمي” , “أصحابي بيستغلوني لما يكونوا عاوزين مني حاجة بيتكلموا معايا ” , “أصحابي بيقولوا على أني سوداء ” , ” قلت لحد من أصحابي على سر و لاقيته قاله لحد ثاني” و غيرها من المواقف السلبية .
وضحت ريموندا للأطفال أن غالبية المواقف التي ذكرونها تعرضت لها، و هي في نفس مرحلتهم العمرية , مؤكدة أن أهم شىء هي نظرتي لنفسي و اعرف أني غالية جدا و لدى قيمة و لا ادع مجالا لأي عبارات أو مواقف سلبية تأثر على .
و انتهزت ريموندا فرصة سقوط بعض كروت المواقف السلبية مع على برج الإحباط، فقالت لعله موقف نستفيد منه بأن المواقف السلبية تنسى و ما يبقى هو المواقف الإيجابية و الامور الثابتة، و أشارت إلى الأهداف الإيجابية التي ذكرونها فى بداية الورشة و كل واحد يحلم أن يصبح إيه في المستقبل و من ثم على التركيز في هدفي.
قدمت ريموندا قصة حصان وقع في بئر و اغتم صاحب الحصان، و قال في نفسه “عمري ما هاقدر اطلعه” و الناس عمالة ترمى على الحصان تراب و كأنها هتدفنه، و هو حى و نلاقي الحصان رغم الظروف اللي فيها و الناس عمالة تردم عليه إلا أنه مع كل تراب يترمى عليه يقوم ينفض نفسه كويس و يخلي التراب تحت رجليه لحد ما بدأ يرتفع شوية شوية نتيجة تراكم التراب فوق بعضه لحد ما طلع نفسه، إحنا كمان نتعلم أن كل الإحباطات التي تواجهني ارميها و اتحدى الظروف و اخليها ترفعني .
اختارت ريموندا عشوائيا من الاطفال كل واحد يقول شايف ايه حاجة مميزة فيه , و الاطفال شاركوا ” باساعد ماما فى المطبخ ” , ” اشترى حاجات لماما ” , ” عندى موهبة تمثيل ” , ” بتعامل مع غيرى باحترام ” , و غيرها و هنا طلبت من الاطفال المشاركين بهدم برج الاحباط و ازالته و هم يرددون آية من الكتاب المقدس ” ليقل الضعيف بطل انا ” .
تقدير النفس و الثقة بالنفس
احضرت مادونا طبق به تفاح , و بدأت تسأل الاطفال ما وجه الاختلاف بين التفاح الموجود امامنا , فجاوب احد الاطفال الحجم و اخر اللون و بعدها قامت بقسم التفاح الى نصفين و خرجت بنتيجة انه بالرغم من ان الحجم و اللون من الخارج مختلف الا ان التفاح من داخله واحد , و احنا كمان نتعلم اننا بالفعل مختلفين فى الشكل من حيث لون البشرة و الملامح لكن من داخلنا شبه بعض و هو ما قصد الله بنا حينما خلقنا غاليين و مميزين و بالتالى اعرف ان قيمتى فى نفسى و ليس فى شكلى .
اكدت ريموندا مع الاطفال انى ممكن اكون زى نقطة المياه مؤثرة حتى لو فى نظر الناس ليس لها قيمة , اقدر ارد و اقول ان نقطة المياه لو نزلت كل يوم على مكان معين ممكن تعمل حفرة مليانة مياه مقارنة اذا رميت جردل مياه لم يكن بنفس تأثير نقطة المياه و بالتالى لا يستهين بنا احد .
تحدثت ريموندا عن اهمية الثقة بالنفس من خلال سرد قصة ” الفيل ” و كيف انه رغم كونه حيوان قوى الا انه لا يعرف قيمة نفسه نتيجة خبراته السلبية السابقة , موضحة ان التعامل مع الفيل منذ صغره يربط فى جدار و عليه كلما يحاول المشى و التخلص من الاربطة يكتشف عدم مقدرته و للاسف يعتقد فى ذاته عدم المقدرة حتى فى مرحلة الكبر و هو بدون اربطة الا انه يظل مربوطا فى مخيلته و يظل مستسلما دون محاولة , و علينا الحذر بالا نعيش حالة الاستسلام هذه نتيجة خبرات سلبية تعرضنا لها فلا احاول المذاكرة بعدما سمعت ” انت دماغك فى المذاكرة ” و غيرها و تكون لدى الثقة فى نفسى و اعمل على هدم السور الذى وضعته لنفسى و افتكر ان دائما اقدر , و اقول ” ليقل الضعيف بطل انا ”
دفاع عن النفس
بعدما تعلمت ان قيمتى غالية , اعرف ان جسدى ايضا غالى و من ثم على مسئولية حمايته , فمن سمات البطل الحقيقى الاحتمال دون رد الايذاء فى المقابل الدفاع عن النفس .. هنا اشتركتا ريموندا رؤوف و مادونا ميلاد فى اعداد ” اسكتش ” صغير اختلقتا فيه تعمد مادونا التعامل مع ريموندا بشكل غير لائق و اخذ منها ما لديها من كتب أو اكل بالقوة و وصول الامر لتهديدها اذا ما قالت لاحد عما فعلته معها و كانت فى المقابل تدافع ريموندا عن نفسها و ترد الايذاء عنها دون ان تقع فى اى اخطاء و ترفض تهديدها بانها ستخبر اسرتها , و هنا سألوا الاطفال المشاركين عن نقاط الصح و الخطأ فيما راه و سمعوه خلال ” الاسكتش ” و كان رد الاطفال رفض ما فعلته ميس مادونا من التدخل فى حدود ريموندا و رفض تهديدها لها فى حين اشادوا بموقف ريموندا بانها دافعت عن نفسها دون محاولة ايذائها كما فعلت , الى جانب اصرارها على ابلاغ اسرتها و عدم التخوف منها .
اكدت الخادمتان ريموندا و مادونا انى فى حالة تعرضى لموقف ايذاء ما , اعمل على تحذير من امامى بالكلام و اعلان رفضى لاى محاولات استغلال أو التعامل باسلوب غير مقبول , الخطوة الثانية ادافع عن نفسى و لا ارد الايذاء و اخيرا الجأ سريعا لشخص اكبر منى اثق فيه لمساعدتى .
فى نهاية ورشة العمل تم توزيع تقرير مفصل عن اليوم و ما قدم للطفل خلال الورشة لتوعية الاسرة كيفية التعامل مع اطفالها بشكل ايجابى و البعد كلية عن العبارات السلبية و انما التأكيد على نقاط التميز لدى ابنائنا و اكتشاف مواهبهم مع اعطائهم مسئوليات للمشاركة فى المنزل من باب اشعارهم بوجودهم و اهميتهم .